26‏/01‏/2012

الحرية وحدها لا تكفي

واصف عواضة
السفير 26 ك2\يناير 2012
احتفلت مصر امس بالذكرى الاولى لثورة «25 يناير». احتشد المصريون في ميدان التحرير، ليس فقط من اجل الاحتفاء بالذكرى وفق التقليد المتبع، بل للتأكيد على أن اهداف الثورة لم تتحقق كما يجب، وأن الحراك الذي قامت من أجله الثورة ما يزال مستمراً لتحقيق هذه الاهداف. ففي رأي هؤلاء أنه لا يكفي ان يسقط رأس النظام ويبقى النظام نفسه قائماً.
قد يكون من المبكر الحكم على الثورة المصرية. فما من ثورة في الدنيا حققت أهدافها الكاملة في سنة واحدة، لأن آلية التغيير التي تحكم الثورات تتطلب مزيداً من الوقت لإحداث التغيير المطلوب. ففي مصر نفسها بعد ثورة 1952 تطلب التغيير بضع سنوات، حيث أحدثت الثورة انقلابات في الأنظمة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فضلاً عن منظومة العلاقات المصرية مع الخارج، وخاصة في الدائرة العربية. لكن هذه الثورة كانت قد حدّدت من الأساس أهدافها وآلية التغيير المطلوبة، وهو ما لم تنجح الثورة المصرية الجديدة في تحديده، حتى لتبدو مصر الآن سائرة نحو المجهول.
لقد حققت ثورة 25 يناير حتى الآن إنجازاً مهماً يتلخص بإطلاق الحريات العامة، سياسية واعلامية وثقافية، وهذا إنجاز لا يمكن الاستهانة به. لكن الحريات وحدها لا تصنع ثورة ناجزة. وكثيراً ما يساء استخدام الحرية الى درجة الفوضى، ما يصعّد وتيرة الازمات التي يفترض بالثورة أن تعالجها. وتطرح هذه الحالة النموذج اللبناني الذي يفيض بالحرية، لكنه عاجز عن تحقيق العدالة الاجتماعية والإنسانية وعن معالجة الأزمات الاقتصادية وعن بناء منظومة علاقات خارجية توفر للنظام حداً مقبولاً من السيادة والاستقلال والكرامة.
انطلاقاً من هذا المفهوم يفترض بالثورات العربية الناشئة أن تستفيد من النموذج اللبناني، حتى لا تقع في حالة الشلل التي يعيشها النظام اللبناني منذ الاستقلال قبل نحو سبعة عقود. هذا النظام الذي نجح في توفير كمٍّ لا بأس به من الحريات، وأخفق في تحقيق عدالة اجتماعية ونظام اقتصادي سليم وعلاقات خارجية قويمة، وهو ما أنتج ثورات وحروباً أهلية متعاقبة واحتلالات ووصايات خارجية وحياة سياسية فارغة من أي مضمون.
على أنه لا تجب الاستهانة بضرورة قيام الحريات العامة في اي بلد من البلدان. صحيح أن الحرية وحدها لا تطعم خبزاً ولا تقيم عدالة اجتماعية ولا تحقق سيادة ولا ديموقراطيات سليمة، إلا انه من السخف الشديد إقامة أنظمة يتوفر فيها الكثير من الخبز والقليل من الحرية، وإلا يكون الخبز مجرد مادة لكمِّ الافواه وحشو البطون لا أكثر ولا أقل. فالحرية والخبز صنوان، وهو ما تحتاجه وتفترضه أي ثورة من أجل أن تكون ثورة ناجحة. وعلى هذا الأساس يبدو من حق المصريين، كما التوانسة والليبيين واليمنيين والعراقيين والآتين على الطريق، ان يعترضوا على توجهات ثوراتهم وربيعهم الذي يكاد ينحصر في توفير هوامش من الحرية لن تلبث ان تسقط امام غياب العدالة الاجتماعية والاقتصاد السليم والعلاقات السيادية الناجزة.
لطالما اندهش العرب بالنموذج اللبناني الحر في ظل الأنظمة القمعية التي حكمتهم طويلاً، لكنهم بلا شك بدأوا يشعرون اليوم شيئاً فشيئاً بوطأة مثل هذا النظام في بلدانهم، وهو ما يحفزهم على عدم الاسترخاء والتسليم بما تحقق حتى الآن، حتى لا يدفعوا الثمن مرات عدة في المستقبل، وكي لا تضيع الفرصة التي توفرت لهم في هذه الحقبة من الزمن, وقد لا يتوفر مثيل لها في المستقبل القريب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تحية الافتتاح