06‏/06‏/2011

حـروب المئـة عـام؟

واصف عواضة
السفير 6 حزيران 2011
دامت «الحملات الصليبية» على الشرق نحو قرنين من الزمن. بدأت الحملة الاولى في نهاية القرن الحادي عشر، وانتهت الحملة الاخيرة في نهايات القرن الثالث عشر. ويفضّل بعض المؤرخين استخدام تعبير» الفرنجة» على الغزاة بدل «الصليبيين»، باعتبار ان الصليب المقدس للسيد المسيح براء من الاعمال البربرية التي ارتكبها هؤلاء الغزاة في بلاد المشرق، والتي كان مسرحها بالتحديد تركيا وبلاد الشام ومصر، وكانت القدس الحلقة المركزية في هذا الصراع.
على مدى قرنين من الزمن (وتحديدا 195 عاما) ظلت الحرب بين كر وفر، خاصة على المدن الرئيسية في هذه المساحة الجغرافية، من القسطنطينية الى انطاكيا والموصل ودمشق وطرابلس وبيروت وصيدا وصور وعكا وعسقلان والاسكندرية ودمياط والقاهرة، فضلا عن المدينة المقدسة. وقد تعرضت هذه المدن مرارا لعمليات الابادة الجماعية والسلب والنهب والتدمير الكامل على ايدي المنتصر، بحيث لم يتعفف المسلمون عن ارتكاب مجازر انتقامية وحشية بحق الفرنجة لدى استعادتهم هذه المدن.
خلال هذين القرنين زالت دول وممالك ونشأت اخرى على انقاضها، من السلاجقة الى الفاطميين والايوبيين والمماليك قبل ان تفرض الدولة العثمانية سيطرتها على المشرق، وتذهب بغير رجعة بدولة الخلافة العباسية التي كانت صورية خلال الحملات الصليبية.
ان استعادة متأنية للتاريخ تكاد تنبئ بأن المنطقة على اعتاب مرحلة جديدة من «حرب الفرنجة» التي بدأت مع زوال الدولة العثمانية و«وعد بلفور» ثم احتلال فلسطين وتشريد شعبها، فالحروب العربية الاسرائيلية، الى احتلال افغانستان والعراق، وصولا الى ما نحن فيه الآن من حروب داخلية في معظم دول العالم العربي تحت شعار «الشعب يريد اسقاط النظام»، وما يتخلل ذلك من تدخلات غربية لا تستند الى معايير واحدة وعادلة في التعاطي مع الانتفاضات العربية في وجه الانظمة الحاكمة. تارة مع الشعوب في مصر وتونس وليبيا وسوريا، وتارة مع الانظمة في العراق والبحرين ودول الخليج، وطورا بين بين في اليمن، ودائما مع اسرائيل من دون جدال ولا حساب.
أمام هذا المشهد التاريخي والآني، تنتاب المواطن العربي الذي ما زال يمتلك بقية من عقل وحكمة، حالة من الارتباك في التعاطي مع التطورات التي تشهدها المنطقة. فالانظمة التي تحكمه منذ نصف قرن من الزمن (أقل او أكثر) تحتاج بلا جدل الى الاصلاح وحرية الرأي والديموقراطية وصولا الى تداول السلطة بعد ان زالت الممالك والامبراطوريات من العالم باستثناء فضائه العربي. لكنه في الوقت نفسه يرتاب من المواقف الغربية تجاه مستقبل بلاده والانظمة الجديدة التي يفترض ان تنشأ على انقاض الانظمة التي بدأت تتهاوى، وهو يضرب «أخماسا بأسداس» حيال مستقبل غير مضمون النتائج يقوم على حروب ضروس لا تبقي ولا تذر.
ان قراءة متأنية وتفصيلية لما اصطلح عليه «الحملات الصليبية» او «حروب الفرنجة» خلال القرنين الثاني عشر والثالث عشر، توحي بأن التاريخ يعيد نفسه مشهدا بمشهد، حروبا عسكرية وخلافات بين الدول وثورات على الحكام، وأن المئة عام المنصرمة قد تحتاج الى مئة عام أخرى من الحروب قبل ان تبلغ هذه المنطقة حالة الاستقرار، اذا ما قيض الله للعرب قائدا ملهما ينتشلهم من حالة الضياع فيجمع شملهم ويلم شتاتهم. وفي ظل هذا الافتراض يبدو الحديث عن خرائط جديدة ضربا من البديهيات، بحيث تزول دول وانظمة وتنشأ اخرى على انقاض المدن والبلدات والقرى، بعيدا عن ساحة الغرب التي لن تسلم بالنتيجة من صراعات على النفوذ والخيرات، تماما كما حصل في القرون التي اعقبت الحملات الصليبة .
في المناسبة وفي ظل هذه الصورة السوداوية التي لا تنبىء بالخير، ثمة من يتحدث في لبنان عن «ربيع الموارنة» و«خريف الشيعة» و«الشتاء السني»، في حين يُخشى والحالة هذه، الا يظل في لبنان حجر فوق حجر تتناحر عليه الطوائف اللبنانية الكريمة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تحية الافتتاح