06‏/05‏/2011

دولة «ما شاء الله»!

واصف عواضة- السفير 6 ايار 2011
ما كان لأحد ان يتصور قبل مئة يوم , ان تطول ولادة الحكومة اللبنانية كل هذا القدر من الزمن. فلا الأكثرية الجديدة كانت تتوسل هذا «اليأس والبؤس والويل» الذي عبر عنه الرئيس نبيه بري, ولا الأكثرية السابقة كان يخامرها هذا الأمل والحبور الناجمين عن فشل خصومها في هذه التجربة, على الرغم من بعض الانطباع الذي ساد بعض اركانها منذ اللحظة الاولى.
ربما سها عن بال الكثيرين منذ البداية ان الأكثرية الجديدة ليست فريقاً واحداً موحداً يحكمه خط سياسي واحد. فالرئيس المكلف جاء من وسط سياسي خاصم المعارضة السابقة لأكثر من خمس سنوات, وكذلك وليد جنبلاط وفريقه. اما ما يصطلح على تسميته فريق 8 آذار فهو يحتضن ايديولوجيات متنوعة تجمع بينها بعض القواسم المشتركة التي ما تفتأ ان تتداعى امام النظرة الى طريقة ادارة الحكم. وبالتالي لم يكن أحد يتوقع ان ينهض رئيس الجمهورية الى ممارسة صلاحيته الوحيدة بمثل هذا الإصرار.
كما سها عن بال الكثيرين ان الحكومات في لبنان كانت وما تزال حكومات ائتلافية تراعي تمثيل الاحزاب والكتل والطوائف والملل, تحت ستار ديموقراطية واهية. وليس من السهولة بمكان تركيب حكومات منسجمة تمام الانسجام, على غرار حكومات الحزب الواحد في الدول الديموقراطية والذي يفوز بالغالبية في الانتخابات يشكل حكومته سلفاً, وربما يخوض الانتخابات على اساسها, كما هو حاصل في بريطانيا او تركيا او معظم دول اوروبا وآسيا والغرب عموماً.
وسها عن بال الكثيرين أيضاً وأيضاً أننا في بلد تحكمه ديموقراطية سقيمة, لا هي بالنظام البرلماني الكامل ولا بالنظام الرئاسي الشامل, بل هي نتيجة اعراف وتسويات انتجت دستورا فيه من العلل ما يميزه سلباً عن دساتير كل الدول المحترمة وغير المحترمة.
لسنا إذن في ازمة دستورية عابرة, ولا في أزمة حكم موسمية. نحن امام «أزمة دستور» دائمة نتيجة العلل الناجمة عن غياب المهل عن تركيب السلطات, بحيث يتيح لأكثر من مرجع تعطيل الدولة الى ما شاء الله اعتماداً على الصلاحيات الممنوحة له. كما يتيح هذا الدستور للخارج ان يتحكم برقاب اللبنانيين في غياب المهل الزاجرة.
يستطيع رئيس الدولة, رئيس الجمهورية, تعطيل تشكيل الحكومة الى «ما شاء الله» من دون حسيب او رقيب. يستطيع رئيس مجلس النواب تعطيل البرلمان والمشاريع الواردة اليه الى «ما شاء الله», طالما يمتلك الثلث المعطل الذي يحميه من الإقالة. يستطيع رئيس الحكومة تعطيل مجلس الوزراء ومنعه من الانعقاد الى «ما شاء الله» طالما هو مدعوم بأكثرية برلمانية ووزارية. يستطيع اي وزير ان يعطل قانوناً او مرسوماً لا يقارب مزاجه الى «ما شاء الله». يستطيع اي سفير ان «يمون» على مسؤول ما الى «ما شاء الله». فأي نظام هذا هو الذي يقوم على التعطيل من دون مهل محددة تمنع الاستئثار بمسار الدولة الى «ما شاء الله»!
باختصار ومع كامل الاحترام: هذه ليست دولة... إنها دولة «ما شاء الله»!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تحية الافتتاح