02‏/03‏/2011

شباب لبنان أمام التحدي: ضرب الحديد وهو حامٍ!

الشعب يريد إسقاط النظام الطائفي»: نحو «قوة ثالثة» تفرض التغيير

شباب لبنان أمام التحدي: ضرب الحديد وهو حامٍ

السفير 2 شباط 2011

 
-  واصف عواضة

 
يجمع اللبنانيون بكل فئاتهم على صعوبة التغيير في لبنان. الطائفيون والعلمانيون والوسطيون على السواء يقرون بذلك، لكنهم لا يجدون ذلك مستحيلاً. الذين نزلوا الى الشارع الأحد الماضي لا ينقصهم الوعي بالواقع. هم يعرفون جيداً أن التغيير ليس هيّناً، لكنهم يعرفون ايضاً انه ليس مستحيلاً. فما حصل في تونس ومصر، وما تشهده ليبيا والبحرين واليمن والعراق والأردن، وبلدان أخرى على الطريق، لم يعد حلماً في ليلة صيف، ولا شيء يمنع شباب لبنان بعد الآن من تحقيق حلم ناضلت من أجله أجيال قبلهم، ومن تحويل هذا الحلم الى حقيقة.
منذ سقوط النظام التونسي تدور في لبنان نقاشات هادئة في اللقاءات والمجالس والزوايا وعبر صفحات «الإنترنت»، حول إمكانات التغيير. وتشارك في هذه النقاشات أجيال عدة، من الشيب والشباب ومتوسطي الأعمار، كانت تفضي دائماً الى سؤال وجيه: ما العمل؟
بعد سقوط النظام المصري وتحول الانتفاضات الشعبية الى بلدان أخرى، اشتدت وتيرة هذه النقاشات، وبات المتحاورون أمام التحدي الكبير: هل يجوز للبنان، صانع الانتفاضات والحركات الشعبية والنضالات المطلبية والتغييرية، وصانع المقاومة والتحرير، أن يظل بمنأى عن هذه الأجواء الجديدة في الوطن العربي؟ وهل يجوز أن يكون لبنان آخر من يرفع شعار «الشعب يريد إسقاط النظام»؟
خضعت هذه النقاشات طويلاً إلى تحليلات واقعية لا تعوم على وهج الثورات العربية ومسبباتها، باعتبار أن لبنان حالة مميزة عن بلدان العالم العربي. فالتغيير المطلوب في لبنان يتخطى أهداف الشعوب العربية التي تنشد الحرية السياسية والإعلامية والكرامة الإنسانية، وإن كانت تلتقي في مناحي أخرى اجتماعية وإنسانية ومواطنية. ويقول بعض الظرفاء إن لبنان بحاجة ماسة الى تنظيم الحريات فيه وتقنينها وانتشالها من حالة الفوضى، وبالتالي تحقيق ديموقراطية حقيقية تنظم الاختيار الحر للسلطات. ما يحتاجه لبنان هو إخراج نظامه السياسي من كهوف الطوائف والانتقال الى نظام المواطنة عبر إلغاء الطائفية السياسية، وهو ما لا تعوزه معظم البلدان العربية لاعتبارات ديموغرافية معززة بالتجانس الديني، ليس للأنظمة والحكام فضل فيها.
يقر الجميع بصعوبة هذا التغيير في لبنان لأسباب معروفة. لكن متى كانت دروب التغيير والثورات والانتفاضات مفروشة بالورود والرياحين؟ وهل حقق التونسيون والمصريون أهدافهم من وراء أجهزة الكومبيوتر والتنظير «الثورجي» عبر مواقع «الفيس بوك»، أم إن هذه الوسائل كانت المعبر المساعد للنزول الى الشارع والتصدي للنظام وأجهزته القمعية؟
في سياق المعوّقات يطرح البعض موقف المسيحيين اللبنانيين، الرافض إلغاء الطائفية السياسية، باعتبار انهم تحولوا الى أقلية في لبنان في ظل التزايد الديموغرافي للمسلمين وهجرة المسيحيين المتصاعدة من البلد. ويدفع بهذه المقولة فريق واسع من المسلمين حقق مكاسب سلطوية من وراء اتفاق الطائف، بل الأصح من خلال تجميد هذا الاتفاق عند حدود معينة.
وليس سراً أن بعض النخب المسيحية صارحت البطريركية المارونية في الفترة الأخيرة بهذا الواقع، وأبلغت البطريرك الماروني نصر الله صفير بأنه لا يجوز الاستمرار في إظهار المسيحيين بأنهم حجر العثرة في طريق التغيير وإلغاء الطائفية السياسية وصولاً الى المواطنة والعلمنة. وثمة من يرى من هذه النخب ان النظام الطائفي لم يعد في مصلحة المسيحيين، على الرغم من المناصفة الشكلية في المواقع السياسية والإدارية في الدولة. ويعطي هؤلاء مثالاً على ذلك كيف أن الجزء المرجح للمناصفة من النواب المسيحيين في البرلمان موزع على كتل لها الطابع الإسلامي، ويتم انتخابهم بواسطة الأصوات المسلمة، خصوصاً في كتل «المستقبل» «والتنمية والتحرير» و«الوفاء للمقاومة».
ويخلص هؤلاء إلى القول إن مصلحة المسيحيين، او ما تبقى منهم في لبنان، هي في الاتجاه الى المواطنة، بحيث يتحول جميع اللبنانيين الى مواطنين متساوين في الحقوق والواجبات، في إطار خطة متدرجة طويلة الأمد تخرج اللبنانيين شيئاً فشيئاً من تحزبهم للطوائف وتؤول الى بناء وطن حقيقي بكل معنى الكلمة.
من هذا المنطلق يكتسب التحرك الشبابي، الذي انطلق الأحد الماضي تحت شعار «الشعب يريد إسقاط النظام الطائفي»، الأهمية التي يستحق من خلال تحويله الى مشروع وطني جامع يؤمل أن يتدحرج ككرة الثلج التي يزداد حجمها أسبوعاً بعد أسبوع، ليشكل عامل ضغط على القوى السياسية الحاكمة، للشروع في وضع الأسس اللازمة لتحقيق الهدف المنشود.
في هذا السياق، لا يجب أن يختلف اثنان على أن التظاهرة المتواضعة الأحد المنصرم هي الخطوة الأولى في طريق الألف ميل، ويفترض ان تتبعها خطوات متسلسلة وتظاهرات متلاحقة يستعد الكثيرون للانخراط في صفوفها، بحيث تشكل هذه الظاهرة قوة سياسية ثالثة في لبنان تشبه الى حد بعيد «حركة عدم الانحياز» التي اخترقت جدار الجبارين في حقبة الخمسينيات والستينيات.
وعلى هذا الأساس ينبغي على الحركة الشبابية أن تضع خريطة طريق واضحة لتحركها تقوم على العناصر الآتية:
1- التأكيد على سلمية التحرك بعيداً عن كل أشكال العنف والتحدي والمكايدة.
2- إعداد برنامج واقعي بالمطالب المطروحة يقتصر على «إسقاط النظام الطائفي» وصولاً الى المواطنة، من دون إرباك هذا التحرك بمطالب معيشية واجتماعية وإدارية، باعتبار أن معالجة الأزمات الاقتصادية والمعيشية لا يمكن معالجتها من خلال هذا النظام.
3- انطلاقاً من ادّعاء القوى السياسية جميعها التمسك باتفاق الطائف، ليس عيباً الانطلاق من هذا الاتفاق، الذي بات دستوراً للبلاد، والتركيز على تنفيذ المادة الخامسة والتسعين من الدستور التي تنص على تشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية. وليس عيباً فتح حوار في هذا المجال مع بعض اركان الطبقة السياسية الذين نادوا بتنفيذ هذه المادة.
4- عدم وضع العربة أمام الحصان من خلال المناداة بالعلمنة قبل إلغاء الطائفية السياسية، من دون إسقاط هذا الهدف المنشود.
5- ان يتصدر الشباب هذه الحركة، كما حصل ويحصل في العالم العربي، وأن يكون الآخرون جبهة مساندة تحت شعار «سيروا ونحن من ورائكم» في كل ميادين العمل، في الشارع ووسائل الإعلام والإنترنت والمجالس والمنتديات وغيرها، حتى لا تطغى الشهوات السياسية لبعض الذين لا يجدون مطارح لهم ان يركبوا الموجة ويفشلوا عملية التغيير.
في ظل المتغيرات الكبيرة التي تعيشها المنطقة يجد لبنان نفسه أمام التحدي المصيري لمواكبة هذه المتغيرات، حيث الفرصة سانحة أمام الجيل الجديد لتحقيق ما عجزت عنه الأجيال السابقة. ولا بد من ضرب الحديد وهو حام.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تحية الافتتاح