16‏/03‏/2011

.. ويسألونك عن حكومة لبنان؟

واصف عواضة
السفير 17 آذار 2011
من يحاول قراءة الاحداث والتطورات في لبنان ومن حوله وحواليه، وتحليلها بقليل من المنطق، يضج رأسه بالمعطيات التي قد يتوصل اليها، حتى يكاد يقنع نفسه بالاستسلام للمصير المجهول الذي ينتظر البلد والمنطقة، على قاعدة «اللهم لا نسألك رد القدر بل اللطف فيه». ولعله من حق الرئيس نجيب ميقاتي ان «يدوخ» في هذه الدوامة التي لا يبدو لنهايتها قرار يؤول الى تأليف حكومة تسعد رئيسها والقائمين عليها.
البداية من لبنان حيث الانقسام العمودي لا يبشر بالخير، فقوى الرابع عشر من آذار فتحت معركة في وجه السلاح لن تصل الى نتيجة، وأقل ما يقال فيها انها عبثية، لأن المقاومة لن تتخلى عن سلاحها بالضغط والاكراه ولو أطبقت السماء على الارض. فما عجزت عنه اميركا واسرائيل في حرب دموية مدمرة لن يتكمن أحد آخر من انجازه. وليس هذا الكلام من باب التحدي ولا النكد بل هو أمر واقع لا يقلل حتى اصحاب الطرح السالف الذكر انفسهم من صعوبته ان لم يكن استحالته.
وفي لبنان بطريرك جديد للموارنة مصنف سلفا على «الصقور» بالمعنى السياسي. وإذا كان من المبكر الحكم على «البطريرك مار بشارة» سندا الى مواقف «المطران الراعي»، فان الرهان على المستقبل يحمل الف سؤال وسؤال، ما يستدعي الانتظار والتمهل في معرفة آفاق الطائفة المارونية، وهي واحدة من الشرائح الاساسية في رسم مستقبل لبنان.
حول لبنان يتغير العالم العربي بسرعة صاروخية ما تزال عصية على الفهم والتركيز.
في مصر ثورة اطاحت بأعتى نظام عربي ، وتحديات كبرى تنتظر الدولة العربية العظمى التي لطالما كانت وستبقى القاعدة والمركز والمحور الذي يدور حوله الفضاء العربي الواسع. ولعله من العبث الشديد البناء سلفا على المستقبل المصري قبل ان تستكمل الثورة بناء مؤسساتها الدستورية وانجاز هياكلها العامة ورسم سياساتها الداخلية والخارجية، وهو ما سيأخذ بعض الوقت بالتأكيد الأكيد.
في ليبيا ثورة من نوع آخر لم تستكمل فصولها بعد، وقد تحولت الى حرب طاحنة بين النظام وأهل التغيير. وليس واضحا حتى الآن مآل هذه الثورة وان كان الشعب الليبي يحصد النتائج المدمرة من دمه وماله، في ظل موقف دولي مرتبك تحكمه المصالح التي لا تقيم لهموم الناس وحرياتها وزنا ولا قيمة.
في الخليج العربي هواجس محسوبة تدفع بلدا كالسعودية الى ادخال قوات عسكرية الى بلد آخر كالبحرين، بدأت على الفور بقمع انتفاضة شعبية تطرح مطالب متواضعة لاصلاح النظام. والمفارقة الكبرى ان دول الخليج تصدرت الدول الداعمة للثورة الليبية ضد نظام القذافي، وفي الوقت نفسه تستخدم القوة المفرطة لضرب انتفاضة البحرين ودعم نظامها الملكي، وهو ما حمل رئيس الوزراء التركي الى التحذير من كربلاء ثانية في المنطقة، وهو الزعيم السني الذي يحفظ جيدا مفاعيل كربلاء الاولى.
في اليمن حرب ضروس تتفاعل تطوراتها يوما بعد يوم وتنذر باندلاع حرب أهلية تحول «البلد السعيد» الى «دولة تعيسة» بكل المقاييس. وفي دول عربية أخرى اهتزازات وجمر تحت الرماد لا يحتاج الى اكثر من نسمة ريح خفيفة، لتشتعل ثورات وانتفاضات «الشعب الذي يريد اسقاط النظام».
في ظل هذه المعطيات السالفة الذكر، قد يكون من باب الترف الشديد السؤال عن الحكومة اللبنانية ولماذا يتأخر تأليفها.. فلو كان تشكيل المؤسسات اللبنانية على اختلاف مراتبها قاصرا على ارادة اللبنانيين ومشاوراتهم الشكلية، لأمكن تأليف هذه الحكومة قبل صياح الديك في اليوم الذي يلي «الاستئناس» بآراء نوابهم.
عام 2005 دخل نجيب ميقاتي نادي رؤساء الحكومات في مهمة محددة انجزها بنجاح في ظل اوضاع محلية واقليمية مريحة. في عام 2011 يقود الرجل مركبه في بحر هائج يرى الكثيرون انه يغوص بين امواجه المتلاطمة، غير قادر على التقدم وغير عازم على التراجع، وفي كلتا الحالتين ثمة من يحذره من الابتلال بالماء. كان الله في عونه!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تحية الافتتاح