03‏/03‏/2011

مـن حسـن نصـر الله إلى سـعد الحـريـري (*)

- السفير 3آذار 2011
واصف عواضة
عزيزي الشيخ سعد،
تحية طيبة وبعد،

تأثرتُ جدا وأنا استمع الى خطابك من «بيت الوسط» عبر الشاشة يوم الاثنين الماضي، وأدهشتني المعاني والمباني الواردة فيه، لدرجة اسعدتني بلاغتك الخطابية التي خلت من الخلل والزلل. وتسنى لي لاحقا ان اقرأ هذا الخطاب مكتوبا وأتمعن في مضامينه محللا حيثياته، فازددت تأثرا به الى درجة حملتني على مراجعة الماضي بكل تفاصيله.
تطرقتَ يا شيخ سعد الى الكثير من المواضيع، لكنك ركزت على موضوع السلاح، سلاح «حزب الله»، سلاح المقاومة، فقلت «إن غلبة السلاح في الحياة السياسية والثقافية في لبنان هي المشكلة، أكرر المشكلة، التي تمنع انتظام الحياة العامة في بلدنا. خرج من يقول إن السلاح هو تفصيل وإن المشكلة هي المقاومة، أي أننا لدينا مشكلة مع مقاومة إسرائيل. ونحن نقول بوضوح: لا، المشكلة ليست المقاومة ضد العدو الخارجي، غير اللبناني، غير العربي، الذي لا عدو لنا غيره، وهو إسرائيل».
وأضفت يا شيخ سعد: «المشكلة هي مع غلبة السلاح على أخيكم اللبناني العربي، وعلى الحياة في لبنان. المشكلة هي عندما تقولون إن هذا السلاح لن يستخدم في الداخل، ثم نجد هذا السلاح لا شغل ولا عمل له إلا الداخل، منذ «اليوم المجيد» في 7 أيار 2008، وكيف ننسى «اليوم المجيد»، يوم البلطجة ببيروت والجبل وبأهل بيروت والجبل».
لا بأس يا شيخ سعد. أحترم رأيك، مثلما أحترم كل رأي آخر. لكنني من موقعي أقول انه كان في ودي ان انزل عند رأيك وألبي جميع مطالبك حرصا على مشاعرك التي تأبى ان يُرفض لك طلب. لعن الله السلطة وأوزارها يا شيخ سعد، وقد أغرتك بنعيمها حتى بت لا تتصور نفسك خارج عرشها ومجدها ودواوينها.
أصدّقك يا شيخ سعد انك مع المقاومة ضد العدو الأوحد اسرائيل. لكنني لست طيبا الى الدرجة التي أرى فيها صورة والدك الشهيد وموقفه من هذه المقاومة، خصوصا وانا أقرأ في بيان كتلتك، كتلة المستقبل النيابية، «ان سلاح حزب الله اثبت في اكثر من مناسبة انه اصبح سلاحا غير شرعي موجها الى صدور اللبنانيين».
اعذرني يا شيخ سعد. انا لا استطيع التمييز بين سلاح «حزب الله» وسلاح المقاومة، ولا استطيع ان افرق بين المقاومة وسلاحها، اذ كيف يمكن ان تكون مقاومة اسرائيل بلا سلاح؟ واي مقاومة هي التي تستغني عن سلاحها في مواجهة عدو مدجج بالسلاح والعتاد ومختلف وسائل الدمار الشامل والمحدود؟
اعذرني يا شيخ سعد. حسبي انني «تورطتُ» في موضوع المقاومة وسلاحها، ولا حيلة لي بالخروج من هذا «المأزق». ان مصداقيتي على المحك في جميع الاتجاهات، ولطالما وعدتُ فوفيت، حتى صدّقني العدو قبل الصديق، ولا أخالني اليوم ناكثا بالوعود والعهود، الا اذا وجدت مخرجا لائقا لي ولمصداقيتي!
ماذا أفعل يا شيخ سعد بعشرات الآلاف من الصواريخ التي يحسب لها العدو الف حساب؟ هل ابيعها في سوق النخاسة كما فعل بعض حلفائك في الماضي، أم اردها الى اصحابها حيث لا تتسع مخازنهم لمثلها وأمثالها؟ وهل لدى الجيش اللبناني القدرة على استخدامها وضمان حمايتها وهو مكشوف امام عدو لا يتورع عن تدميرها في مخازنها؟
ماذا افعل يا شيخ سعد بعشرات الآلاف من المقاومين الذين ألجم حماسهم للقتال والاستشهاد والتضحية في سبيل بلد حرروه بدمائهم وصبرهم ومعاناتهم؟ وهل تفترض يا شيخ سعد انهم موظفون في شركة يمكنني صرفهم من العمل بتعويضات مجزية؟ وهل تستطيع انت ان تصرف الآلاف من العاملين في مؤسساتك المنتشرة في لبنان والخارج بلا سبب ولا مبررات؟
ماذا اقول يا شيخ سعد لأهل الجنوب والبقاع الغربي الذين يعتقدون ان المقاومة حررتهم وأمنت لهم استقرارا غير مسبوق، ومن يضمن لهم كراماتهم التي اهدرت طوال عقود من الاذلال على يد عدوهم، في غياب اي غطاء من دولتهم التي يفترض ان تحمي حدودهم وتصون اعراضهم؟ من يضمن يا شيخ سعد عدم عودة الاحتلال الى ارض الجنوب والبقاع الغربي وانزال شتى صنوف القهر بالاهالي الذين عايشوه على مدى اثنين وعشرين عاما؟ ومن يضمن عدم اجتياح بيروت مرة ثانية وإذلال اهلها وارتكاب مجازر جديدة في مخيمات الاخوة الفلسطينيين؟
ماذا اقول يا شيخ سعد لأهالي الشهداء الذين يرون في ابنائهم صفوة الناس وأكرمهم عند الله والمؤمنين؟ ماذا اقول لآباء وامهات وابناء شهداء المقاومة والجنوب والبقاع الغربي منذ العام 1948 حتى «الوعد الصادق» الذين تغنت الدنيا بتضحياتهم؟
ماذا اقول يا شيخ سعد للناس الذي وثقوا بي في لبنان والخارج وصدقوا كلامي في الخطب والحوارات والبيانات والمجالس العامة والخاصة؟ ماذا أقول لثوار مصر وتونس وليبيا والبحرين واليمن والعراق الذين رفعوا صوري في بيوتهم؟ هل تستطيع يا شيخ سعد ان تنفض يدك من الناس؟ انا لا استطيع. حتى لو فعلتْ فلسوف يولد من بعدي الف حسن نصر الله، سيكون اكثر تطرفا مني تجاه اسرائيل واعوانها واذنابها.
حبذا يا شيخ سعد لو تزور الجنوب وتمضي اياما في ربوعه، كما اقترح عليك أخي الرئيس نبيه بري، فتقف على رأي أهله من هذا السلاح، لعذرت حسن نصر الله وحزبه ومقاوميه، ولربما اقتنعت انني لا أملك وحدي ناصية التخلي عن هذا السلاح.
صدقني انا في ورطة يا شيخ سعد. كان في ودي ان ألقي سلاح المقاومة في البحر إكراما لرغبتك ورغبة حلفائك. لكن اعذرني. ان مصداقيتي تجاه الناس وتجاه أهلي والمقاومين والشهداء هي كل ما أملك في هذه الدنيا الفانية، ولا استطيع ان أفرط بها. وقد سبق ووعدت بأن كل يد تمتد الى سلاح المقاومة ستقطع. وأنا مضطر اليوم لتجديد هذا العهد والوعد. والله على ما أقول شهيد.

(*) هذه رسالة افتراضية من نسج الخيال ولا تُلزم السيد نصر الله بأي حرف منها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تحية الافتتاح