30‏/03‏/2011

قبل أن يهرم أولادنا وأحفادنا

 


 

واصف عواضة - السفير 30 آذار 2011
واضح أن وثائق «ويكيليكس» عن حرب تموز لم تصدم أحدا من قيادة «حزب الله». ففي جعبة الحزب معلومات كثيرة ومثيرة عن هذه الحرب تجمعت من مصادر متعددة وتم توثيقها والتكتم على معظمها, من باب الحرص على إعادة تجميع ما أمكن من شتات البلد المنقسم بالطول والعرض, عموديا وأفقيا.
إلا ان هذه الوثائق التي تنزل كالصاعقة على جمهور الحزب والمقاومة تؤكد المؤكد لدى هذه القيادة والمتابعين من أهل السياسة والاعلام الذين سمعوا الكثير عن خفايا هذه الحرب وكواليسها السياسية والدبلوماسية. ولعل أخطر ما في هذه الوثائق انها تقطع آخر خيط من الثقة بين جناحي لبنان الحاليين, ما يحفز على استنباط أفكار جديدة تطيح المعادلة السياسية الراهنة, وتضع لبنان من جديد على طاولة البحث للخروج من هذه الأزمة التي ستعمر طويلا.
وليس سرا ان جمهور المقاومة الذي دفع الثمن الغالي في حرب تموز, والذي أعاد لملمة شتاته النفسي والمعنوي والمادي, بات يحتاج اليوم الى كثير من الجهد لكي يسامح, وهو يكتشف أن الكثير من سياسييه كانوا في صلب هذه الحرب عليه. وهو يعتبر ان الدعاوى القضائية التي طرحها الامين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله هي أقل ما يمكن إدراجه في إطار المحاسبة, لأن ظلم ذوي القربى أشد مضاضة وأكثر قسوة مما فعلته اسرائيل في تلك الحرب.
واذا كان «حزب الله» يختزن منذ حرب تموز كل هذه النيات المبيتة من خصومه حيال وجوده ومصيره, واذا كان مستعدا للمسامحة واستخدام «الممحاة» لشطب هذه المرحلة السوداء من تاريخ لبنان, فهل يعتقدن أحد انه يمكن لهذا الحزب ان يطمئن الى مستقبله ويسلم سلاحه للمطالبين برأسه في الداخل والخارج من دون أي ضمانات عملية ومنطقية, في منطقة تتغير وتتبدل أوضاعها يوما بعد يوم وساعة بساعة؟
أمام هذا الواقع, لم يعد ممكناً معالجة مستقبل لبنان بالطرق التقليدية البالية. فبلد يقوم بين أبنائه جدار عال من الشك والريبة وعدم الثقة, لا يمكن أن يبنى على دعائم مهترئة من زمن «تبويس اللحى» و«عفا الله عما مضى» و«لا غالب ولا مغلوب». وعلى أهل هذا البلد أن يفتشوا عن وسائل عصرية حديثة لإخراجه من أزمته المزمنة, وسائل تكسر المعادلات السياسية القائمة وتتخطى الطوائف وحصصها, وما من سبيل الى ذلك إلا بتطبيق الدستور اللبناني والولوج الى نظام المواطنة. وكما قال ذلك التونسي «لقد هرمنا ونحن ننتظر هذه اللحظة», ونخشى أن يهرم أولادنا وأحفادنا قبل هذه اللحظة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تحية الافتتاح