13‏/04‏/2011

بين بري ونصر الله

واصف عواضة - السفير 13 نيسان 2011
في إحدى الدورات الانتخابية النيابية في التسعينيات تصدر النائب محمد فنيش نتائج اللائحة الائتلافية بين «حزب الله» وحركة «أمل» في جنوب لبنان، وتقدم على رئيس اللائحة نبيه بري ببضع مئات من الأصوات. ثمة من اتصل بالأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله ليبلغه مزهواً بهذه النتيجة، ففاجأه «السيد» قائلاً: لا تعلنوا النتيجة بالأرقام. نبيه بري هو الأول.. ونقطة على السطر!
هذه الواقعة حضرها زائران للسيد نصر الله سأله احدهما يومها مبتسماً: لماذا هذه الشهامة؟ رد «السيد» بهدوء: «المسألة ليست مسألة شهامة. وإن استقرار الجنوب كساحة للمقاومة والتحرير أهم عندي من أي مكسب سياسي ظرفي، وهذا الاستقرار لن يتأمن ولن يتحقق التحرير إلا بصيانة البيت الداخلي، وهذه قضية اكبر من مجلس النواب والانتخابات والأرقام والحصص».
مرة أخرى بعد الانتخابات النيابية عام 2005 يُروى انه جاء الى السيد نصر الله من يطرح عليه ترشيح النائب محمد رعد لرئاسة مجلس النواب، مؤكداً دعمه وكتلته لهذا الترشيح، فرد بحزم: مرشحي ومرشح الحزب هو نبيه بري فقط لا غير.
سنوات طويلة مضت على هاتين الواقعتين وغيرهما من الامتحانات التي تعرض لها بري ونصر الله، وأمكن تجاوزها ببراعة الرجلين اللذين يحفظان جيداً امثولة «أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض». ولعل الرسائل التي تبادلها الطرفان في الفترة الأخيرة عبر الأثير كانت أبلغ مثال على الدرس الذي يحفظه قائدا «أمل» و«حزب الله» واللذان تعود جذورهما السياسية الى منبع واحد.
في حديثه الأخير المتلفز، وبعد ان أفضى نصر الله بمكنونه تجاه بري و«أمل»، كاد «السيد» ان يحمد الله ويشكره على أن الطائفة الشيعية أفرزت حزبين او تيارين رئيسيين كبيرين، كي لا يحكمها حزب واحد ويطغى على ابنائها ويغرق في بحرها، وهو ما يُسعد كل عقلاء الطائفة في الجنوب والضاحية والبقاع على وجه التحديد. فقد اثبتت تجربة الحزب الواحد في كل اقطار الدنيا انها تجربة صعبة آيلة الى السقوط. ويشهد العالم العربي في هذه المرحلة فصلاً درامياً من هذه التجربة بما تحمله من معاناة ودمار ودماء. ولا شك ان تجربة «أمل» و«حزب الله» قد نجحت خلال العقدين الماضيين بفضل هذين الرجلين اللذين يتصدران قيادتهما، ووفرت على الطائفة الشيعية وعلى لبنان الكثير من المعاناة التي شهدنا فصلاً دامياً منها في أواخر الثمانينيات، حتى ليخيل للبعض ان بري ونصر الله يكملان بعضهما البعض في بلد كلبنان تحكمه الفنون السياسية على أنواعها.
وبعيداً عن العواطف والوجدانيات التي يتبادلها الطرفان في هذه الايام، يبقى الفضل الأكبر في هذا الواقع للمقاومة التي أطلقها ذلك الرجل الكبير الإمام المغيب السيد موسى الصدر، وانخرط الطرفان في صفوفها بالتتالي بعد اجتياحي العامين 1978 و1982. فهي التي وحدت الرؤى وفرضت الزواج الأبدي بين الحزب والحركة. ولولا الحياء لقلنا ان ثمة فضلاً للعدو المشترك إسرائيل، الذي لم يميز يوماً بين ابناء جلدة هذا الإمام الذي يحفظ له الشيعة على وجه الخصوص، واللبنانيون على العموم، أنه رجل الوحدة التي كانت كلفتها عالية عليه وعلى رفيقيه.
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تحية الافتتاح