20‏/04‏/2011

جسور البطريرك

واصف عواضة
"السفير"

على الرغم من الحذر الذي لف الاجتماع الخماسي في بكركي امس، لجهة نجاح هذا اللقاء أو فشله، فإن الواقعية يجب أن تُسجل للبطريرك الماروني الجديد بشارة الراعي نجاحه في جمع أقطاب الموارنة في لبنان الى طاولة واحدة، لما تعتري العلاقة بينهم من خلافات جذرية وحساسيات عميقة عمرها نحو ثلاثة عقود من الزمن. 
لقد أطلق البطريرك الراعي منذ اللحظة الاولى لانتخابه شعار خدمته الكنسية تحت عنوان «شركة ومحبة»، وكان من الضروري أن يعتمد سياسة «الجسور المفتوحة» نهجاً لهذا الشعار. بل كان من الطبيعي أن يمد الجسور بين الموارنة أنفسهم قبل أن يعبد الطرق بينهم وبين الآخرين، فإذا نجحت هذه اولا أمكن الوصل مع تلك، حيث في جعبة البطريرك عقد قمة روحية إسلامية مسيحية والتواصل مع قادة القوى الاخرى، وبالتحديد مع «حزب الله»، وفتح جسور كانت مقفلة مع الخارج، لا سيما مع سوريا، أملا في تحقيق ما عجز عنه الآخرون. 
وليس سراً أن هذه السياسة البطريركية تلقى ارتياحا وترحيبا لدى جميع اللبنانيين الذين لطالما أرادوا من بكركي أن تكون فوق الصراعات السياسية والطائفية التي تحكم البلد منذ أمد طويل، بدءا بالطائفة المارونية نفسها التي عانت طويلا من الفرقة والانقسام والتشتت. 
لقد فقد الموارنة دورهم القيادي في لبنان منذ بداية الحرب الاهلية عام 1975، وجاء اتفاق الطائف ليكرس هذه الحقيقة، على أمل أن يتحول لبنان الى بلد تحكمه المواطنة فلا يكون فيه فضل لمواطن على آخر إلا بمقدار خدمته ومسؤوليته في الوطن. وقد أسهمت بكركي من الأساس في صياغة هذا الاتفاق الذي أنجز تسوية أوقفت الحرب وفتحت الباب على حل دائم. لكن الموارنة، روحيين وزمنيين، كانوا أول من «فرمل» الحافلة على طريق إنجاز هذا الحل باتجاه تحويل لبنان الى وطن، من خلال رفضهم الدائم مجرد البحث في إلغاء الطائفية السياسية، وهو ما تنص عليه المادة الخامسة والتسعون من الدستور. وليس تجنيا القول إن طوائف أخرى أساسية استجابت لرغبة الموارنة في هذه الفرملة، بعدما اكتشف بعضها أن ما أنجز من الطائف حتى الآن يماشي سياسته في الإمساك بتلابيب الحكم، بينما أحجم البعض الآخر عن متابعة الطريق، مراعاة أو مصلحة أو تخليا لحسابات سياسية معروفة. 
إن سياسة الجسور المفتوحة التي يعتمدها البطريرك الراعي أكثر من مرحب بها، وهي تخدم الموارنة والمسيحيين قبل غيرهم، لكن هذه السياسة ستظل شكلية وقاصرة عن تحقيق الهدف الاسمى المطلوب، وهو الاستقرار السياسي في لبنان، كمدخل لبناء وطن يفخر به بنوه، ما لم يذهب الموارنة في هذه السياسة الى آخر الطريق والخروج من النظام الطائفي الذي يتوهم بعضهم انه لا يزال في خدمة المسيحيين في لبنان. صحيح ان الطريق في هذا المجال طويل ومضن ويحتاج الى صيانة دائمة للجسور الممدودة بتعزيز ركائزها، ولكن لن يظل طريق واحد يجمع اللبنانيين اذا ما تهدمت هذه الجسور، ودور بكركي أساسي في هذا المجال. 
وحدها المواطنة تحمي الموارنة وتحمي لبنان وتحفظ أهله. وسيأتي يوم يكتشف فيه جمهور الموارنة أن المكابرة في إلغاء النظام الطائفي سيحولهم الى طائفة مغلوبة على أمرها لحساب بعض الساسة الذين يؤثرون مصالحهم الخاصة على أجساد ومعاناة أهلهم، هذا اذا لم تسلب الهجرة كل الموارنة والمسيحيين من لبنان، وتلك كارثة على بلد ميزته التنوع والتعدد والانفتاح.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تحية الافتتاح