08‏/04‏/2013

دولة «التفهم والتفاهم»

واصف عواضة
دار الزمن السياسي دورته الكاملة وعاد ليحط رحاله في دارة المصيطبة التي انطفأت فيها انوار الرئاسة الثالثة قبل أربعين عاما بالتمام والكمال، وهو التاريخ الذي طلّق فيه الرئيس الراحل صائب سلام رئاسة الحكومة في العام 1973 وغادر البلاد في الثمانينيات بسيجاره وقرنفلته، الى ان أدركه الأجل في العام ٢٠٠٠. اليوم يكلف تمام صائب سلام تشكيل الحكومة الجديدة، فتعود لدارة المصيطبة حيويتها، ولبيروت حصتها في السرايا الحكومية بعد غياب طويل
كان صائب سلام حتى النفس الأخير متمسكا بشعاره المعروف «التفهم والتفاهم»، لأنه كان يدرك جيدا تركيبة لبنان المعقدة القائمة على نظام طائفي لا مجال فيه للعزل او الاستفراد او الاستثناء. وانطلاقا من هذا الشعار كان صائب سلام يعرف جيدا ان لا مجال للتفاهم بين اللبنانيين، ان لم يتفهموا بعضهم البعض. ولذلك وضع التفهم قبل التفاهم، لانه كان يؤمن ويردد دائماً ان لبنان لا يطير بجناح واحد بل بجناحيه، ويقصد بذلك المسلم والمسيحي
الليلة عندما يأوي «دولة الرئيس تمام سلام» الى فراشه، سوف يراجع تاريخ صائب سلام من ألفه الى يائه. لن تكون شعارات الوالد الراحل بعيدة عن مخيلته. لكن الزمن تغير بحيث لم يعد احد يتفهم أحدا وما عاد التفاهم مطلبا، وبدل الجناحين صار للبنان أجنحة، فاي مهمة تنتظر المصيطبة وزعيمها الجديد؟
على الرغم مما سلف ثمة فرصة ثمينة امام الرئيس المكلف لإحياء الدور التاريخي الذي لعبه صائب سلام، فيفرش نفسه على مساحة الوطن بدلا من ان يتقوقع في أحضان طرف معين، او يسير في ركاب سياسة النكد والكيد التي تحكم البلد منذ رحيل الرئيس رفيق الحريري، فلا تغرنه السلطة ومفاتنها، ولا تجرفنه النصائح المسمومة، ولا تلين من قناعاته الضغوط الداخلية والخارجية
لا شك في ان المهمة صعبة ومضنية لكنها ليست مستحيلة. وثمة عناصر ثلاثة يمكن ان تؤمن النجاح لتمام سلام
اولها الا يعتبر تكليفه انتصارا لفريق على آخر، وهو يدرك جيدا ان ثمة من يسوّق لهذا المسار ثأرا وانتقاما ومكايدة
وثانيها ان ينتهج مسيرة صائب سلام في التفهم أولا لتحقيق التفاهم. على تمام سلام قبل تشكيل الحكومة ان يتفهم الآخر وهواجسه الحالية والمستقبلية
وثالثها ان يكون مع الناس في همومهم ومعاناتهم ومشاكلهم وقضاياهم وما اكثرها. الناس هم الستر والغطاء، وهم في الوقت نفسه من يزيل الستر ويرفع الغطاء ولو بعد حين
يفترض هذا الكلام ان تأليف الحكومة سيكون يسيرا لا عسيرا، وهو أمر مشكوك به في ظل الاجماع الذي يحظى به الرئيس المكلف، وبعد التعهد العلني الذي اطلقه النائب وليد جنبلاط بعدم المشاركة او منح الثقة لحكومة من لون واحد او تستثني أحدا. وعليه ثمة أسئلة كثيرة لا تزال حائرة في هذا المجال في ظل التناقض الحاصل والشروط والشروط المضادة بين الفرقاء. هل تحظى «دولة التفهم والتفاهم» بالفرصة المطلوبة؟
العلم عند الله!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تحية الافتتاح