29‏/04‏/2013

حروب صغيرة

السفير 27 نيسان 2013- واصف عواضة
ليس خافياً أن ما يقضّ مضاجع اللبنانيين في هذه المرحلة، يكاد ينحصر في الهاجس الأمني الذي يتفاعل على وقع الأحداث السورية. السؤال عن الغد يكاد يكون طبقاً يومياً على الموائد السياسية والشعبية, ذلك أن ذكريات الحروب الكبيرة والصغيرة التي شهدها لبنان، تسكن في أذهان الناس ولا تفارق مخيلاتهم.
على ان المتابعين والمهتمين بالشأن العام يطرحون جملة من المعطيات تقود الى نوع من الاطمئنان والاسترخاء ويمكن تفصيلها على النحو الآتي:
1 ـ إن «المذابح السياسية» التي تدور رحاها بين اهل السياسة تستبطن رغبة صادقة من الجميع، أو على الأقل من القوى الفاعلة، بعدم الانجرار الى الصدام العسكري، حتى أن أقصى المتطرفين في هذه القوى لا يستعد للحرب إيماناً منه بأن هذه الكأس المرة خضعت للتجربة ولم ولن تؤدي الى النتائج التي يشتهيها البعض، بل ثبت أن الحرب بالسياسة أكثر جدوى من الحرب بالبنادق، وغالباً ما تكون أكثر فاعلية لجهة الاستقطاب الشعبي المبني على التحريض والتعصب الحزبي والطائفي.
2 ـ إن الميزان العسكري في لبنان مختل بصورة فاقعة. وعليه فإن القادر على خوض الحرب لا يريدها انطلاقاً من قناعته بضررها الأكيد عليه، أما العاجزون، فمن الطبيعي ألا يخوضوا تجربة خاسرة مجدداً. وليس سراً أن ثمة من اتخذ قراراً حاسماً بالطلاق مع العسكرة بعد أحداث السابع من أيار 2008.
3 ـ إن الخريطة العسكرية في لبنان لا تلحظ خطوط تماس اساسية، باستثناء طرابلس، التي تشهد بين الفينة والأخرى حروباً صغيرة اثبت طرفاها عدم قدرتهم على الحسم.
4 ـ إن حملات التجييش التي يقودها بعض الاسلاميين في اكثر من منطقة لم تبلغ غاياتها المرجوة في العسكرة لمقارعة الطرف الآخر, وهي بالتالي لم تلق التجاوب الشعبي المطلوب الذي يؤهلها لخوض الحرب. وأغلب الظن أن هذه الحركات ستبقى محصورة في أطرها الضيقة لاعتبارات عدة، أبرزها أنها محصورة في طائفة معينة تؤثر غالبيتها الاعتدال.
5 ـ إن الأصولية الإسلامية، التي تتزعمها «القاعدة» و«جبهة النصرة»، غارقة في الأزمة السورية، وليس في مقدورها فتح جبهة جديدة في لبنان تتعدى طاقاتها، وهي تركز نشاطها في سوريا وتراهن على سقوط نظامها كمدخل لجبهات أخرى.
6 ـ لا تبدو القوى الدولية راغبة في تفجير لبنان في ظل الأزمة السورية. وعليه لن يحظى أي فريق يرغب بالحرب بالغطاء السياسي الخارجي الذي يؤمّن عادة التمويل والتسليح.
7 ـ إن إسرائيل ليست بحاجة الى حروب في ظل الربيع العربي الذي يفتت الأمة ويأكل الاخضر واليابس ويشغل جميع القوى التي يفترض ان تشكل تهديداً للكيان الصهيوني. وعليه فإن الحديث عن حروب إسرائيلية في هذه المرحلة هو من باب التهويل الذي تفرضه ضرورات السياسة الإسرائيلية.
لا يعني كل ما تقدم أن ينام اللبنانيون على حرير الاستقرار الأمني. لكن أقصى ما يمكن ان تذهب إليه الأمور احتمال حصول تفجيرات متنقلة وحروب صغيرة. وهذا الأمر أيضاً لا يستند الى معلومات بقدر ما يتكئ الى تحليلات وتقديرات. وهذا المنحى في رأي المعنيين، سيف ذو حدين لن يسلم منه أحد ولن تقتصر آثاره على فريق معين او منطقة محددة، بل قد يتسع ويشمل الجميع. وعليه فإن الرهان معقود على «حكمة» الجميع بعدم تشريع الأبواب أمام هذا الخيار.
هل هي دعوة إلى اللبنانيين للاطمئنان؟
إنها مجرد قراءة في كتاب الأمن اللبناني السائب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تحية الافتتاح