22‏/04‏/2013

ترف سياسي فوق صفيح ساخن

واصف عواضة-السفير 20 نيسان 2013
من يدقق في سطور الحراك اللبناني على خط الانتخابات والحكومة، لا يفوته ذلك الترف الذي يمارسه الفرقاء السياسيون في التعاطي مع هذين الاستحقاقين, في وقت يتقلب لبنان على صفيح ساخن نتيجة الأوضاع الداخلية والواقع الصعب الذي تعيشه المنطقة.
من أجل نائب بالزائد او نائب بالناقص، ينبري البعض الى تعطيل قانون الانتخاب الذي يفترض على أساسه ان تجري الانتخابات و«تدفع البلاد نحو الاستقرار وتعزيز مسيرة الدولة وسيادتها» على حد الادعاءات التي تضج بها الشاشات. فأي دولة هي التي تتوقف سيادتها واستقلالها واستقرارها على نائب بالزائد او نائب بالناقص؟
قبل أيام نشرت «السفير» دراسة لشركة «الدولية للمعلومات» تفيد بان المسلمين ستبلغ نسبتهم 73 بالمائة من اللبنانيين في العام 2081، فيما تقتصر نسبة المسيحيين على 27 بالمائة. مع ذلك يجمع المسلمون بكل مذاهبهم (إجماع نادر) على المناصفة في مجلس النواب والحكومة والمؤسسات العامة بين المسيحيين والمسلمين. لكن المشكلة المستجدة هي في اجماع المسيحيين على قانون محدد، يعدل في توزيع الحصص بين اقطابهم وفق الأوزان والأحجام التي يعتقد كل فريق انه أهل لها.
على الضفة الأخرى يتصارع المسلمون واحزابهم على «التركة المسيحية» باعتبارها العنصر المرجح في انتصار هذا الفريق او هزيمة ذاك. وعليه تلتقي حركة «امل» و«حزب الله» على التمسك بأي قانون يتفق عليه المسيحيون، فيما يعتبر تيار «المستقبل» هذا التوجه عنصرا معرقلا، وكأنه مقتنع سلفا بان المسيحيين لن يتفقوا. ووسط هذه الدوامة يعيش اللبنانيون حالة من القلق حيال مستقبل بلدهم، فيما الماضي غير البعيد يقض مضاجعهم ويضغط على عقولهم وعواطفهم نتيجة الحرب الأهلية التي دمرت بلدهم وأثقلت كاهلهم بالديون التي تنتظر النفط والغاز الموعودين لسدادها.
الا ان الحاضر العربي المحيط بلبنان يدفع الى مزيد من القلق، خصوصا ما تشهده الجارة سوريا، والتي لم يعد سرا ان اللبنانيين تورطوا سياسيا وعسكريا في اتونها، من حيث يدرون او لا يدرون، في حين كان يفترض ان تدفع الأحداث السورية المريرة اللبنانيين الى ترتيب بيتهم الداخلي بأقل التكاليف. لكن الرهانات على هزيمة النظام السوري، او العكس، وانعكاس ذلك على الحلفاء في لبنان، ما تزال العامل الرئيسي في استمرار هذا الترف السياسي الذي قد يحرق أصابع الجميع.
وفي المناسبة ثمة شعور إقليمي ودولي متزايد خلال الأسابيع الماضية، بأن سقوط النظام السوري بات صعبا، ان لم يكن مستحيلا، وان سيطرته على البلاد في الوقت نفسه وعودة سوريا الى ما كانت عليه باتت حلما بعيدا. وهذا يعني ان الأزمة السورية طويلة وان «الستاتيكو» الراهن ليس له أفق. ومن هنا ليس من باب الفطنة ولا من الحكمة ان يتقاتل اللبنانيون على جلد الدب قبل اصطياده.
يبقى ان الجدل البيزنطي الذي يخوضه اهل السياسة حول قانون الانتخاب، يُخشى ان يستمر الى ما بعد «سقوط القسطنطينية»، ويندم الجميع ساعة لا ينفع الندم. فما يريده اللبنانيون في هذه المرحلة، حد أدنى من الاستقرار، لأنهم باتوا مقتنعين بان لا قانون الانتخاب ولا الانتخابات بحد ذاتها ولا الحكومات المتعاقبة ستبدل حرفا في كتاب لبنان الطائفي، وان الترف السياسي الذي يمارس فوق صفيح ساخن بات مملا ومضنيا وخطيرا معا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تحية الافتتاح