10‏/01‏/2011

أمة تحارب نفسها!

واصف عواضة
السفير 10 كانون الثاني 2011
لم تعد اميركا ولا اسرائيل بحاجة الى حروب عسكرية مباشرة ضد العرب وبلدانهم ومقاوماتهم، لا فرادى ولا مجتمعين. فالحروب القائمة بين العرب انفسهم وداخل بلدانهم، كافية لتردع اي عاقل واي غبي عن شن حروب قد توحد صفوف أمة ممزقة، او تجمع شتات أهلها المتفرقين ايدي سبأ.
في التفاصيل المملة يحار المواطن العربي من اين يبدأ:
من لبنان الغارق في حروبه الأزلية، وفي صراعه المستجد على المحكمة الدولية وقرارها الظني الموعود للقضاء على آخر أمل في مقاومة اسرائيل ومشاريعها في لبنان والمنطقة؟
من فلسطين «الوهمية» المشطورة «فلسطينين اثنين»، واحدة تحت سنابك الاحتلال وثانية تحت رحمة الحصار، وقد عجزت كل المحاولات لتوحيد الصفين اللذين لا يجمع بينهما جامع؟
من «العراق الجديد» الغارق في دماء ابنائه والموهوم بديموقراطية كاذبة مبنية على الحصص والطوائف والاثنيات، والحالم برفع كابوس الاحتلال عن كاهله، نحو مستقبل قد يكون اكثر سوءا من السيادة الوطنية والاستقلال الموعود؟
من اليمن الموحد بالشكل، وقبائله المتصارعة تحت مسميات مختلفة، وسط دورة متشابكة من العنف المتواصل الذي لا يعرف له قرار؟
من دول الخليج التي تهتز الارض تحت اقدام ملوكها وامرائها وشيوخها بعدما تحول نفطها الى نقمة، فيما يفترض ان يكون نعمة عليها وعلى العرب أجمعين؟
من السودان الآيل الى دولتين بفعل الاستفتاء الذي شهده أمس، والتوقعات المأساوية لمستقبل الانفصال شمالا وجنوبا، في بلد تشكل فيه نسبة الفقر حدودا تدعو الى الأسى؟
من مصر المحروسة التي تميد الارض بطائفتيها الاسلامية والقبطية، والتي انكشفت تحت وطأة المجزرة الاخيرة في الاسكندرية، حتى اذا ما رفع الغطاء عنها، فقد تكون التجربة السودانية نموذجا يحتذى في الدولة التي ارادها جمال عبد الناصر قاعدة للوحدة العربية الجامعة؟
من تونس الى الجزائر الى المغرب الى دول أخرى لا هي بالعير ولا بالنفير ولا تُطرح اسماؤها الا في المؤتمرات، ولا يكاد أهلها يتحدثون لغة الأمة وجامعتها العريقة؟
ان امة هذه حالها لا تحتاج الى اعداء، فأعداؤها منها وفيها، وهي لا تستحق من خصومها والطامعين بخيراتها ان يعلنوا عليها الحرب المباشرة. يكفي ان يشغّلوا «الأنتليجنسيا» السياسية والأمنية في جوفها لاستيلاد الصراعات والفتن والحروب الصغيرة، من دون ان يرهقوا مواردهم البشرية والمادية في رمالها المتحركة.
لقد اثبتت التجارب العسكرية خلال العقد الماضي فشل الحروب المباشرة في تحقيق الاهداف المطلوبة، وان كانت قد اسست للفوضى الخلاقة التي تسبح فيها الأمة من محيطها الى خليجها. فليطمئن المتوجسون من الحرب الى ان الاعداء باتوا أكثر غنى عن الحاجة اليها. لكن المستقبل سيكون بالتأكيد وفي ظل المعطيات السالفة الذكر اكثر سوادا وأخطر واقعا من اي حرب مباشرة ما لم يستولد هذا المستقبل معجزة تطيح بالاجواء القائمة، وتؤسس لمرحلة جديدة تنتشل العرب وبلدانهم من واقع لا حول لهم فيه ولا طول.
ليس ما سبق دعوة الى ثقافة اليأس. انه صرخة من أعماق الألم. ثمة أمل بعد خارج منظومة الاحباط. . ومن يعش ير.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تحية الافتتاح