27‏/01‏/2011

حكومة للناس يا دولة الرئيس

واصف عواضة
عندما يختلي الرئيس نجيب ميقاتي بنفسه آخر الليل، ويستعرض القضايا والهموم التي تواجه حكومته العتيدة بعد تكليفه مهام تشكيلها، سوف يستهول بلا شك حجم المشاكل الذي يواجه هذه الحكومة، خاصة إرث السنوات الخمس المنصرمة التي أعقبت حكومته الاولى إثر اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري.
لا شك بأن ميقاتي كان يتمنى تولي رئاسة الحكومة في ظروف أفضل، وهو السياسي الوسطي المعتدل الدمث الذي تربطه علاقة طيبة بجميع القوى المحلية والخارجية من دون استثناء، ما عدا إسرائيل. لكن معدن الرجال تظهّره الملمات والصعوبات، والرئيس ميقاتي يمتلك من المرونة والليونة ما يؤهله لتذليل الممكن منها. وما من لبناني حريص على استقرار بلده، إلا ويتمنى النجاح للنجيب الذي تنكّب لهذه المهمة في أحلك الظروف.
ولعله من الظلم تحميل نجيب ميقاتي سلفاً الأعباء السياسية المترتبة على البلد، أو إلقاء الحمل عليه وحده، والتعامل معه على قاعدة «إذهب أنت وربك فقاتلا». بل ليس من حق أحد أن يحمّل ميقاتي وحده نتيجة الفشل السياسي اذا ما حصل لا سمح الله. لكن بصراحة مطلقة، ومن باب الحرص والمحبة، لن يسامح أحد نجيب ميقاتي اذا ما تجاهل هموم الناس ومشاكلهم الحياتية والمعيشية والاجتماعية والادارية وغرقت حكومته فقط في الملف السياسي الذي يبدو الرجاء فيه ضئيلا، نظراً لطبيعة النظام الذي بات لبنان ينوء بحمله. صحيح أن الشأن الحياتي والمعيشي مرتبط بالسياسة، لكن نجاحه في مهمته مرتبط بهذا الملف، بحيث تكون حكومته «حكومة الناس» وهمومها. وهذا هو معيار النجاح أو الفشل الذي يحدد مستقبل الرجل.
تكاد تكون هموم الناس الجامع الوحيد «للشعوب والأمم اللبنانية المتناحرة» على الرغم من سعي الكثير من أهل السياسة الى تطييف هذه الهموم. لكن حكومة تصرف اهتمامها على هذه الهموم ستدفع الطبقة السياسية الى الانكفاء عن هذه التجارة المرذولة. عندها لن يتردد صدى السياسة في رؤوس الذين يأكلهم يومياً وحش الغلاء ويقض مضجعهم الجوع وتحرق أنفاسهم صفائح البنزين والمازوت والكاز.
إن الحكومة الرشيدة هي التي تبدأ من هذا الطريق. فالسياسات الحكومية التي سادت خلال العقدين الماضيين قامت على بناء الأبراج مكان الأكواخ أو بجوارها، فأصبحت الغلبة الساحقة من اللبنانيين بلا سقوف. ولا يريد اللبنانيون في هذه المرحلة أكثر من سقف يقيهم غائلات الدهر. وبصراحة يريد اللبنانيون عيشاً كريماً لائقاً وآمناً، ولا ضير أن يتكئ هذا الهدف الى تعزيز الدفاعات اللبنانية في وجه الرياح الخارجية المسمومة أنى أتت. وهذا هو التحدي الأكبرالذي يواجه ميقاتي في المرحلة المقبلة. والنجيب هو من يربح الناس قبل السياسة، وليس من يخسر الناس ليربح أهل السياسة.
الناس تريد يا دولة الرئيس كبح جماح وحش الغلاء وخفض أسعار المحروقات وتحسين الأجور وحداً أقصى من الكهرباء ومياهاً نظيفة وأشياء أخرى بسيطة وغير مستحيلة. عندها لن يجرؤ أحد على قلب ظهر المجن في وجهك، لا بالتحريض المذهبي ولا بالغضب والتوتر والتخريب. فمن تحميه الناس لن تغتاله السياسة، ونزعم يا دولة الرئيس أنك أهل لهذه المهمة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تحية الافتتاح