29‏/01‏/2011

رفيق الحريري و«ثورة الياسمين»



 
واصف عواضة
السفير - السبت 29 ك2  2011
يوم رفع الرئيس الراحل رفيق الحريري على مدخل السرايا الحكومية شعار «لو دامت لغيرك لما آلت اليك»، باقتراح من الصديق النائب نهاد المشنوق، ربما اراد ان يوجه رسالة الى كل الحكام، وفي طليعتهم رؤساء الوزراء، بأن البقاء لله وحده، وبأن تداول السلطة في لبنان شأن يميز هذا البلد عن غيره في المحيط العربي الواسع من شواطئ الاطلسي الى أقدام الخليج.
لو كان رفيق الحريري حيا اليوم وهو يشهد «ثورة الياسمين»والغضبة الشعبية على الحكام من تونس الى مصر والاردن واليمن، لكان تمنى ان يكون في صفوف المعارضة. وهوعندما لمس في العام 1998 ان الرئيس اميل لحود في بداية عهده، يضمر له ما لا يحمد عقباه ، فضّل الخروج من السلطة وتزعم المعارضة التي أوصلته بعد عامين على حصان ابيض الى السرايا الحكومية، مستفيدا من الاخطاء التي ارتكبها الحكم في ذلك الحين في حق البيت الحريري.
لقد غامر رفيق الحريري في ذلك الحين بالخروج من السلطة وهو في موقع الضعف، وراهن على اخطاء السلطة الحاكمة وعجزها عن تحقيق احلامها ونجح. وأذكر انه قبل اسبوع واحد من تسلم الرئيس لحود سلطاته الدستورية قال لي وللزميل معروف الداعوق في طائرته التي كانت تحمله الى طهران: «لن أقدم تشكيلة حكومية للرئيس لحود اذا تم تكليفي، وسوف اترك له حرية اختيار كل الوزراء». وعندما قلت له انك تسعى الى مشكل اجاب: «لقد حملت البلد على كتفيّ ست سنوات، فليحمله لحود على كتفيه من الآن وصاعدا وسأسعى جهدي لمساعدته». واضاف سائلا: «ما هو عدد الوزراء المتهمين بالفساد في حكومتي الحالية»؟ قلت «ليس أقل من ثلثها»، فاردف قائلا: لحود يريد حكومة نظيفة ووزراء يتمتعون بالشفافية، فهل يستطيع الاتيان بثلاثين وزيرا من هذا الطراز في ظل التركيبة اللبنانية المعقدة؟».
ربما كان رفيق الحريري يبالغ في تصوير الأمور. فبلد ليس فيه ثلاثون شخصية شفافة لحكومة نظيفة فليذهب الى الجحيم. لكن الحريري الأب فهم في ذلك الحين ان ست سنوات متواصلة في الحكم، كافية لهدم اعظم الحكام وأنبلهم،على قاعدة «نصف الناس مع الحاكم اذا عدل»، وان الظروف باتت تتطلب خروجه الى حين، واخلاء الساحة للآخرين لكي يخوضوا تجربتهم.
حبذا لو ان الرئيس سعد الحريري يستعيد تجربة والده الشهيرة، فيخرج برحابة صدر من سطوة الشعار الذي يأسره في هذه الايام عبر مقولة «أنا أو لا أحد»، خصوصا أنه في موقع اكثر قوة بكثير مما كان عليه والده مع بداية عهد الرئيس لحود، الا اذا كان خائفا من نجاح الرئيس نجيب ميقاتي في مهمته وهو ما نتمناه للرئيس المكلف، ويتمناه كل لبناني حريص على وطنه ومستقبل ابنائه، لأن الاشخاص زائلون، والبقاء لله والوطن.
لعل أهم ما يحتاجه سعد الحريري في هذه المرحلة هو فترة تأمل ومراجعة بعيدا عن الاصوات المنادية بالويل والثبور وعظائم الأمور من الذين ورطوه في طرابلس، وكادوا يورطون البلد في فتنة اين منها «حرب صفين» التي استحضرها بعضهم خبثا من اعماق التاريخ.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تحية الافتتاح