13‏/01‏/2011

كي لا تخسر المعارضة نفسها

 
واصف عواضة
 14 ك2  2011السفير
يُفترض بالمعارضة أن تكون قد رسمت «خارطة طريق» دقيقة ومفصلة قبل الإقدام على إسقاط الحكومة بالفقرة الثانية من المادة 69 من الدستور، في سابقة هي الاولى في تاريخ لبنان. ويُفترض بهذه الخارطة أن تكون قد بُنيت على ثوابت وبدائل لا مجال للتراجع عنها أو المساومة عليها مهما تصاعدت الضغوط، وإلا فإن المعارضة ستخسر معركتها وربما حربها وبعد ذلك نفسها.
لقد كان إسقاط الحكومة الوفاقية، نتيجة منطقية لإسقاط التفاهم السوري السعودي بقرار أميركي واضح لا يحتمل اللبس. وقد حاولت المعارضة عبثا استنقاذ هذا التفاهم عبر دعوة مجلس الوزراء الى الانعقاد في محاولة يائسة للبننة الحل. وهي لم تفاجأ بما آلت اليه الامور على صعيد هذه الدعوة، فلجأت إلى «أبغض الحلال» في خطوة دستورية خالصة، من دون أن تسقط من حسابها أن هذا التفاهم لا يزال بندا أساسيا، ومشروعا مطروحا على بساط الحل، وان كان في غرفة العناية الفائقة.
في هذا السياق، تقول أوساط المعارضة انها تقرأ جيدا في كتاب الواقع اللبناني وما يحيط به من تداخلات وارتباطات اقليمية ودولية، لكنها لا تستطيع العودة الى نقطة الصفر في مجال التفتيش عن الحل للأزمة السياسية. وعليه فإن التفاهم السعودي السوري هو الثابت والمدخل الى أي بحث حكومي، وبعدها تصبح التركيبة الحكومية مجرد تفاصيل، سواء بعودة سعد الحريري أو عدمه، لأن رئاسة الحكومة هي صفة وليست اسما معينا. فمشكلة المعارضة ليست مع الاسماء أو الاشخاص بل هي مع التوجه الذي يحمله هؤلاء، من دون أن يغيب عن بالها ان التجربة مع الحريري كانت قاسية وفاشلة.
قد يكون من المبكر الكلام عن الميناء الذي سترسو فيه سفينة الحكم في المرحلة المقبلة. ولا يشك أحد بأن المعركة ستكون قاسية، وقاسية جدا على المستوى السياسي، وسط تلاطم الامواج العاتية بالسفينة الحكومية. فالفريقان الاساسيان للأزمة يتمسكان بسلاحهما بضراوة لأن الخسارة ستكون قاضية هذه المرة، والمجال سيكون ضيقا جدا أمام سياسة «لا غالب ولا مغلوب». فالمعارضة لم يعد أمامها ما تقدمه في هذا المجال سوى رأسها للمقصلة، فيما الطرف الآخر يعرف جيدا فداحة الخسارة التي سيمنى بها وهو خارج السلطة.
لقد كانت تجربة الرئيس رفيق الحريري خارج الحكم قاسية جدا بين العامين 1998 و2000 وها هو «البيت الحريري» يواجه احتمال هذه التجربة مرة أخرى، بسبب ربط مصالحه الحيوية في البلد بالموقع السلطوي، أمنيا وقضائيا واداريا واقتصاديا، وهو يعرف جيدا أن خصومه لن يكونوا رحماء في تصحيح ما يرونه خللا أو تسلطا في هذه القطاعات.
وليس سرا أن الأنظار مسلطة في هذا المجال على موقعين رئيسيين سيكون لهما الكلمة الفصل في تحديد اتجاه الريح: رئاسة الجمهورية وقصر المختارة. وربما ينطبق على هذين الموقعين قول أبي الطيب المتنبي: «ماذا لقيت من الدنيا وأعجبه أنّي لما أنا شاكٍ مِنْهُ مَحْسُودُ». فالاول يحتم عليه موقعه اتخاذ المواقف المعنوية التي تحفظ البلد، والثاني المواقف العملية الفاصلة من خلال كتلته النيابية المرجحة في البرلمان. وقد بات تدوير الزوايا من قبل هذين الموقعين محفوفا بالكثير من الصعاب.
يبقى ثمة مخرج يشبه المعجزة قد تحمله الايام والاسابيع المقبلة، وهو الرهان على تفاهم الـ«أ ـ س ـ إ» الذي يواجه خلال المرحلة المقبلة استحقاقات ومفاوضات، بعضها علني، وبعضها الآخر بالواسطة. والمهم ان تبقى الأزمة في إطارها السلمي الديموقراطي الدستوري، ولكل حادث حديث.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تحية الافتتاح