30‏/03‏/2011

قبل أن يهرم أولادنا وأحفادنا

 


 

واصف عواضة - السفير 30 آذار 2011
واضح أن وثائق «ويكيليكس» عن حرب تموز لم تصدم أحدا من قيادة «حزب الله». ففي جعبة الحزب معلومات كثيرة ومثيرة عن هذه الحرب تجمعت من مصادر متعددة وتم توثيقها والتكتم على معظمها, من باب الحرص على إعادة تجميع ما أمكن من شتات البلد المنقسم بالطول والعرض, عموديا وأفقيا.
إلا ان هذه الوثائق التي تنزل كالصاعقة على جمهور الحزب والمقاومة تؤكد المؤكد لدى هذه القيادة والمتابعين من أهل السياسة والاعلام الذين سمعوا الكثير عن خفايا هذه الحرب وكواليسها السياسية والدبلوماسية. ولعل أخطر ما في هذه الوثائق انها تقطع آخر خيط من الثقة بين جناحي لبنان الحاليين, ما يحفز على استنباط أفكار جديدة تطيح المعادلة السياسية الراهنة, وتضع لبنان من جديد على طاولة البحث للخروج من هذه الأزمة التي ستعمر طويلا.
وليس سرا ان جمهور المقاومة الذي دفع الثمن الغالي في حرب تموز, والذي أعاد لملمة شتاته النفسي والمعنوي والمادي, بات يحتاج اليوم الى كثير من الجهد لكي يسامح, وهو يكتشف أن الكثير من سياسييه كانوا في صلب هذه الحرب عليه. وهو يعتبر ان الدعاوى القضائية التي طرحها الامين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله هي أقل ما يمكن إدراجه في إطار المحاسبة, لأن ظلم ذوي القربى أشد مضاضة وأكثر قسوة مما فعلته اسرائيل في تلك الحرب.
واذا كان «حزب الله» يختزن منذ حرب تموز كل هذه النيات المبيتة من خصومه حيال وجوده ومصيره, واذا كان مستعدا للمسامحة واستخدام «الممحاة» لشطب هذه المرحلة السوداء من تاريخ لبنان, فهل يعتقدن أحد انه يمكن لهذا الحزب ان يطمئن الى مستقبله ويسلم سلاحه للمطالبين برأسه في الداخل والخارج من دون أي ضمانات عملية ومنطقية, في منطقة تتغير وتتبدل أوضاعها يوما بعد يوم وساعة بساعة؟
أمام هذا الواقع, لم يعد ممكناً معالجة مستقبل لبنان بالطرق التقليدية البالية. فبلد يقوم بين أبنائه جدار عال من الشك والريبة وعدم الثقة, لا يمكن أن يبنى على دعائم مهترئة من زمن «تبويس اللحى» و«عفا الله عما مضى» و«لا غالب ولا مغلوب». وعلى أهل هذا البلد أن يفتشوا عن وسائل عصرية حديثة لإخراجه من أزمته المزمنة, وسائل تكسر المعادلات السياسية القائمة وتتخطى الطوائف وحصصها, وما من سبيل الى ذلك إلا بتطبيق الدستور اللبناني والولوج الى نظام المواطنة. وكما قال ذلك التونسي «لقد هرمنا ونحن ننتظر هذه اللحظة», ونخشى أن يهرم أولادنا وأحفادنا قبل هذه اللحظة.

16‏/03‏/2011

.. ويسألونك عن حكومة لبنان؟

واصف عواضة
السفير 17 آذار 2011
من يحاول قراءة الاحداث والتطورات في لبنان ومن حوله وحواليه، وتحليلها بقليل من المنطق، يضج رأسه بالمعطيات التي قد يتوصل اليها، حتى يكاد يقنع نفسه بالاستسلام للمصير المجهول الذي ينتظر البلد والمنطقة، على قاعدة «اللهم لا نسألك رد القدر بل اللطف فيه». ولعله من حق الرئيس نجيب ميقاتي ان «يدوخ» في هذه الدوامة التي لا يبدو لنهايتها قرار يؤول الى تأليف حكومة تسعد رئيسها والقائمين عليها.
البداية من لبنان حيث الانقسام العمودي لا يبشر بالخير، فقوى الرابع عشر من آذار فتحت معركة في وجه السلاح لن تصل الى نتيجة، وأقل ما يقال فيها انها عبثية، لأن المقاومة لن تتخلى عن سلاحها بالضغط والاكراه ولو أطبقت السماء على الارض. فما عجزت عنه اميركا واسرائيل في حرب دموية مدمرة لن يتكمن أحد آخر من انجازه. وليس هذا الكلام من باب التحدي ولا النكد بل هو أمر واقع لا يقلل حتى اصحاب الطرح السالف الذكر انفسهم من صعوبته ان لم يكن استحالته.
وفي لبنان بطريرك جديد للموارنة مصنف سلفا على «الصقور» بالمعنى السياسي. وإذا كان من المبكر الحكم على «البطريرك مار بشارة» سندا الى مواقف «المطران الراعي»، فان الرهان على المستقبل يحمل الف سؤال وسؤال، ما يستدعي الانتظار والتمهل في معرفة آفاق الطائفة المارونية، وهي واحدة من الشرائح الاساسية في رسم مستقبل لبنان.
حول لبنان يتغير العالم العربي بسرعة صاروخية ما تزال عصية على الفهم والتركيز.
في مصر ثورة اطاحت بأعتى نظام عربي ، وتحديات كبرى تنتظر الدولة العربية العظمى التي لطالما كانت وستبقى القاعدة والمركز والمحور الذي يدور حوله الفضاء العربي الواسع. ولعله من العبث الشديد البناء سلفا على المستقبل المصري قبل ان تستكمل الثورة بناء مؤسساتها الدستورية وانجاز هياكلها العامة ورسم سياساتها الداخلية والخارجية، وهو ما سيأخذ بعض الوقت بالتأكيد الأكيد.
في ليبيا ثورة من نوع آخر لم تستكمل فصولها بعد، وقد تحولت الى حرب طاحنة بين النظام وأهل التغيير. وليس واضحا حتى الآن مآل هذه الثورة وان كان الشعب الليبي يحصد النتائج المدمرة من دمه وماله، في ظل موقف دولي مرتبك تحكمه المصالح التي لا تقيم لهموم الناس وحرياتها وزنا ولا قيمة.
في الخليج العربي هواجس محسوبة تدفع بلدا كالسعودية الى ادخال قوات عسكرية الى بلد آخر كالبحرين، بدأت على الفور بقمع انتفاضة شعبية تطرح مطالب متواضعة لاصلاح النظام. والمفارقة الكبرى ان دول الخليج تصدرت الدول الداعمة للثورة الليبية ضد نظام القذافي، وفي الوقت نفسه تستخدم القوة المفرطة لضرب انتفاضة البحرين ودعم نظامها الملكي، وهو ما حمل رئيس الوزراء التركي الى التحذير من كربلاء ثانية في المنطقة، وهو الزعيم السني الذي يحفظ جيدا مفاعيل كربلاء الاولى.
في اليمن حرب ضروس تتفاعل تطوراتها يوما بعد يوم وتنذر باندلاع حرب أهلية تحول «البلد السعيد» الى «دولة تعيسة» بكل المقاييس. وفي دول عربية أخرى اهتزازات وجمر تحت الرماد لا يحتاج الى اكثر من نسمة ريح خفيفة، لتشتعل ثورات وانتفاضات «الشعب الذي يريد اسقاط النظام».
في ظل هذه المعطيات السالفة الذكر، قد يكون من باب الترف الشديد السؤال عن الحكومة اللبنانية ولماذا يتأخر تأليفها.. فلو كان تشكيل المؤسسات اللبنانية على اختلاف مراتبها قاصرا على ارادة اللبنانيين ومشاوراتهم الشكلية، لأمكن تأليف هذه الحكومة قبل صياح الديك في اليوم الذي يلي «الاستئناس» بآراء نوابهم.
عام 2005 دخل نجيب ميقاتي نادي رؤساء الحكومات في مهمة محددة انجزها بنجاح في ظل اوضاع محلية واقليمية مريحة. في عام 2011 يقود الرجل مركبه في بحر هائج يرى الكثيرون انه يغوص بين امواجه المتلاطمة، غير قادر على التقدم وغير عازم على التراجع، وفي كلتا الحالتين ثمة من يحذره من الابتلال بالماء. كان الله في عونه!

09‏/03‏/2011

دولة بلا مقاومة أم مقاومة بلا دولة؟

واصف عواضة- السفير 9 آذار 2011
صدرت أوامر صارمة من المرجعيات العليا في حركة «أمل» و«حزب الله» الى جميع العناصر والمحازبين بالتزام أقصى درجات الهدوء والاسترخاء والابتعاد عن الاستفزاز، عشية المهرجان الذي تعتزم قوى الرابع عشر من آذار إحياءه يوم الاحد المقبل في ساحة الشهداء لمناسبة الذكرى السادسة لتأسيسها. وقد تولى عدد من القيادات والمسؤولين في الطرفين نقل هذه التوجيهات الى مختلف القطاعات الحركية والحزبية في الأحياء والمناطق، واعتبار هذا اليوم يوماً عادياً ومناسبة للفريق الآخر للتعبير عن رأيه، على الرغم من الحملة الإعلانية والإعلامية الواسعة التي يقوم بها هذا الفريق والتي لا تخلو بعض شعاراتها من الاستفزاز.
ويبدو أن هذه الأجواء تنسحب في الوقت نفسه على مختلف قوى الأكثرية الجديدة بتوجيهات من قياداتها العليا. ويعبر أكثر من مصدر قيادي لدى هذه الأكثرية عن قناعته بأن الأمور سوف تسير وفق ما هو مقرر، وأن يوم 13 الجاري سيكون يوماً طبيعياً وليس قطوعاً مفصلياً كما يخشى البعض. ويقول هؤلاء إن مثل هذه التوجيهات أثبتت فعاليتها في الخامس والعشرين من كانون الثاني الماضي عندما دعا تيار «المستقبل» أنصاره الى «يوم غضب» احتجاجاً على استبعاد رئيسه عن رئاسة الحكومة، بحيث لم يحصل أي احتكاك شعبي على الرغم من أعمال العنف والتخريب التي رافقت الاحتجاجات في بيروت وطرابلس والطريق الساحلية وبعض مناطق البقاع، والتزم مناصرو قوى الثامن من آذار أقصى درجات الانضباط.
ويعتقد الكثير من المراقبين أن هذا التوجه يعبر بشكل او بآخر عن حالة الاسترخاء التي تعيشها «قوى المقاومة» في ظل الحملة الشرسة على السلاح، التي وصفت بالعبثية، والتي ترفعها قوى الرابع عشر من آذار شعاراً للمرحلة. ويلفت المراقبين تصاعد هذه الحملة في اللقاءات والمناسبات الإعلامية التي يعقدها العديد من أركان 14 آذار في إطار التجييش والتحضير للمهرجان، والتي بدأت تستعير عبارات من الماضي الذي خال اللبنانيون أنه أصبح وراءهم، كالحديث المستجد عن سلاح الغدر وغير ذلك من التعابير التي يرى البعض أنها محاولات استفزازية تستدر فتنة لن تحصل، إلا أن هذا البعض لا يخفي فعالية هذه الشعارات في تحقيق المزيد من الشرخ والفرقة والانقسام في صفوف اللبنانيين ونفوسهم.
في كل الأحوال، يؤكد المعنيون في قوى الثامن من آذار أن سلاح المقاومة لم يعد مطروحاً للنقاش بعد تعطيل جلسات الحوار التي كانت الاستراتيجية الدفاعية هدفها الرئيسي، لأن إسقاط هذا السلاح يعني استباحة لبنان مجدداً من قبل العدو الإسرائيلي، كما يقول رجل الاعتدال الرئيس الدكتور سليم الحص. ويضيف هؤلاء إن الذين يطرحون نزع السلاح يريدون لبنان دولة بلا مقاومة، وقد أثبتت هذه النظرية في الماضي عقمها، وأدت إلى واقع مرير أفضى الى احتلال إسرائيلي مصحوباً بمقاومة بلا دولة. والأجدى في هذه المرحلة وفي المستقبل انتهاج سياسة «الدولة المقاوِمة»، بمعنى التعايش بين الدولة والمقاومة إلى أن تتمكن الدولة بجيشها وقواها الذاتية من حماية حدودها والحؤول دون استباحة البلد، وهي تجربة أكدت نجاعتها منذ التحرير عام 2000.
وفي هذا السياق لا بد من العودة إلى البحث في الاستراتيجية الدفاعية بروح منفتحة تغلّب مصلحة لبنان على المصالح الخاصة، وتزيل الهواجس المطروحة من احتمال استخدام السلاح في الداخل. وخارج هذا المفهوم سوف تدير المقاومة «أذنها الطرشاء» لكل الحملات، وقد تحتفل قوى الرابع عشر من آذار بالذكرى الستين على تأسيسها قبل أن تسلم المقاومة سلاحها، ما يعني تسليم رأسها وجمهورها وشهدائها الى كل الذين يكيدون لها شراً في الداخل والخارج.

03‏/03‏/2011

مـن حسـن نصـر الله إلى سـعد الحـريـري (*)

- السفير 3آذار 2011
واصف عواضة
عزيزي الشيخ سعد،
تحية طيبة وبعد،

تأثرتُ جدا وأنا استمع الى خطابك من «بيت الوسط» عبر الشاشة يوم الاثنين الماضي، وأدهشتني المعاني والمباني الواردة فيه، لدرجة اسعدتني بلاغتك الخطابية التي خلت من الخلل والزلل. وتسنى لي لاحقا ان اقرأ هذا الخطاب مكتوبا وأتمعن في مضامينه محللا حيثياته، فازددت تأثرا به الى درجة حملتني على مراجعة الماضي بكل تفاصيله.
تطرقتَ يا شيخ سعد الى الكثير من المواضيع، لكنك ركزت على موضوع السلاح، سلاح «حزب الله»، سلاح المقاومة، فقلت «إن غلبة السلاح في الحياة السياسية والثقافية في لبنان هي المشكلة، أكرر المشكلة، التي تمنع انتظام الحياة العامة في بلدنا. خرج من يقول إن السلاح هو تفصيل وإن المشكلة هي المقاومة، أي أننا لدينا مشكلة مع مقاومة إسرائيل. ونحن نقول بوضوح: لا، المشكلة ليست المقاومة ضد العدو الخارجي، غير اللبناني، غير العربي، الذي لا عدو لنا غيره، وهو إسرائيل».
وأضفت يا شيخ سعد: «المشكلة هي مع غلبة السلاح على أخيكم اللبناني العربي، وعلى الحياة في لبنان. المشكلة هي عندما تقولون إن هذا السلاح لن يستخدم في الداخل، ثم نجد هذا السلاح لا شغل ولا عمل له إلا الداخل، منذ «اليوم المجيد» في 7 أيار 2008، وكيف ننسى «اليوم المجيد»، يوم البلطجة ببيروت والجبل وبأهل بيروت والجبل».
لا بأس يا شيخ سعد. أحترم رأيك، مثلما أحترم كل رأي آخر. لكنني من موقعي أقول انه كان في ودي ان انزل عند رأيك وألبي جميع مطالبك حرصا على مشاعرك التي تأبى ان يُرفض لك طلب. لعن الله السلطة وأوزارها يا شيخ سعد، وقد أغرتك بنعيمها حتى بت لا تتصور نفسك خارج عرشها ومجدها ودواوينها.
أصدّقك يا شيخ سعد انك مع المقاومة ضد العدو الأوحد اسرائيل. لكنني لست طيبا الى الدرجة التي أرى فيها صورة والدك الشهيد وموقفه من هذه المقاومة، خصوصا وانا أقرأ في بيان كتلتك، كتلة المستقبل النيابية، «ان سلاح حزب الله اثبت في اكثر من مناسبة انه اصبح سلاحا غير شرعي موجها الى صدور اللبنانيين».
اعذرني يا شيخ سعد. انا لا استطيع التمييز بين سلاح «حزب الله» وسلاح المقاومة، ولا استطيع ان افرق بين المقاومة وسلاحها، اذ كيف يمكن ان تكون مقاومة اسرائيل بلا سلاح؟ واي مقاومة هي التي تستغني عن سلاحها في مواجهة عدو مدجج بالسلاح والعتاد ومختلف وسائل الدمار الشامل والمحدود؟
اعذرني يا شيخ سعد. حسبي انني «تورطتُ» في موضوع المقاومة وسلاحها، ولا حيلة لي بالخروج من هذا «المأزق». ان مصداقيتي على المحك في جميع الاتجاهات، ولطالما وعدتُ فوفيت، حتى صدّقني العدو قبل الصديق، ولا أخالني اليوم ناكثا بالوعود والعهود، الا اذا وجدت مخرجا لائقا لي ولمصداقيتي!
ماذا أفعل يا شيخ سعد بعشرات الآلاف من الصواريخ التي يحسب لها العدو الف حساب؟ هل ابيعها في سوق النخاسة كما فعل بعض حلفائك في الماضي، أم اردها الى اصحابها حيث لا تتسع مخازنهم لمثلها وأمثالها؟ وهل لدى الجيش اللبناني القدرة على استخدامها وضمان حمايتها وهو مكشوف امام عدو لا يتورع عن تدميرها في مخازنها؟
ماذا افعل يا شيخ سعد بعشرات الآلاف من المقاومين الذين ألجم حماسهم للقتال والاستشهاد والتضحية في سبيل بلد حرروه بدمائهم وصبرهم ومعاناتهم؟ وهل تفترض يا شيخ سعد انهم موظفون في شركة يمكنني صرفهم من العمل بتعويضات مجزية؟ وهل تستطيع انت ان تصرف الآلاف من العاملين في مؤسساتك المنتشرة في لبنان والخارج بلا سبب ولا مبررات؟
ماذا اقول يا شيخ سعد لأهل الجنوب والبقاع الغربي الذين يعتقدون ان المقاومة حررتهم وأمنت لهم استقرارا غير مسبوق، ومن يضمن لهم كراماتهم التي اهدرت طوال عقود من الاذلال على يد عدوهم، في غياب اي غطاء من دولتهم التي يفترض ان تحمي حدودهم وتصون اعراضهم؟ من يضمن يا شيخ سعد عدم عودة الاحتلال الى ارض الجنوب والبقاع الغربي وانزال شتى صنوف القهر بالاهالي الذين عايشوه على مدى اثنين وعشرين عاما؟ ومن يضمن عدم اجتياح بيروت مرة ثانية وإذلال اهلها وارتكاب مجازر جديدة في مخيمات الاخوة الفلسطينيين؟
ماذا اقول يا شيخ سعد لأهالي الشهداء الذين يرون في ابنائهم صفوة الناس وأكرمهم عند الله والمؤمنين؟ ماذا اقول لآباء وامهات وابناء شهداء المقاومة والجنوب والبقاع الغربي منذ العام 1948 حتى «الوعد الصادق» الذين تغنت الدنيا بتضحياتهم؟
ماذا اقول يا شيخ سعد للناس الذي وثقوا بي في لبنان والخارج وصدقوا كلامي في الخطب والحوارات والبيانات والمجالس العامة والخاصة؟ ماذا أقول لثوار مصر وتونس وليبيا والبحرين واليمن والعراق الذين رفعوا صوري في بيوتهم؟ هل تستطيع يا شيخ سعد ان تنفض يدك من الناس؟ انا لا استطيع. حتى لو فعلتْ فلسوف يولد من بعدي الف حسن نصر الله، سيكون اكثر تطرفا مني تجاه اسرائيل واعوانها واذنابها.
حبذا يا شيخ سعد لو تزور الجنوب وتمضي اياما في ربوعه، كما اقترح عليك أخي الرئيس نبيه بري، فتقف على رأي أهله من هذا السلاح، لعذرت حسن نصر الله وحزبه ومقاوميه، ولربما اقتنعت انني لا أملك وحدي ناصية التخلي عن هذا السلاح.
صدقني انا في ورطة يا شيخ سعد. كان في ودي ان ألقي سلاح المقاومة في البحر إكراما لرغبتك ورغبة حلفائك. لكن اعذرني. ان مصداقيتي تجاه الناس وتجاه أهلي والمقاومين والشهداء هي كل ما أملك في هذه الدنيا الفانية، ولا استطيع ان أفرط بها. وقد سبق ووعدت بأن كل يد تمتد الى سلاح المقاومة ستقطع. وأنا مضطر اليوم لتجديد هذا العهد والوعد. والله على ما أقول شهيد.

(*) هذه رسالة افتراضية من نسج الخيال ولا تُلزم السيد نصر الله بأي حرف منها.

02‏/03‏/2011

شباب لبنان أمام التحدي: ضرب الحديد وهو حامٍ!

الشعب يريد إسقاط النظام الطائفي»: نحو «قوة ثالثة» تفرض التغيير

شباب لبنان أمام التحدي: ضرب الحديد وهو حامٍ

السفير 2 شباط 2011

 
-  واصف عواضة

 
يجمع اللبنانيون بكل فئاتهم على صعوبة التغيير في لبنان. الطائفيون والعلمانيون والوسطيون على السواء يقرون بذلك، لكنهم لا يجدون ذلك مستحيلاً. الذين نزلوا الى الشارع الأحد الماضي لا ينقصهم الوعي بالواقع. هم يعرفون جيداً أن التغيير ليس هيّناً، لكنهم يعرفون ايضاً انه ليس مستحيلاً. فما حصل في تونس ومصر، وما تشهده ليبيا والبحرين واليمن والعراق والأردن، وبلدان أخرى على الطريق، لم يعد حلماً في ليلة صيف، ولا شيء يمنع شباب لبنان بعد الآن من تحقيق حلم ناضلت من أجله أجيال قبلهم، ومن تحويل هذا الحلم الى حقيقة.
منذ سقوط النظام التونسي تدور في لبنان نقاشات هادئة في اللقاءات والمجالس والزوايا وعبر صفحات «الإنترنت»، حول إمكانات التغيير. وتشارك في هذه النقاشات أجيال عدة، من الشيب والشباب ومتوسطي الأعمار، كانت تفضي دائماً الى سؤال وجيه: ما العمل؟
بعد سقوط النظام المصري وتحول الانتفاضات الشعبية الى بلدان أخرى، اشتدت وتيرة هذه النقاشات، وبات المتحاورون أمام التحدي الكبير: هل يجوز للبنان، صانع الانتفاضات والحركات الشعبية والنضالات المطلبية والتغييرية، وصانع المقاومة والتحرير، أن يظل بمنأى عن هذه الأجواء الجديدة في الوطن العربي؟ وهل يجوز أن يكون لبنان آخر من يرفع شعار «الشعب يريد إسقاط النظام»؟
خضعت هذه النقاشات طويلاً إلى تحليلات واقعية لا تعوم على وهج الثورات العربية ومسبباتها، باعتبار أن لبنان حالة مميزة عن بلدان العالم العربي. فالتغيير المطلوب في لبنان يتخطى أهداف الشعوب العربية التي تنشد الحرية السياسية والإعلامية والكرامة الإنسانية، وإن كانت تلتقي في مناحي أخرى اجتماعية وإنسانية ومواطنية. ويقول بعض الظرفاء إن لبنان بحاجة ماسة الى تنظيم الحريات فيه وتقنينها وانتشالها من حالة الفوضى، وبالتالي تحقيق ديموقراطية حقيقية تنظم الاختيار الحر للسلطات. ما يحتاجه لبنان هو إخراج نظامه السياسي من كهوف الطوائف والانتقال الى نظام المواطنة عبر إلغاء الطائفية السياسية، وهو ما لا تعوزه معظم البلدان العربية لاعتبارات ديموغرافية معززة بالتجانس الديني، ليس للأنظمة والحكام فضل فيها.
يقر الجميع بصعوبة هذا التغيير في لبنان لأسباب معروفة. لكن متى كانت دروب التغيير والثورات والانتفاضات مفروشة بالورود والرياحين؟ وهل حقق التونسيون والمصريون أهدافهم من وراء أجهزة الكومبيوتر والتنظير «الثورجي» عبر مواقع «الفيس بوك»، أم إن هذه الوسائل كانت المعبر المساعد للنزول الى الشارع والتصدي للنظام وأجهزته القمعية؟
في سياق المعوّقات يطرح البعض موقف المسيحيين اللبنانيين، الرافض إلغاء الطائفية السياسية، باعتبار انهم تحولوا الى أقلية في لبنان في ظل التزايد الديموغرافي للمسلمين وهجرة المسيحيين المتصاعدة من البلد. ويدفع بهذه المقولة فريق واسع من المسلمين حقق مكاسب سلطوية من وراء اتفاق الطائف، بل الأصح من خلال تجميد هذا الاتفاق عند حدود معينة.
وليس سراً أن بعض النخب المسيحية صارحت البطريركية المارونية في الفترة الأخيرة بهذا الواقع، وأبلغت البطريرك الماروني نصر الله صفير بأنه لا يجوز الاستمرار في إظهار المسيحيين بأنهم حجر العثرة في طريق التغيير وإلغاء الطائفية السياسية وصولاً الى المواطنة والعلمنة. وثمة من يرى من هذه النخب ان النظام الطائفي لم يعد في مصلحة المسيحيين، على الرغم من المناصفة الشكلية في المواقع السياسية والإدارية في الدولة. ويعطي هؤلاء مثالاً على ذلك كيف أن الجزء المرجح للمناصفة من النواب المسيحيين في البرلمان موزع على كتل لها الطابع الإسلامي، ويتم انتخابهم بواسطة الأصوات المسلمة، خصوصاً في كتل «المستقبل» «والتنمية والتحرير» و«الوفاء للمقاومة».
ويخلص هؤلاء إلى القول إن مصلحة المسيحيين، او ما تبقى منهم في لبنان، هي في الاتجاه الى المواطنة، بحيث يتحول جميع اللبنانيين الى مواطنين متساوين في الحقوق والواجبات، في إطار خطة متدرجة طويلة الأمد تخرج اللبنانيين شيئاً فشيئاً من تحزبهم للطوائف وتؤول الى بناء وطن حقيقي بكل معنى الكلمة.
من هذا المنطلق يكتسب التحرك الشبابي، الذي انطلق الأحد الماضي تحت شعار «الشعب يريد إسقاط النظام الطائفي»، الأهمية التي يستحق من خلال تحويله الى مشروع وطني جامع يؤمل أن يتدحرج ككرة الثلج التي يزداد حجمها أسبوعاً بعد أسبوع، ليشكل عامل ضغط على القوى السياسية الحاكمة، للشروع في وضع الأسس اللازمة لتحقيق الهدف المنشود.
في هذا السياق، لا يجب أن يختلف اثنان على أن التظاهرة المتواضعة الأحد المنصرم هي الخطوة الأولى في طريق الألف ميل، ويفترض ان تتبعها خطوات متسلسلة وتظاهرات متلاحقة يستعد الكثيرون للانخراط في صفوفها، بحيث تشكل هذه الظاهرة قوة سياسية ثالثة في لبنان تشبه الى حد بعيد «حركة عدم الانحياز» التي اخترقت جدار الجبارين في حقبة الخمسينيات والستينيات.
وعلى هذا الأساس ينبغي على الحركة الشبابية أن تضع خريطة طريق واضحة لتحركها تقوم على العناصر الآتية:
1- التأكيد على سلمية التحرك بعيداً عن كل أشكال العنف والتحدي والمكايدة.
2- إعداد برنامج واقعي بالمطالب المطروحة يقتصر على «إسقاط النظام الطائفي» وصولاً الى المواطنة، من دون إرباك هذا التحرك بمطالب معيشية واجتماعية وإدارية، باعتبار أن معالجة الأزمات الاقتصادية والمعيشية لا يمكن معالجتها من خلال هذا النظام.
3- انطلاقاً من ادّعاء القوى السياسية جميعها التمسك باتفاق الطائف، ليس عيباً الانطلاق من هذا الاتفاق، الذي بات دستوراً للبلاد، والتركيز على تنفيذ المادة الخامسة والتسعين من الدستور التي تنص على تشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية. وليس عيباً فتح حوار في هذا المجال مع بعض اركان الطبقة السياسية الذين نادوا بتنفيذ هذه المادة.
4- عدم وضع العربة أمام الحصان من خلال المناداة بالعلمنة قبل إلغاء الطائفية السياسية، من دون إسقاط هذا الهدف المنشود.
5- ان يتصدر الشباب هذه الحركة، كما حصل ويحصل في العالم العربي، وأن يكون الآخرون جبهة مساندة تحت شعار «سيروا ونحن من ورائكم» في كل ميادين العمل، في الشارع ووسائل الإعلام والإنترنت والمجالس والمنتديات وغيرها، حتى لا تطغى الشهوات السياسية لبعض الذين لا يجدون مطارح لهم ان يركبوا الموجة ويفشلوا عملية التغيير.
في ظل المتغيرات الكبيرة التي تعيشها المنطقة يجد لبنان نفسه أمام التحدي المصيري لمواكبة هذه المتغيرات، حيث الفرصة سانحة أمام الجيل الجديد لتحقيق ما عجزت عنه الأجيال السابقة. ولا بد من ضرب الحديد وهو حام.

تحية الافتتاح