15‏/12‏/2012

لبنان في «صراع الهلالين» إلــى أيــن؟


كان ملك الأردن عبد الله الثاني أول من تحدث عن «الهلال الشيعي» الذي يمتد من طهران الى بغداد فدمشق فلبنان. وقبل أيام نسبت اليه بعض وسائل الاعلام حديثاً عن «هلال سني» يرتسم في المنطقة بدعم قطري ـ سعودي. ومنذ أسبوع أو أكثر كان مدير القسم العربي والدولي في صحيفة «الأهرام» المصرية يتحدث صراحة عن «الهلال السني» الذي يمتد من تركيا الى سوريا الى الأردن فمصر فالمغرب العربي. وليس سرا ان حديث الهلالين بات متداولا بحرارة في المجالس الخاصة والعامة. 
كان يمكن لهذا الحديث عن الهلالين الشيعي والسني الا يتعدى إطار «المزاح الثقيل الدم»، لولا مجموعة من المعطيات التي توحي بالصراع الجدي القائم بين هذين المحورين، من دون ان يعني ان جميع أقطابهما منخرطون فعلا في اللعبة المذهبية، وفي الوقت نفسه من دون غض الطرف عن حالة التحريض والشحن القائمة في هذا السبيل على المستويين السياسي والإعلامي لدى بعض الجماعات في العالم العربي الواسع. 
من هذه المعطيات الأساسية يبرز الصراع الدموي على سوريا التي تشكل نقطة التقاطع الجغرافية بين الهلالين. فمن يسيطر على سوريا في النهاية يضمن الامتداد وخط الوصل الطبيعي لهلاله المفترض من جهة، ويقطع الطريق على الهلال الآخر. ونظرة بسيطة على خريطة المنطقة يمكن ان تؤكد هذه المعادلة. 
ولا يمكن بالتالي التغاضي عن الحملات التي تأخذ طابعا عنفيا في بعض الاحيان، على «ايران ولاية الفقيه» وحكم نوري المالكي في العراق و«النظام العلوي» في سوريا و«حزب الله « في لبنان، فضلا عما تشهده السعودية والبحرين وغيرهما، وهو ما جعل الشيعة يشعرون فعلا بعقدة الاضطهاد، فغدا بعضهم يتصرف على أساس ان هذه الشريحة الإسلامية الكبرى باتت مستهدفة ويفترض بها الدفاع عن نفسها. ولا يجب في الوقت نفسه التعامي عن بعض المجازر التي ترتدي الطابع المذهبي، والفتاوى التكفيرية التي تنضح بها الشاشات. 
ولكن في النتيجة واهم من يعتقد ان «صراع الهلالين» هو صراع مذهبي صرف، بل من البديهي القول إنه صراع مصالح كبرى يتخذ من الفتنة الطائفية رداء له. وإلا كيف يفسر انخراط العالم المسيحي والبوذي بحدة في هذا الصراع. فلا الغرب الأميركي ـ الأوروبي حريص على السنة والجماعة، ولا الشرق الروسي ـ الصيني تجذبه العاطفة الجياشة الى الشيعة والعلويين. 
وسط هذا الواقع، يعيش لبنان حالة من «الانسجام الكامل» مع هذا الصراع بفعل وجود شريحتين كبيرتين، كل منها محسوب على احد الهلالين. ويعتقد الكثيرون ان من الوهم الكبير تحييد لبنان عن هذا الصراع، مهما تنوعت وتعددت الدعوات الخيّرة الى «النأي بالنفس» ونبذ الفتنة. فلبنان، شاء من شاء وأبى من أبى، في صلب هذا الصراع، وسوف تكون الارتدادات مخيفة عندما تبلغ المنطقة لحظة الحسم وتنجلي الأمور لصالح احد الهلالين، خاصة عندما يتبلور الوضع في سوريا وترسو أزمتها على بر معين. ففي لبنان فريق يعتبر سقوط النظام السوري واكتمال «الهلال السني» فرصة لإلقاء القبض على البلد، وفريق آخر يستعد لمواجهة ساعة الحقيقة.عندها يصبح السؤال المطروح الآن بحدة «لبنان الى اين؟»مناسبة لتشغيل الخيال عن المستقبل المجهول.

Sent from my iPad

10‏/12‏/2012

«عصفورية» بلا إدارة

واصف عواضة
جمهور المقاومة في لبنان في حالة غليان واحتقان. مردّ هذه الحالة سببان رئيسيان: الأول، حجم الإسفاف الذي يطال المقاومة وسيدها من بعض الشخصيات ذات القيمة الرفيعة أوالمتدنية سياسياً، والثاني، إحجام قيادة المقاومة عن مواجهة هذه الحملة والبرودة التي تلاقي فيها هذا الإسفاف.
في المجالس الخاصة كلام كثير في هذا المجال، وعلى صفحات التواصل الاجتماعي عبر «الإنترنت» كلام أكثر وجدال يبلغ أحياناً حد الانفعال، لدرجة لا يجد معها أهل الحكمة مكاناً لهم أحياناً لتهدئة النفوس الثائرة. وفي النهاية ثمة من يحمد الله على ان على رأس هذه المقاومة رجلاً عاقلاً حكيماً، يعرف حدود الله جيداً، ويؤمن بأن الفتنة التي يستجديها الكثيرون في الداخل والخارج، مثلما فيها مقتل للمقاومة، فيها القضاء المبرم على البلد وأهله جميعاً.
والواقع أنه لم يعد خافياً على أحد حجم الأحقاد الذي يتنامى في صدور أبناء البلد، نتيجة الكلام العالي النبرة الذي تضج به المهرجانات والمسيرات والاعتصامات والشاشات، ويبلغ من الإسفاف مبلغاً غير مسبوق، في وقت ترزح الناس تحت أعباء الأزمات المعيشية والاجتماعية على خلافها، من دون أن يكلف معظم أهل السياسة أنفسهم عناء معالجة أو تخفيف هذه الأزمات. فالشحن الطائفي والمذهبي تعلو كلمته على أي كلام آخر، والشتائم تتصدر الحملات السياسية، وكأن ثمة مباراة وجوائز للشتّام الأفضل في لبنان. هذه الحالة وصفها الرئيس نبيه بري بـ«العصفورية»، (مستشفى الأمراض العصبية في لبنان). لكن «العصفورية» لها في العادة إدارة، فيما «عصفورية لبنان» تبدو من دون إدارة.
ثمة فريق في لبنان يبدو وكأنه أحرق مراكب العودة الى وطن واحد بجميع أبنائه، وذهب في رهانه على سقوط النظام السوري الى نقطة اللاعودة، وهو يمني النفس بإلغاء الفريق الآخر من دون هوادة، وفي اعتقاده ان تحقيق ذلك سيعيد الاستقرار الكامل والناجز الى لبنان، متناسياً أن التركيبة اللبنانية لا تُحرق ولا تُغرق في ظل النظام الطائفي الذي لا يستطيع فيه أحد إلغاء أحد، مهما علا كعبه أو وَطُؤ. ولو كان ذلك ممكناً لكان لبنان اليوم في يد فريق ملك أو يملك من القوة فائضاً عسكرياً وسياسياً وشعبياً مرجحاً، منذ عصر الحركة الوطنية حتى عصر المقاومة.
لقد شهد لبنان الكثير من الأحلام والمغامرات التي لم تؤد الى تغيير طبيعته السياسية. فقط كانت هذه المغامرات مدخلاً إلى حروب لم تبق ولم تذر. وإذا كان ثمة من ينشد التغيير، فإن هذا التغيير يصنعه وفاق اللبنانيين على أي لبنان يريدون، سواء سقط النظام السوري أم صمد. ويعرف اللبنانيون جيداً أن هذا النظام لم يستطع إلغاء فريق في لبنان لصالح فريق آخر، مثلما لم تستطع إسرائيل بجبروتها في احتلالين وخمس حروب، خلال ثلاثة عقود، أن تبدل من طبيعة لبنان. وعليه فإن النفخ في كور الفتنة لن يؤدي إلا إلى حرب جديدة ذاق اللبنانيون مرارتها في السابق من دون جدوى.
ثمة فرصة بعدُ للعقل والحكمة والخروج من «العصفورية السياسية» قبل ان يفلت الزمام. وليس سراً أن المقاومة وقيادتها وجمهورها على استعداد كامل لتسوية تاريخية، تشرك الجميع في إدارة البلد، شرطها الوحيد تحييد المقاومة في وجه إسرائيل كعدو أوحد عن طاولة البحث ضمن ضوابط منطقية. وبغير ذلك فإن الشحن والتحريض والإسفاف والشتائم ستحول «العصفورية السياسية» الى «عصفورية أمنية» تقتل شهوات السلطة وأوهامها من رؤوس الحالمين.

تحية الافتتاح