12‏/06‏/2013

لميثاق شرف سياسي.. أولاً

واصف عواضة- السفير  11 حزيران 2013
قبل أشهر نظم برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في بيروت (UNDP) ورشة عمل في احد فنادق العاصمة، دعا اليها ممثلي مختلف وسائل الاعلام بمشاركة المجلس الوطني للاعلام ونقابتي الصحافة والمحررين. كان الهدف من هذه الورشة اعداد «ميثاق شرف اعلامي لتعزيز السلم الأهلي»، وهو هدف سام في ظل الظروف التي يعيشها لبنان.
والواقع ان المشاركين تعاطوا مع هذه الورشة بجدية ظاهرة احتراما منهم لمؤسسة دولية كبرى تسعى لتعزيز السلم الأهلي في بلدهم. لكنهم في قرارة انفسهم لم يكونوا على ثقة بأن هذا الميثاق ستكون له مفاعيل تنفيذية في بلد خبروا أزماته وظروفه واعلامه وسياسييه. ومع ذلك تعاملوا باهتمام مع هذا المشروع، وابدوا ملاحظاتهم على المسوّدة الأولى للميثاق، بحيث جرى تعديلها ودفعها اليهم بعد فترة في صورة مسوّدة ثانية، على ان تخصص جلسة علنية لاحقة للاعلان عن هذا الميثاق.
واحتراما لارادة المنظمين في عدم نشر هذه المسوّدة، سوف نكتفي بالاشارة الى فقرتين اساسيتين وردتا فيها وتعنيان اعلامنا في هذه المرحلة الدقيقة:
الاولى: «العمل على عدم اثارة النعرات المذهبية او الطائفية وعدم الاساءة الى قيم المجتمع او التحريض على العصيان العنفي او ارتكاب الجرائم، والامتناع عن عبارات التحقير».
الثانية: «على وسائل الاعلام ان تولي اهتماما بارزا لمسألة اختيار الضيوف والاقلام التي تستقبلها، والتي يجب ان تتمتع بمستوى فكري لائق ومواطنية عالية».
لا شك ان برنامج الامم المتحدة الذي يتابع وسائل الاعلام اللبنانية، خاصة في البرامج الحوارية، سوف يزداد تمسكا واصرارا على اصدار هذا الميثاق. لكن المشاركين في الورشة، اعلاميين ونقابيين، سوف يزدادون يأسا واحباطا من احتمال فاعلية هذا الميثاق، مع عدم ممانعتهم في نشره واعلانه على الملأ.
في قناعة الكثير من الاعلاميين أن الميثاق هو مجرد ورقة طوباوية لا تحمل مضامين تنفيذية زاجرة بقوة القانون، في بلد وسائله الاعلامية خاضعة لارادات سياسية، خصوصا في مجال المرئي والمسموع، وهي لا تتمتع بقدر كاف من الاستقلالية والانضباط في غياب السلطة القادرة على تنفيذ القانون ومضامينه، سواء قانون الاعلام المرئي والمسموع أو قانون العقوبات.
هذا من جهة، ومن جهة ثانية فإن الاعلام هو مرآة للواقع السياسي بجميع فصوله. ولما كان الواقع السياسي رديئا الى هذا الحد فمن الطبيعي ان ينسحب هذا الواقع على وسائل الاعلام التابعة في معظمها لقوى سياسية متناحرة. وواهم من يعتقد ان الاعلاميين هم جماعة من القديسين الذين يفترض ان تقع على اكتافهم مهمة انقاذ البلد، بل هم جزء من هذا النسيج السياسي المتناحر، فضلا عن الاغراءات المعنوية والمادية التي تضغط على كواهلهم، بل ان شغف المهنة وحرارتها يضغط عليهم احيانا لانتاج الاثارة الاعلامية، حتى لو كانت مدمرة للوطن والمجتمع، تحت ستار انهم ينقلون الواقع كما هو.
ان المتابع لبعض البرامج الحوارية خلال الاسابيع الماضية، والتي لا تحمل ذرة من الشرف، يكاد يشفق على أهل الاعلام والسياسة معا. فلا الفريق الاول أحسن اختيار ضيوفه، بل أوغل في انتقاء أقصى المتطرفين منهم، ولا الفريق الثاني استطاع ان يلجم فكره التحريضي الطائفي والمذهبي الذي احيى معركة صفين بين علي ومعاوية، ولم تسلم عاشوراء من هذيانه فاعتبرها تحريضا على فريق من المسلمين .
وعليه سيبقى ميثاق الشرف الاعلامي في غياب القوة الزاجرة بالقانون، مجرد تمنيات لا تسمن ولا تغني عن جوع، ما لم يسبقه ميثاق شرف سياسي يلجم اصحاب الفكر الاسود من السياسيين ورجال الدين الذين يوقظون، كل لحظة، الفتنة التي لم تعد نائمة. فالحرية الزائدة هي اخت الناقصة عندما تتحول الى فوضى من دون لجام، فتغدو كالثور الجامح أو الفيل الأعمى الذي يدهس في طريقه كل شيء... نعم كل شيء!


تحية الافتتاح