27‏/02‏/2011

من كان يحلم؟

ظلت الاحلام المزعجة تخيم فوق مخادعنا زمنا طويلا0كانت الاحلام الجميلة قد فارقت مناماتنا وصحواتنا منذ رحل ذلك المارد الاسمرالذي عشنا معه زمنا من الكرامة0من كان يحلم بأن يهتز العالم العربي على الصورة التي نشهدها اليوم ،من تونس الخضراء الى ليبيا البيضاء الى مصر المحروسة الى العراق الرشيد واليمن السعيد والبحرين الجديد00وغدا وغدا مع ثورات وانتفاضات شعبية مزلزلة0من كان يحلم؟



الحمد لله الذي احيانا انا الى هذا الزمن الذي نشهد فيه احلامنا الجميلة تبسط نفسها على اراضي هذه الأمة من محيطها الى خليجها0والحمد لله الذي احيانا لنشهد جماهير أمتنا تفرش اجسادها في الشوارع والساحات والميادين،في وجه حكام أوهمونا ان الهزيمة قدر وان الاستسلام للواقع لا مناص منه وان الفقر والجوع ليس عيبا كي يشبع زبانية السلطة،وان عطايا الحكام ليست الا منة ممنونة للجماهير الكادحة0
              واصف عواضة




09‏/02‏/2011

المشــهد المصــري مــن أفريقيــا


واصف عواضة
فريتاون :
يتابع الافارقة عبر الشاشات، في غرب القارة وجنوبها وشرقها، التطورات الجارية في شمال القارة, وتحديدا بلدانها العربية، كمن يكتشف لأول مرة جزءا اساسيا من محيطهم كانوا يعتقدون انه اكثر تقدما وحضارة وتمدنا وثقافة سياسية.
وسط همومهم المتراكمة يسأل الافارقة ربما لأول مرة، عما يجري في شمال القارة التي ظنوا لسنوات طويلة ان استقرارها الشكلي يعبر عن رغد في العيش، جنّب شعوبها الثورات والخضات والمذابح التي شهدتها بلدانهم في العقدين الاخيرين. يكتشف هؤلاء ان هذا الاستقرار كان وهماً تحرسه ديكتاتوريات أحكمت قبضتها على مقدرات الشعوب وخيراتها، فيما تنعم افريقيا السوداء من السنغال الى جنوب افريقيا الى كينيا وغيرها، بديموقراطيات قد تكون متواضعة لكنها نبذت الديكتاتوريات وألفت تداول السلطة عبر الانتخابات التي باتت مواسمها تعزز ثقافة الاختيار الحر.
يكتشف الافارقة البسطاء ان ثمة حاكما في قارتهم أمضى ثلاثين عاما في الحكم يزوّر الانتخابات ويرفض التخلي عن السلطة، وحاكما آخر في جواره يتربع على العرش منذ واحد واربعين عاما من دون تجديد او تمديد أو انتخابات، ويطرح نفسه امبراطورا على قارتهم, وحاكما ثالثا جدد لنفسه طوال ثلاثة وعشرين عاما أطاحته الجماهير بالقوة، وحاكما رابعا يعلم الله وحده متى يتواضع ويتنازل عن السلطة، ثم حاكما خامسا يكاد يكون الملك الوحيد في افريقيا يتوارث السلطة أبا عن جد. يكتشف الافارقة البسطاء كل ذلك وهم ينتظرون المواسم الانتخابية في معظم بلدانهم بأحر من الجمر ليغيروا زعماءهم بعدما رذلوا الملوك والاباطرة والحكام المؤبدين على عروشهم.
يكتشف الافارقة البسطاء ان حاكما في قارتهم تبلغ ثروة عائلته بين اربعين وسبعين مليار دولار، فيما بعض خزائن بلدانهم تفتقر احيانا الى مليون دولار، في حين يستنفر المجتمع الدولي على احد حكامهم لأن ثروته تبلغ ثمانية ملايين دولار... فقط لا غير.
يكتشف الافارقة البسطاء أن مصر التي أسهمت في الثورات الاستقلالية في بلدانهم وفي تحريرهم من نير الاستعمار في عهد جمال عبد الناصر، بالكاد يسمعون بها اليوم بعدما استقالت من دورها، ليس في افريقيا فقط بل في عالمها العربي ايضا. ولولا كرة القدم لما انتبه الافارقة الى دولة اسمها مصر هي احدى اكبر دول قارتهم.
يكتشف الافارقة بنخبهم وبسطائهم ان الدنيا تغيرت على أعتاب القرن الحادي والعشرين، إلا العرب وأنظمتهم التي لم تتبدل ولم تتغير. صحيح ان بلدان العرب تطورت وتقدمت وارتفعت الابراج الشاهقة فوق أرضها وباتت الشوارع والاوتسترادات تربط بين مدنها وقراها فيما معظم الدول الافريقية تسعى الى تحقيق ابسط فصول التنمية والخلاص من الفقر والمرض، لكن بات من حق افريقيا ان تتفاخرعلينا بالديموقراطية، نعم بالديموقراطية والانتخابات والاختيار الحر وتداول السلطة وهي أبسط حقوق الانسانية في هذا الزمن.
ربما يعرف الافارقة الآن لماذا نزل الشعب التونسي الى الشوارع واقتلع حاكمه المستدام، ولماذا يحتل الشعب المصري ميدان التحرير في وسط القاهرة منذ أكثر من أسبوعين ويسقط منه الشهداء بالمئات سعيا وراء حقوق مستباحة، بعدما بلغ الجوع والفقر والمعاناة في صفوف ابنائه مبلغا أين منه ما كان يسمى مجاهل افريقيا.
كان عمر بن الخطاب يقف على المنبر ويقول: أيها الناس أطيعوني ما أطعت الله فيكم، فإن عصيت الله فلا طاعة لي عليكم، فقام رجل وقال: والله لئن وجدنا فيك اعوجاجاً لقومناك بسيوفنا، فقال عمر: الحمد لله الذي جعل في أمة محمد من يقوم اعوجاج عمر».
كان ذلك قبل الف واربعمئة سنة. بعد اربعة عشر قرنا هلا لحاكم عربي ان يشك، مجرد شك، ان فيه اعوجاجا، وهل يحسب للناس حسابا، وهل بات السيف الوسيلة الوحيدة لتقويم اعوجاج الحكام العرب؟ وهل أصبحت المنظومة العربية في آخر لائحة الأمم؟

07‏/02‏/2011

لبنـان.. وريـاح التغييـر

واصف عواضة
تنتاب العالم العربي هذه الايام «لوثة التغيير والاصلاح السياسي» في ظل الانتفاضة الشبابية التي تشهدها مصر والنجاح الذي حققه الشعب التونسي في اقتلاع الحكم الاستبدادي الذي عايشه ثلاثة وعشرين عاما. وفيما الأنظار مسلطة على ميدان التحرير في القاهرة والحراك المتصاعد للشارع المصري، يدور نقاش حذر في الشارع العربي من محيطه الى خليجه حول مستقبل الأمة التي نامت نواطيرها طويلا عن ثعالب الانظمة التي فتكت بمقدرات البلاد والعباد وامتصت الخيرات وكتمت الاصوات ومارست كل صنوف القمع والتسلط والاستبداد.
ومن الطبيعي ان يكون هذا النقاش في صلب المسائل المطروحة على بساط البحث في لبنان، فقبل أن تندلع انتفاضة تونس وثورة مصر، كانت رياح التغيير قد عصفت بلبنان وادت الى حرب ضروس انتهت باتفاق الطائف الذي وضع نظريا الأسس لدولة عصرية تقوم على المواطنة، لكن هذا الاتفاق انقطعت به السبل في منتصف الطريق، وسيقت البلاد إلى واقع بات يتطلب التغيير والاصلاح اكثر مما كان يتطلبه قبل الطائف.
يتفق اللبنانيون بغالبيتهم على ضرورة التغيير والاصلاح، لكن المشكلة ان كلا منهم يريده على هواه، مشفوعا بثقافة كيدية وإلغائية غير مسبوقة. وطبيعي القول ان هذه الثقافة لا تبني وطنا ولا مواطنين، بل تؤدي الى حروب أهلية جديدة ليس فيها كالعادة غالب ومغلوب، بل مغلوبون بالجملة والمفرق.
صحيح ان لبنان ليس محكوما بالاصنام كما هي الحال في العالم العربي، حيث يقوم نظامه قبل وبعد الاستقلال على تداول السلطة، ولطالما كان يحسدنا الاخوة العرب على ان في بلدنا رؤساء وحكاما سابقين يتمتعون بحرية الحركة، فيما حكامهم لا يتبدلون الا بالموت او النفي. إلا أن أكبر الأصنام العربية وأطولها عمرا، موجود في لبنان، وهو النظام الطائفي الذي لا يتغير او يتبدل مهما تداول الاشخاص السلطة، وهو ما لا يحسدنا عليه حاسد.
لقد هبت رياح التغيير على العالم العربي من تونس ومصر، ولعل أهم ما فيها، ليس تبديل الحكام والاشخاص وبناء انظمة تقوم على تداول السلطة، بل هي الروح التي تجتاح ابناء هذه الأمة والقائمة على قاعدة التجرؤ الشعبي على مواجهة الحاكمين، وهي روح تؤسس لمستقبل واعد مهما طال الزمن. ولا يفترض والحالة هذه ان يكون أحد مستعجلا على قلب الصورة، المهم ان نقطة انطلاق قد وضعت على السطر. ولعل ما يميز لبنان في هذا المجال ان هذه الروح مغروسة من زمان في نفوس اللبنانيين الذين لا تنقصهم الجرأة على حكامهم. لكن المفارقة ان التغيير المطلوب في لبنان يعاند الزمن ويبدو اكثر صعوبة من اي بلد عربي آخر، لأن الإصلاحيين الحقيقيين الذين يحلمون بوطن ومواطن هم أقلية قليلة في بلد الارز وثورته الدائمة. والمؤسف ان الشباب الذي يعول عليه لانجاز التغيير والاصلاح المطلوبين، منقسم حول ساسته وطوائفه واحزابه العاجزة عن تحقيق هذا المراد.
أن التحدي الكبير الذي يواجه التغيير في لبنان يكمن في بناء جيل جديد يخرج على طوائفه ومرجعياته، ليرسم نقطة بداية تهيء لثقافة جديدة تتبنى المواطنة كخط سير لا تحيد عنه مهما طال الزمن أو قصر. وأخشى ما نخشاه ان يتحقق التغيير في بلدان العالم العربي من دون ان يطرق ابواب لبنان. ولعله من باب السخرية ساعتئذ ان يكون شعب لبنان آخر من يصرخ: «الشعب يريد اسقاط النظام».


تحية الافتتاح