26‏/04‏/2012

خلاصات على هامش الجلسة النيابية

 
واصف عواضة
السفير 21 نيسان 2012
يجب ان نحمد الله على نعمة الديموقراطية البرلمانية التي اتاحت لنواب الأمة، الافاضة في الكلام على هذا المستوى من الانفلات والحرية، ما يقارب الفوضى ولا يجتنب المماحكة العقيمة والنكد السياسي الذي يحكم البلد منذ العام 2005.
الحمد لله على هذه النعمة التي تتيح للبنانيين ان يسمعوا ممثليهم ينطقون بكل غث وثمين، ومن دون حسيب او رقيب، في جلسات المناقشة العامة. لكن اي مراقب محايد (على قلة هؤلاء في لبنان) يجب ان يحسد نوابنا على هذه القدرة الفائقة على التناسي، وهذا في حد ذاته نعمة الهية ايضا،على الرغم من أنه يحتقر عقول الناس الذين يحفظون جيدا المواقف والافعال التي لم يمض عليها الزمن.
لقد اشبع معظم السادة النواب منبر المجلس خطبا ضجت بالاتهامات للغير، واتحفوا شعب لبنان بمحاضرات العفاف والتعفف عن الإجرام والقتل والسرقة والنهب والفساد، حتى ليظن البسطاء ان كل الانتهاكات التي شهدها لبنان خلال العقود الاربعة الماضية كانت من صنع الطليان. ما من أحد في هذا المجلس مسؤول عن ستين مليار دولار من الديون، ولا عن حالة التردي المعيشي، ولا عن غياب الكهرباء، ولا الفوضى الضاربة في كل المجالات، فضلا عن غياب الدولة ومنع الاصلاح في كل المجالات.
غير ان جلسة المناقشة العامة كانت مفيدة، لأنها رسمت الى حد ما تصورا غير مطمئن للمرحلة المقبلة، وكشفت الكثير من المعطيات والرؤى المحزنة، وانتهت الى عدد من الخلاصات التي يمكن تسجيلها كالآتي:
اولا: اكدت الجلسة ان الشق بين اللبنانيين لا يزال واسعا وتحكمه الاحقاد الدفينة، وأن الاستقرار السياسي ما زال حلما بعيد المنال. وقد كانت كلمة الرئيس فؤاد السنيورة خلاصة الخلاصات لما سبقها من مماحكات أظهرت حجم التباعد بين القوتين «الآذاريتين». وأيا تكن نتيجة الانتخابات المقبلة، فانها لن تضع حدا للازمة اللبنانية المتفاقمة في ظل النظام السياسي الحالي.
ثانيا: استنادا الى الخلاصة الاولى كان «فتى الكتائب» النائب سامي الجميل نجم الجلسة من دون منازع، من خلال طرحه المنطقي المستند الى الواقع اللبناني القائم منذ سبعين عاما. فقد وضع الرجل يده على الجرح الحقيقي للبنان حين قال: «ان مشكلتنا تكمن في نظامنا السياسي القائم. فالدولة المبنية على الزبائنية والاستهتار بالناس هي المسؤولة، لا الحكومات المتعاقبة. فنحن نعيش في دولة فاشلة». واذا كان «الشيخ الصغير» لم يقدم طرحا بديلا وازنا يقوم على تغيير جذري يلغي النظام الطائفي، فيكفي انه لم يُعف نفسه ولا حزبه العريق من المسؤولية عن فشل الدولة. لقد نجح في توصيف الداء ولم يوفق في وصف الدواء. وفي كل الاحوال، ربما يكون قد فتح الباب على حوار جدي بين اللبنانيين.
ثالثا: أظهرت الجلسة حجم التضليل السياسي الذي يمارسه اللبنانيون على بعضهم البعض من خلال الاتهامات غير الدقيقة وغير المسندة، والمفتقرة الى أدلة قاطعة. وقد أجاد الوزراء الاربعة الذين انتفضوا لكراماتهم في اظهار هذه النتيجة لدرجة أحرجت المتهِمين (بكسر الهاء). وهذا ما اتاح للحكومة التي تهشمت صورتها امام الرأي العام، بأن تخرج سالمة في اللحظة الأخيرة، ليس بتجديد الثقة بها، بل بانكشاف خصومها.
رابعا: اثبت الرئيس نبيه بري مرة جديدة أنه «استاذ السياسة اللبنانية» بإدارته الجلسة بحنكة فائقة لم تترك لخصومه فرصة للاحتكاك به او توجيه اي انتقاد له، على الرغم من انه يمثل فريقا معروفا بمواقفه ورؤيته السياسية المغايرة للمعارضة.
تبقى خلاصة اخيرة لا بد منها تقوم على سؤال للرئيس نجيب ميقاتي عما ربط لسانه، في رده على النواب، عن خطبة عصماء بسيطة مختصرة ومن بضعة اسطر مؤداها:
«حضرات السادة النواب
اسمحوا لي امام سيل الاتهامات وحملات الافتراء أن أحمد الله وأشكره على أن يدي ليست ملطخة بالدماء. كما أشكره وأحمده انه أغناني عن الحاجة، وعصمني عن مد يدي الى المال العام، فأنعم علي بما أتاح لي القيام بعمل الخير. ربما أكون قد ارتكبت الكثير من الأخطاء في حياتي، وجل من لا يخطئ، لكن أخطائي ليست من الصنف القاتل الذي رميتمونا به. اللهم فاشهد، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته».

تحية الافتتاح