19‏/09‏/2012

زلة لسان إيرانية؟

واصف عواضة
ليس واضحا ولا مفهوما حتى الآن لماذا صرّح القائد الأعلى لـ«الحرس الثوري» الايراني الجنرال محمد علي جعفري، بأن مستشارين من «الحرس» متواجدون في لبنان وسوريا، ما اضطر طهران الى نفي هذا التصريح، أو الأصح «تدوير زواياه» الحادة في مرحلة دقيقة للغاية تشهدها المنطقة، مرة على لسان سفير الجمهورية الاسلامية الايرانية في لبنان غضنفر ركن أبادي، وأخرى على لسان المتحدث باسم الخارجية الايرانية رامين مهمانبرست.
هل كانت «زلة لسان» من المسؤول الايراني الكبير، أم ان الهدف هو توجيه رسائل «لمن يهمهم الأمر» في المنطقة، بحسب التحليلات التي توالت في اطار ردود الفعل على هذا الكلام الذي أحرج الحلفاء والاصدقاء في لبنان وسوريا وبعض الدول الكبرى؟ أم ان الجنرال جعفري يعتبر اعترافه الذي جاء ردا على سؤال في مؤتمر صحافي، من باب «تحصيل الحاصل»، ولا يستأهل هذه الضجة السياسية والاعلامية التي تعاملت مع هذا الموضوع على قاعدة «لا اله..»، فأصرت على التعاطي مع تصريح الجعفري من دون الاشارة الى النفي والتوضيح والتصحيح؟
في اي حال لا يمكن لأحد ان ينكر او يتجاهل النفوذ الايراني في المنطقة، بدءا من العراق، مرورا بسوريا وانتهاء بلبنان. هذه حقيقة لا تنكرها ايران ولا الحلفاء في هذه الدول. فمنذ قيام الثورة الاسلامية في العام 1979، لم يغب عن بال أحد ان الجمهورية الاسلامية تسعى الى تصدير ثورتها التي تفتخر بها الى الخارج، وقد وجدت لذلك مريدين في المنطقة وخارجها، لدرجة نشأ من خلال ذلك محوران كبيران أُطلق عليهما تعبير «الاعتدال والممانعة». وعلى ضفاف هذين المحورين دارت وتدور صراعات دامية منذ ثلاثة عقود، شهدت المنطقة خلالها حروبا ضارية بدأت بالحرب العراقية على ايران في عهد صدام حسين، مرورا بحروب اسرائيل على لبنان، وهي تشهد اليوم فصلا داميا في سوريا الحليف الاساسي لإيران.
وسط هذا الصراع لعبت الجمهورية الاسلامية دورا بارزا في دعم حلفائها في محور الممانعة بالمال والسلاح والخبرات، وكان من البديهي ان يكون «الحرس الثوري» الايراني، بما يملك من امكانات، في طليعة الوسائل الايرانية لترجمة هذا الدعم، ولا تختبئ ايران وراء اصابعها في هذا المجال، في وقت يمتلك خصومها المعلومات الكافية على هذا الصعيد. وبالتأكيد لم تتفاجأ الولايات المتحدة واسرائيل بالذات من تصريحات الجنرال جعفري، لكن هذا الاخير، على الرغم من ذلك، لم يكن مضطرا الى مثل هذه التصريحات التي قد تكون أحرجت الحلفاء في المرحلة الدقيقة الراهنة، وأسهمت في تزويد الخصوم بمادة دسمة لتأليب الرأي العام وزجه في آتون الفتنة المذهبية.
في كل الاحوال، سواء كانت تصريحات الجعفري «زلة لسان» او «رسالة» أو من باب «تحصيل الحاصل» او جرى تأويلها واستغلالها، فإن كل ذلك لا ينفي رغبة الجمهورية الاسلامية الايرانية ولا حقها كدولة كبرى في المنطقة، في تعزيز نفوذها، شأنها في ذلك شأن كل القوى والاساطيل الزاحفة من وراء البحار والساعية لتحقيق مصالحها على حساب شعوب المنطقة. فإيران لها مصالحها ولديها خيرات مهددة، ومن حقها حماية هذه المصالح والخيرات بالطرق التي تراها مناسبة، ما دامت سياسة القوة لا مبادئ العدالة هي التي تحكم العالم اليوم. يكفي ان ايران لم تغز دولا ولا اجتاحت اراضي ولا احتلت شعوبا كما فعل ويفعل الآخرون.

11‏/09‏/2012

صراع على دولة مهترئة

واصف عواضة
السفير 11 ايلول 2012
قد يبدو السؤال ساذجاً، ولكن لا بد من طرحه في بلد كلبنان يعاني ما يعانيه من أزمات مستعصية: لماذا يتصارع الناس على السلطة؟
ربما يجد السؤال سبيلاً الى بعض المنطق اذا ما جرى تعديله بصورة واقعية: لماذا يتصارع أهل السياسة في لبنان على دولة متهالكة مهترئة تكاد تكون جثة هامدة، اذ منذ زمن طويل تقوم كل حكومة بتسليم خليفتها تركة ثقيلة تنوء بحملها الجبال؟في الدول المحترمة يتصارع السياسيون على السلطة لأهداف نبيلة غايتها إما الحفاظ على استقرار محقق بجميع مفاصله السياسية والاقتصادية والأمنية، أو إنجاز إصلاحات تنقل البلاد والعباد من حال الى حال أفضل. إلا أن هذه المعادلة لا تنطبق على لبنان وحكوماته المتعاقبة منذ الاستقلال، إذ لم تستطع هذه الحكومات تحقيق الاستقرار ولا إنجاز الإصلاحات. حتى أن الإنجاز الإصلاحي الدستوري الوحيد الذي خرج في الطائف انقطع حبله في منتصف البئر ولم تتحقق أهدافه السامية في الوصول الى وطن.
كان أفلاطون يقسم الأنظمة الحاكمة الى خمسة: 1 ـ حكومة «القلة الفاضلة»، بحيث يحكم أفضل الناس وأرشدهم، ويدخل عامل السن ضمن الصفات، فيقدم الكبير الفاضل على الصغير الفاضل، ويتم الاختيار من قبل العلماء والمختصين بعد اختبار هؤلاء الفضلاء وليس بالتصويت الجماهيري 2 ـ حكومة «الطامحين وأصحاب الشرف» بحيث يحكم الناس اصحاب الطموح والمندفعين نحو السمو والشرف والغلبة. 3 ـ حكومة الشعب (الديموقراطية) وتعطى الحرية الفردية فيها مجالاً كبيراً لتشارك الأغلبية في صنع الحكومة. 4 ـ حكومة الطبقة الغنية وأصحاب الثروات، ويحكمها الأغنى والأكثر جاهاً ومالاً فيحكم الغني الفقير. 5 ـ حكومة الجبروت والطغيان (الاستبدادية) ويحكمها المتجبرون والمجرمون بالنار والحديد ويستعبدون الشعب.
في لبنان شيء من كل هذا، ولو كان أفلاطون حياً لأضاف نظاماً سادساً الى تصنيفه، أو ربما ارتبك في تصنيف النظام اللبناني. هناك آفة مزمنة في لبنان تقوم على الخلط بين السلطة والدولة. فمن حق الحاكم ان يتصرف بالسلطة وفق الدستور والقوانين والاجتهادات، يخطئ أو يصيب فيتحمل المسؤولية ويُحاسَب في النهاية أمام الرأي العام. ولكن ليس من حق الحاكم ان يتصرف بالدولة على قاعدة لويس السادس عشر «أنا الدولة.. والدولة أنا». فالدولة أرض وشعب ومؤسسات وحكم، فيما السلطة هي فقط الادارة التي تشرف على مسار الدولة. كثيراً ما ينادي اللبنانيون بالدولة وينشدون قيامها، إلا أنه لم يثبت في أي مرحلة من المراحل أنهم جادون في الولوج اليها. وربما يحلو للبعض اليوم الزعم بأن المقاومة هي سبب اهتراء الدولة، وفي ذلك ظلم كبير ما بعده ظلم. فقبل المقاومة كانت الدولة مهترئة، ولولا المقاومة لما كان هناك دولة ولو مهترئة. فدولة نظامها يقوم على المحاصصة بين الطوائف ليست بدولة. ودولة لا تستطيع سلطتها محاسبة حاجب في إداراتها متحصن بطائفته ليست بدولة. دولة لا تستطيع حماية حدودها، ولا صيانة مؤسساتها، ولا تأمين الخدمات بحدود مقبولة لمواطنيها، ولا تحقيق استقرار أمني معقول لأهلها، ولا إنجاز نظام ضريبي سليم، ولا إقرار موازنة عامة، ولا استغلال خيراتها. دولة غارقة في الديون، عاجزة عن الانتاج، غير قادرة على برمجة اقتصادها، حكامها يتصارعون على أبسط الأمور، ملاكها الإداري يكاد يفرغ من شاغليه، كهرباؤها وماؤها بالقطارة. دولة مهترئة بكل معنى الكلمة، ومع ذلك يتصارع الساسة على إدارتها منذ سبعة عقود من دون أن يحققوا لناسها مستقبلا أفضل. أليس في ذلك ما يدعو الى الغرابة؟
ربما عندما يعرف السبب يبطل العجب. والسبب يستطيع أهل السلطة أنفسهم تبريره وتعليله أكثر من غيرهم.

04‏/09‏/2012

إرحموا النازحين السوريين

واصف عواضة

إرحموا النازحين السوريين

إرحموا النازحين السوريين

ليس مفهوماً حتى الآن لماذا تصر جماعات سورية معارضة، على الاستمرار في احتجاز اللبنانيين في سوريا، وافتعال قضية لم يعد لها من نتيجة سوى رفع وتيرة معاناة اللاجئين السوريين في لبنان فوق معاناتهم. وليس مقنعاً بالتالي أن عصابات مسلحة تحت مسميات مختلفة بينها «أبو إبراهيم»، هي التي تقوم بهذه الأعمال، وأنها تقع خارج السيطرة في مساحات جغرافية تحكمها المعارضة السورية من جهة، وتغطيها دول فاعلة في المنطقة من جهة أخرى.

في البداية والنهاية مؤسف جداً أن يتعرض النازحون السوريون في لبنان لمثل هذه المعاناة. هؤلاء الأكارم الذين احتضنوا النازحين اللبنانيين في كل أوقات الشدة، وبذلوا الغالي والرخيص من أجل تخفيف آلامهم، سواء خلال الحروب اللبنانية الداخلية المتعاقبة، أم أثناء الحروب الإسرائيلية المدمرة التي كانت حرب تموز آخرها. وليس من لبناني يستطيع ان ينكر أن سوريا حكومة وشعباً، قدمت كل التسهيلات في أرضها للبنانيين في أوقات المحن، ومن حق السوريين علينا أن نبادلهم الوفاء والاحتضان في أوقات محنتهم. وفي كل الأحوال لا يفترض أن يشعر النازح السوري المدني المسالم في لبنان بأنه هدف خاضع للملاحقة تحت أي ظرف.

إلا أنه لا يجب أن يغيب عن البال أن الشعب اللبناني بكل فئاته يحرص كل الحرص على إخوته السوريين في لبنان، سواء أكانوا مع النظام أم ضده، وقد أثبتوا ذلك خلال الأزمة السورية منذ بداية العام الماضي، وأن ما يحصل في الفترة الأخيرة من عمليات خطف واحتجاز لبعض السوريين ليس إلا حالة من رد الفعل وليست الفعل نفسه. وعندما يزول الفعل المتمثل باحتجاز أحد عشر لبنانياً في شمال سوريا وكذلك المواطن حسان المقداد، لن يسامح أحد القائمين بردود الفعل أو المضايقة لأي لاجئ سوري في لبنان.

وعود على بدء، فإنه من حق أي لبناني أن يسأل عن الهدف الكامن وراء استمرار احتجاز اللبنانيين في سوريا، وقد تأكد أنهم ليسوا مسلحين ولا مقاتلين ولا متدخلين في الأزمة السورية الى جانب النظام. ولو كان الأمر كذلك لكان القتل مصيرهم منذ اللحظات الأولى، طالما القتل والذبح بات من علامات المحنة السورية وهو يعرض يومياً على الشاشات.

كان التصور في لبنان منذ اللحظة التي اختطف فيها الزوار اللبنانيون في شمال سوريا، أن الهدف من ذلك هو توتير الساحة اللبنانية بردود الفعل الشعبية لدى طائفة معينة. وقد تمكنت مراجع الطائفة من لجم التحركات وحولتها الى مطالبة سلمية، وصبر اهالي المخطوفين ثلاثة اشهر على مضض، من دون أن يبادر أحد الى معالجة هذه القضية ووضع حد نهائي لها. فالمبررات التي تقدم لغاية الآن لا تقنع أحداً، سواء كانت من المعارضة السورية أم من الدول الراعية، إذ كيف يمكن أن تتواصل وسائل الإعلام المتلفزة مع الخاطفين والمخطوفين بما يشبه المسرحية المبكية، ثم يأتي من يقول إنه لا يعرف مكانهم ولا الجهة الخاطفة، أو أنه لا يمون على الخاطفين.

لقد بات واجباً وضع حد لهذه «المهزلة» الموجعة لكل أطرافها. فالرسالة التي وجهها السيد حسن نصرالله من أن الوضع بات خارج السيطرة يفترض أن تقرأ جيداً، حرصاً على النازحين السوريين في لبنان بالدرجة الأولى، ورحمة بأهالي المخطوفين بالدرجة الثانية، وضناً بما تبقى من علاقات أخوة بين لبنان وسوريا بالدرجة الثالثة. فالأزمة السورية ستضع أوزارها عاجلاً أم آجلا، وليس عاقلاً من يراكم المزيد من الاحقاد بين الشعبين اللبناني والسوري، أياً كان شكل النظام في سوريا مستقبلاً.

السفير

تحية الافتتاح