25‏/08‏/2011

المخادعون"..نفحات من الزمن الجميل"

واصف عواضة
من زمان لم يحضر الطرب الاصيل في بيروت. منذ جمع سليم سحاب اعواده واوراقه ورحل الى القاهرة ليقود فرقة الموسيقى العربية ويخلف عبد الحليم نويرة. ومنذ عجز نبيه الخطيب وفرقته عن الاستمرار لاسباب مادية صرفة. منذ ذلك الحين لم تشهد عاصمة لبنان ما ينعش ذاكرتها الموسيقية والطربية التي غرقت في متاهات السياسة من جهة، وبين الاغاني الساقطة والموسيقى الهابطة من جهة أخرى.
مساء الثلاثاء كانت بيروت مع محاولة جديدة على مسرح بيروت في عين المريسة، تنطّح لها اربعة شبان مغامرون اطلقوا على انفسهم اسم «المخادعون»، بينهم ثلاثة من آل الخطيب يقودهم فنان مخضرم ومبدع هو علي الخطيب الذي أقنع والده السبعيني الفنان الكبير حسين الخطيب (ابا علي) بأن يعود الى المسرح والجمهور الذي احبه وعشق صوته وحسه الغنائي طويلا في الثمانينيات وبداية التسعينيات في فرقة شقيقه نبيه الخطيب .
«المخادعون» الاربعة مع «ابي علي الخطيب» احيوا الذاكرة الطربية الاصيلة على مدى ساعتين في مسرح بيروت في امسية غنائية موسيقية امام جمهور بحجم المسرح الصغير الذي امتلأت مقاعده بحشد متنوع الاعمار، صفق طويلا للموشحات والمقطوعات الموسيقية والاغاني الموغلة في القدم، من وزن «ملا الكاسات»، «حبيبي هوّا»، «على خدو يا ناس»، التي ابدع حسين الخطيب في ادائها واكد لجمهوره ان حنجرته الذهبية ما زالت حاضرة على الرغم من نحو عقدين من الانقطاع.
علي الخطيب المتعدد المواهب، الفتى الذي أبدع على آلة الدف في الثمانينيات في فرقة عمه نبيه، واصبح عميد الايقاعات في المعهد الوطني الموسيقي، عزف على العود والدف وغنى نحو ساعة موشحات واندلسيات واغاني افتقدها ذواقة الطرب، فاثبت حضورا متميزا عاونه عزفا، اسامة الخطيب ووليد ناصر واحمد الخطيب، فبعثوا حرارة في جمهور الحاضرين، و«نظّفوا آذاننا» على حد قول احد «السميعة».
يحلم «المخادعون» بعودة الزمن الموسيقي الجميل. لكن التجارب السابقة لم تكن مشجعة اذا ما اتسع»بيكار» الفرقة، لأن هذا النوع من الفنون مضن ومكلف. ولعل التجربة التي خاضها نبيه الخطيب وفرقته في الثمانينءيات تستدعي التوقف عندها لاستخلاص العبر.
كان نبيه الخطيب المتخصص في الموسيقى يحلم بفرقة تراثية تعيد للطرب الاصيل مجده الزائل، على غرار ما فعل عبد الحليم نويرة في مصر وسليم سحاب في لبنان. بدأت محاولته بمجموعة صغيرة تضم شقيقه حسين وابن شقيقه علي وبعض الاصدقاء المتطوعين، فضلا عن زوجته عفاف التي فتحت بيتها ومهاراتها الفنية للفرقة. اتسعت الفرقة شيئا فشيئا لتصل الى اكثر من اربعين منشدا وعازفا قدمت حفلات عديدة، بدأت في معهد «غوته» و«الاسمبلي هول» في الجامعة الاميركية، ولقيت رواجا منقطع النظير خصوصا في صفوف الشباب. وخرجت الفرقة الى مصر حيث قدمت حفلتين في دار الاوبرا المصرية، وادهش اداؤها المصريين انفسهم، وبعدها كانت اكثر من رحلة الى الدول العربية. لكن التكاليف كانت مرهقة من حيث التدريب والمصاريف التي لم يف بها المردود المالي. تبين ان هذا العمل يحتاج الى رعاية من الدولة، لكن هذه الأخيرة لم تبد حماسا لهذا الفن الاصيل على غرار ما فعلت مصر.
كان لا بد للمتحمسين لهذا الفن من مساعدة نبيه الخطيب، تحلقنا حوله، مجموعة من «السمّيعة»، وشكلنا إطارا أطلقنا عليه اسم «جمعية الفنون العربية»، واستحصلنا على ترخيص رسمي للعمل في الضوء. كان مجلس الجمعية يضم اسماء لامعة ومعروفة بينها مع حفظ الالقاب: الياس سابا، فؤاد السنيورة، طلال سلمان، الفضل شلق، كامل مهنا، احمد الزين، فيصل سلمان وكاتب هذه السطور، الذي تولى مسؤولية الإعلام في الفرقة الى جانب الزميل عبيدو باشا. لكن الظروف الصعبة التي مر بها لبنان، والعجز المالي، أطاحا بالفرقة والجمعية معا. الا ان الفرقة انتجت نجوما من طراز سمية البعلبكي وصبحي توفيق ومحمد عياش وغيرهم.
«المخادعون» محاولة جديدة لاحياء التراث الاصيل. والشبان الأربعة يعرفون سلفا المعوقات استنادا الى التجارب السابقة. لكنهم مصرون على الاستمرار وفق معايير متواضعة تستحق الدعم والمساندة. لعلهم ينجحون مرة أخرى في تنظيف الآذان من كل غث ورخيص.

واصف عواضة

08‏/08‏/2011

سوريا.. والمراهنات اللبنانية!

واصف عواضة
السفير 8 آب 2011
يراهن فريق من اللبنانيين على سقوط النظام السوري ويربط مستقبله السياسي بمصير هذا النظام. ويراهن فريق آخر على صمود هذا النظام وخروجه سالما واكثر قوة من ازمته الراهنة. لا يبدو الشعب السوري ومستقبله اولوية في الحسابات اللبنانية. الهواجس الخاصة هي التي تتحكم كما يبدو في تفكير الفريقين.
ثمة فريق ثالث ينظر بواقعية الى الوضع السوري وانعكاساته الخطيرة على لبنان والمنطقة، ويرى ان ما بعد الازمة السورية ليس ما قبلها. وفي تقدير هذا الفريق ان ثمة مسلمات افرزتها الوقائع السورية لا بد من مقاربتها بقليل من الهدوء وقليل من الصبر وكثير من الحكمة والتعقل.
اولى هذه المسلمات ان من حق الشعب السوري ان يحلم بالحرية والديموقراطية والاصلاح في عالم يتغير بسرعة من حوله.
ثانية هذه المسلمات ان من واجب النظام السوري ان يعي جيدا هذه المتغيرات وهو يعرف في قرارة نفسه ان «سوريا القديمة» انتهت مدة صلاحيتها ولم تعد صالحة للاستمرار وتحقيق الاستقرار لهذا البلد، وهو يسعى الى تحقيق خطوات على طريق سوريا الجديدة، على الرغم من البطء الذي يحكم حركته في هذا الاتجاه.
ثالثة المسلمات ان المعارضة السورية اكدت حضورها في الداخل والخارج ايا تكن اهدافها ومراميها وارتباطاتها، وهي لن تفوت الفرصة السانحة والدعم الخارجي العربي والدولي الذي تحظى به، لتحقيق انجازات حقيقية على طريق التغيير.
رابعة المسلمات ان النظام السوري ليس ضعيفا الى الحد الذي يتراءى للبعض انه على طريق الانهيار، أو أنه على حافة التسليم والسقوط كما حصل في مصر وتونس. فالجيش لا يزال متماسكا حوله، وكذلك الحزب، وثمة غالبية شعبية من كل الطوائف والملل لا تزال ثؤثر الوقوف الى جانبه في مسيرة الاصلاح التي يحاول القيام بها، حتى لا تغرق سوريا في بحر من الفوضى والدماء وعدم الاستقرار.
خامسة هذه المسلمات ان عناصر القوة المتبادلة بين النظام والمعارضة تفضي الى احد طريقين: إما استمرار الفوضى والصراع والدم والدمار الى زمن غير قصير، او العودة الى طاولة الحوار ووقف جميع اعمال العنف والتظاهر، الى فترة محددة يصار خلالها الى انتاج آليات جديدة يتحقق من خلالها التغيير المطلوب. واذا كان قد فات الوقت على الخيار الثاني كما يرى بعض المعارضين السوريين، فإن الخيار الاول قد يطول سنوات وسنوات ويغرق سوريا في الفوضى والانهيار. وثمة نماذج راهنة في الوطن العربي اليوم تشجع على الأخذ بهذا التصور الاسود.
وفي كل الاحوال يبدو الخياران طويلي الأمد. فإذا تم استبعاد خيار الفوضى والصراع الدموي، فإن خمسين عاما من ثقافة الحزب الواحد والدولة الأمنية لا يمكن ان تنتهي بين ليلة وضحاها، وهو ما يفترض ان يأخذه
الشعب السوري في الحسبان، وكذلك المعارضة المستعجلة اكثر من اللازم.
وليس من الطبيعي ان ينتظر الزمن اللبنانيين لحسم الامور في سوريا.لقد استهلك اللبنانيون طويلا كل الرهانات والمراهنات العقيمة على التطورات الخارجية، ووضعوا أنفسهم دائما على لائحة الانتظار، فأخفقوا في بناء دولة محترمة سيدة مستقلة يدّعون انهم يعملون من أجل إنجازها. لقد تغير العالم كله ولا يزال لبنان على ما هو عليه. وواهم من يعتقد ان الزمن سيتوقف بانتظار هذا الفريق او ذاك من شعب لبنان العنيد.

تحية الافتتاح