25‏/03‏/2013

فلسطين وسوريا وأوباما: ماذا عن التسوية.. والحرب؟

واصف عواضة-السفير 23 آذار 2013
يصعب التصور أن الرئيس الأميركي باراك أوباما جاء الى المنطقة بنية السياحة والمجاملة. ثمة أمور تشغل الادارة الأميركية ورئيسها أكثر من السياحة والمجاملة والواجبات، بل ثمة أماكن أكثر رفاهية وترفيها غير تل أبيب ورام الله وعمان والشرق الأوسط برمته.
الاعتقاد السائد ان أوباما جاء الى المنطقة للاستماع وسبر أغوار الفلسطينيين والإسرائيليين حول التسوية السلمية، اما العرب الآخرون فلا لزوم لسبر اغوارهم، فهم اما في خدمة الادارة الأميركية ومشاريعها، او أنهم منشغلون بالأزمة السورية وسبل إسقاط النظام، او تعطل دورهم بفعل هذه الأزمة.
من الأساس كانت فلسطين في صلب البرنامج الانتخابي لأوباما وفي جدول اهتماماته خلال الدورة الأولى من ولايته، وهو حرّك مبعوثه الى المنطقة طوال سنتين من دون جدوى، لكنه جمّد نشاطه على هذا الصعيد بعدما لمس ان ظروف التسوية لم تنضج بعد. لكن «الربيع العربي» اليوم يشجع الادارة الأميركية على إعادة تحريك العملية السلمية ،حيث ترى الظروف مؤاتية لذلك وأن ثمة فرصة ثمينة لا يجب ان تضيع لعلها تستطيع تهريب الحل الفلسطيني، ولو على نهر الدماء الذي يسيل في سوريا. فالمعطيات المستجدة وافرة ومتوفرة ويمكن تلخيصها على النحو الآتي:
1 - تراهن الادارة الأميركية على الدور السوري المعطل والمنشغل بالحرب الدائرة في سوريا. لم يعد في مقدور النظام السوري التأثير الفاعل في الساحة الفلسطينية بعد خروج «حماس» من دمشق.
2 - تعتقد ان ايران و«حزب الله» منشغلان بدورهما في الأزمة السورية، وليس باستطاعتهما «التخريب» على هذه التسوية، ولا إدارة حرب في المنطقة في ظل هذه الأزمة.
3 - ترى ان الروس يمكن التفاهم معهم على الحل الفلسطيني في مقابل تسوية مرضية لهم في سوريا تحفظ مصالحهم الإستراتيجية.
4 - تراهن على دور مصري ـ قطري ضاغط على حركة «حماس» للقبول بالتسوية.
5 ـ تراهن على دور سعودي ـ تركي لدفع السلطة الفلسطينية الى مزيد من التنازلات في مجال التسوية، على الأقل معاودة التفاوض في هذه المرحلة من دون شروط مسبقة كوقف الاستيطان.
6 - الرهان على ضعف الحكومة الإسرائيلية الجديدة التي حظيت بثقة مهزوزة في الكنيست. يكفي ان تستميل الادارة الأميركية احد الحزبين الجديدين في هذه الحكومة، للضغط على نتنياهو الذي يفتقر في حكومته هذه المرة الى الأحزاب الدينية المتطرفة.
أمام هذه المعطيات وفي ظل هذه الرهانات سوف تحاول إدارة أوباما تهريب الحل الفلسطيني، وأول الغيث تحريك مبعوث جديد الى الشرق الوسط لتهيئة الأجواء لمعاودة المفاوضات. لكن هذا التوجه يفترض ان يتنقل على صفيح ساخن تشكل سوريا ساحته الرئيسية. وعليه ينتظر ان تشهد الأزمة السورية مزيدا من التصعيد في المرحلة المقبلة، هدفه الرئيسي إبقاء الدور السوري معطلا وإشغال حلفاء النظام عن الموضوع الفلسطيني.
ومن الطبيعي في هذه الحالة ان يشهد الحديث عن التسوية السورية حالة من الجمود، يعوض عنها التصعيد العسكري، في انتظار تبلور التسوية الفلسطينية، سلبا او إيجابا، وعندها يمكن التفرغ للموضوع السوري.
الا ان كل هذا السيناريو يتوقف مصيره على عاملين رئيسيين:
الأول، حدود التنازلات التي يمكن ان يقدمها الإسرائيليون، وكذلك حدود التنازلات التي يستطيع الفلسطينيون الاقدام عليها بعد ان ضاقت خياراتهم الى ابعد الحدود وذلك من اجل إنجاح التسوية.
الثاني، خطة المواجهة التي يمكن ان يعتمدها محور الممانعة، من طهران الى دمشق ولبنان بما في ذلك ما تبقى من فصائل فلسطينية مقاومة.
في كل الأحول وفي ظل هذه الأجواء والمعطيات تبدو الأشهر الثلاثة المقبلة مفصلية على مستوى الأزمة الشرق أوسطية ومحورها الأساس فلسطين، وعلى صعيد الأزمة السورية التي يفترض ان تستهلك المزيد من الدماء والخراب. والمغزى الواضح ان لا سبيل الى فك الترابط بين سوريا وفلسطين لا في السلم ولا في الحرب.

< المقال السابق

19‏/03‏/2013

«الحشّاشون الجدد»

واصف عواضة- السفير -الثلثاء 19 آذار 2013
طالما أن حركة «أمل» و«حزب الله» وتيار «المستقبل» و«التيار الوطني الحر» والكتائب و«القوات اللبنانية» و«الحزب التقدمي الاشتراكي», كلهم ينادون بدولة مدنية عمادها إلغاء الطائفية السياسية, فمن الذي يرفض التغيير وتحويل لبنان الى دولة المواطنة؟.. لعله «الحزب الشيوعي» و«الحزب السوري القومي الاجتماعي» والاحزاب العلمانية «الملحدة» ومنظمات حقوق الانسان التي لا تريد الخير للبنان!
يقودنا هذا الكلام الى المهرجان السنوي الذي اقامته قوى الرابع عشر من آذار يوم الاحد المنصرم في مجمع «البيال», والذي اعقبه ليل صاخب نتيجة الاعتداء على اربعة من رجال الدين السنّة في منطقتي الشياح والخندق الغميق، وهما منطقتان محسوبتان على الطائفة الشيعية.
في المناسبة الاولى تحدث اربعة عشر ناشطا من قوى الرابع عشر من آذار، ينتمون الى جميع الطوائف اللبنانية. نادوا جميعا بدولة مدنية, ودعا بعضهم الى إلغاء الطائفية السياسية. هاجموا الفساد والفاسدين وتحسّروا على لبنان الرفاه والاستقرار والطمأنينة. حذروا من الفتن الطائفية والتحريض المذهبي ومن عودة الحرب الأهلية. قالوا كلاما غريبا عن معظم الجالسين في الصف الامامي, ومع ذلك صفق هؤلاء لهم بحرارة، وادّعوا ان قوى «14 آذار» بريئة من دم هذا الصديق, وانها تنشد قيام دولة المواطنة بلا كلل او ملل, في حين يقيم اقطابها الدنيا ولا يقعدونها, كلما همس حالم بالدعوة الى تشكيل الهيئة الوطنية لالغاء الطائفية السياسية.
في ظل هذه الاجواء التي تمثل أرقى حالات الانفصام السياسي, والتي لم تخل من بعض المداخلات الناقمة والمشبعة بالتحريض والتجييش, لم يكن ليل بيروت هانئا ومبشرا بالاستقرار المنشود, حيث اعتدى شبان وصفوا بـ«الحشاشين» على اربعة من مشايخ الطائفة السنية, في منطقتين محسوبتين على الطائفة الشيعية, ما عكس حالة من الهيجان في اكثر من منطقة, رافقها اقفال طرق ودعوات الى الجهاد. ولولا أن القوى الأمنية سارعت بالتعاون مع حركة «أمل» و«حزب الله» الى اعتقال الفاعلين لاحترقت بيروت وأخواتها بنار الفتنة.
للوهلة الأولى ظنّ الناس وهم يستمعون الى وزير الداخلية مروان شربل, ان حركة «الحشاشين» قامت من بطون التاريخ, وان زعيمها حسن الصباح أفاق من قبره وأطلق العنان لثقافته المدمرة من قلعة «الموت» اللبنانية التي يصار الى بناء هياكلها حجرا بحجر في اكثر من منطقة لبنانية. وفي كل الاحوال يصعب على المرء ان يتخيل ان ما حصل في الشياح والخندق الغميق كان بريئا براءة الذئب من دم يوسف ابن يعقوب, بحيث يُنسب هذا الفعل المشين الى طيش شبان أخذ الحشيش منهم مأخذا. وكي لا نستبق الأمور نترك للتحقيق الرسمي كشف كوامن هذه القضية, مع اعتقادنا الجازم ان الهدف الرئيسي لهذه الحادثة هو الاساءة للطائفة الشيعية وقياداتها السياسية والدينية, قبل الولوج الى الفتنة المشتهاة.
وعلى هذا الاساس يفترض بالقيادات الشيعية ان تهب هبة رجل واحد لقطع دابر «الحشاشين الجدد» من خلال رفع الغطاء الجدي عن البؤر المتمترسة في المناطق المحسوبة عليها, كي لا تظل لصاحب مصلحة فرصة في تشويه سمعة هذه الطائفة التي دفعت الكثير الكثير في سبيل لبنان وتحريره واستقراره. وحسنا فعل مفتي الجمهورية في خطابه امس بتحميل القيادات السياسية, سنية وشيعية, مسؤولية الفعل الجبان الذي تعرض له المشايخ الأربعة.
على أن معالجة ذيول هذه الحادثة لن يكون كافيا, وهي مرشحة للتكرار, ما لم تبادر قيادات السنة والشيعة الى مصالحة حقيقية تُبعد الكأس المرة عن البلد, وتكون مقدمة لعقد سياسي جديد مع الشريك الآخر في الوطن, من دون تكاذب او انفصام, يقوم على المواطنة ثم المواطنة ثم المواطنة. وبغير ذلك سوف يقوم «الحشاشون» من قبورهم, وينبت ألف حسن الصباح في بلد يعتقد أهله انهم من جنس الملائكة.

13‏/03‏/2013

بلـد بالمقلـوب: نجوى وهيفا وفضل!

واصف عواضة-السفير - الاربعاء 13 آذار 2013
بالتأكيد لم يكن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي جاداً في اقتراحه الرامي الى اعتماد مشروع «اللقاء الأرثوذكسي» الانتخابي بالمقلوب، بحيث ينتخب المسلمون النواب المسيحيين، وينتخب المسيحيون النواب المسلمين. لقد بدا دولة الرئيس وكأنه يسخر من الواقع اللبناني وحالة البلد وأهل السياسة فيه.
رُب سائل في هذا المجال ان حالة البلد كلها بالمقلوب، فلماذا لا يكون الانتخاب بالمقلوب، خصوصاً أن «التعايش الاسلامي- المسيحي» في لبنان هو في «أرقى» حالاته؟ فلنفترض ان هذا الاقتراح تحول الى حقيقة جدية، فماذا سيحصل من قبل ومن بعد؟
سوف تكون حركة «أمل» و«حزب الله» مضطرين لخوض الحملة الانتخابية بالمقلوب، فيروجان للعماد ميشال عون وسليمان فرنجية وحلفائهما المسيحيين، في الجنوب والضاحية وبعلبك والهرمل وزقاق البلاط. في المقابل يفترض ان تملأ صور الرئيس نبيه بري والسيد حسن نصر الله شوارع الاشرفية وبرج حمود وكسروان والمتن والبترون وزغرتا.
سوف يعمد تيار «المستقبل» لتسويق حلفائه المسيحيين في قريطم والبسطة ورأس النبع وصيدا وبر الياس وعرسال وباب التبانة والميناء وعكار، التي يفترض ان تضج أحياؤها بصور امين الجميل وسمير جعجع . وفي المقابل يفترض ان تتعملق صور سعد الحريري وفؤاد السنيورة في جونيه وبعبدات وبيت مري والبترون وبشري وغيرها.
هنا يُخشى ان تحصل اختراقات خطيرة، كأن تظهر في شارع هادي نصر الله في الضاحية لافتة ضخمة تقول: انتخبوا فارس سعيد «حبيب المسلمين». ولافتة أخرى في فاريا مضمونها: ايها المسيحيون، الشيخ أحمد الأسير منكم ولكم (مع كامل الاحترام للرجلين).
هذا من قبل. اما من بعد، فلنتصور اي مجلس نيابي سيكون للبنان «المحبة والتعايش المشترك»:
لأن اللبنانيين ملّوا السياسة وأهلها، ربما ينقلب مزاجهم نحو أهل الفن مثلا، فيغدو مجلس النواب «فنياً» بامتياز.عندها ليس غريباً ان تصبح نجوى كرم رئيسة للجمهورية، وهيفاء وهبي رئيسة للمجلس، وفضل شاكر رئيساً للحكومة.
وهكذا بدل ان يعيد القانون الأرثوذكسي بنسخته الحالية لبنان مئة سنة الى الوراء، فقد يدفع «الأرثوذكسي» بنسخته المقلوبة البلد مئة سنة الى الأمام. عندها نكون كمن يرمي نفسه في النار، فإما ان تحرقه وإما ان يطفئها. وأغلب الظن انه لن يطفئها، لأن «المقلوب» لن يغير حرفاً في كتاب لبنان الطائفي.
أحد الظرفاء علّق على اقتراح ميقاتي بالقول: لماذا لا نريح اللبنانيين من الانتخابات وأثقالها. يقول رئيس الجمهورية إن ربع سكان لبنان (مليون ونصف المليون) باتوا من السوريين والفلسطينيين، وما دامت الدنيا بالمقلوب، فلماذا لا نكلفهم باختيار نوابنا، فهم يعرفون عنا اكثر مما نعرف عن انفسنا؟ واذا كان اللبنانيون قد أدمنوا الانتخابات فلنكلفهم بانتخاب مجلس النواب المصري، وبذلك نحل أزمة لبنان ومصر معاً!
كان محسن ابراهيم يردد خلال الحرب وحملات التهجير شعار «سبحان الباقي في الحي»، وهو الشعار المقلوب لـ«سبحان الحي الباقي». ولأن هاجس الحرب يسكن اللبنانيين جميعا في هذه الأيام، أحرى بأهل السياسة ان يتفقوا على قانون انتخاب عصري وطني قبل ان يتحقق شعار محسن ابراهيم مرة أخرى.
بالتأكيد لم يكن ميقاتي جاداً في اقتراحه. إنها مزحة خفيفة تستأهل النشر في الـ«فايس بوك» وعبر الـ«واتس أب»!

04‏/03‏/2013

تيــــار «المســـتقبل» ومظلومية أهل السنّة

واصف عواضة- السفير 4 آذار 2013
لا يمكن لأحد أن ينكر على تيار «المستقبل «شعبيته، أو يمن عليه باعتراف له بحضور وازن في الساحة اللبنانية، فضلا عن حضوره الإقليمي والدولي. كما لا يمكن لأحد أن يعزل هذا التيار على مستوى البلد أو يقلل من شأنه داخل الطائفة السنية التي لا يزال يحظى بغالبية أبنائها وأصواتها الانتخابية.
ليس من السهل أيضاً على أحد أن يمحو تراث رفيق الحريري بشطحة قلم. لقد حقق الرجل إنجازات كبيرة لا يمكن تجاوزها أو العبور فوقها. ولعل أكثر ما يسيء الى الرجل وتياره في هذه المرحلة، هو الحديث العالي النبرة عن مظلومية الطائفة السنية واستضعافها والقفز فوقها.
قد يكون مقبولاً الحديث عن مظلومية تيار «المستقبل» في هذه المرحلة لأنه خارج السلطة، أو بعض الجماعات المحدودة جدا هنا وهناك، سنة وشيعة ودروزاً ومسيحيين، لكن الكلام عن ظلم لاحق بالسنّة أمر يدعو الى العجب العجاب. وهنا يستدعي الواقع كلاماً صريحاً لا بد منه لوضع الأمور في نصابها الصحيح.
لقد كرّس اتفاق الطائف رئيس الحكومة (السني) إمبراطوراً متوّجاً على البلد، ومنحه صلاحيات منقطعة النظير عندما جعل السلطة التنفيذية في يد مجلس الوزراء الذي لا يجتمع إلا بدعوة منه وبموافقته ولا يُقَر قرار إلا بتوقيعه ولا تصرف ليرة واحدة في الدولة إلا بحلمه وكرمه. هو رئيس مجلس الوزراء والناطق باسم الحكومة وموجّه الوزراء جميعاً. رهن طاعته أكثر من ستين مؤسسة بينها مجالس وصناديق تتصرف بالمليارات من الدولارات. ومثل هذه الصلاحيات وغيرها تمتع بها كل رؤساء الحكومات منذ إقرار دستور الطائف حتى غدا المسيحيون جميعا والموارنة خاصة، يندبون الصلاحيات الضائعة لرئيس الجمهورية الماروني. فكيف تكون الطائفة السنية مستضعفة ومظلومة مع نجيب ميقاتي، ولا تكون كذلك مع سعد الحريري وفؤاد السنيورة، مع العلم أن القضايا المشكو منها ورثها النجيب من حكومتي سعد وفؤاد، فضلا عن أن ميقاتي لم يُثبت أنه أقل عناداً في السلطة من الحريري والسنيورة، لا تجاه الطوائف الأخرى ولا تجاه طائفته بالذات.
كيف تكون الطائفة السنية مظلومة ومستضعفة وهي تملك من الإمكانات والنفوذ التجاري والصناعي والمصرفي ما لا يمكن مقارنته بالطوائف الأخرى (اللهم لا حسد) فضلا عن وجودها وحضورها وسط بحر هائل من العالم الإسلامي السني الذي يوفر لها كل الأغطية السياسية والحماية الوجودية والإمكانات الاقتصادية الهائلة؟ وعليه كيف يمكن لـ«تيار المستقبل» ان يسكت على مثل هذا الكلام الصادر عن أشخاص يتحدثون باسم الطائفة وكأنهم زعماؤها والقائمون على شؤونها وهو كلام يسيء الى الطائفة ويوهن أبناءها؟ وهل يدرك قادة التيار الى أي مهالك يؤدي هذا الكلام الذي لا يخلو من التحريض على طوائف أخرى شريكة في هذا الوطن، وهي تريد بصدق ان يكون تيار «المستقبل» شريكا أساسيا لها؟ وهل يعتقد ان الفتنة المذهبية إذا تحولت من النفوس الى النصوص سوف يسلم منها التيار والطائفة السنية والبلد عامة؟
رحم الله رفيق الحريري الذي كان يستدرك المشكلة قبل ان تقع وقبل خراب البصرة، من خلال انفتاحه على شراكة حقيقية مع الآخرين، وحري بتيار «المستقبل» اليوم ان يتبع درب المؤسس، سواء كان داخل السلطة أو خارجها، فلا يترك للخيول الجامحة داخل التيار ان تطغى على نهج المؤسس، رأفة بنفسه وبالبلاد والعباد. أما إذا كانت شهوة السلطة هي الغالبة، فيجب ان يبقى بلد أولا لكي يعود التيار الى السلطة، وهذا هو التحدي الذي يواجه الجميع في هذه المرحلة. وليس من حسن الفطن النأي بالنفس عن شيخ يكاد يفجر صيدا، وآخر يهدد بفتاوى قاتلة في طرابلس، وثالث يُعتدى عليه خلال صلاة الجمعة في بيروت، وهي المدن الكبرى الثلاث التي يسبح فيها تيار «المستقبل» إلا إذا كان التيار بات يستمرئ مقولة «علي وعلى أعدائي يا رب». عندها لا حول ولا قوة إلا بالله.

02‏/03‏/2013

أصدقاء سوريا.. أعداؤها!

 








واصف عواضة
يعرف «أصدقاء سوريا» من العرب والأجانب، والذين اجتمعوا الخميس الماضي في روما ، أن النظام السوري بقيادة الرئيس بشار الأسد ليس على وشك السقوط. بل أكثر من ذلك تعلم مخابراتهم جيدا ان الإمكانات والقدرات العسكرية المتوفرة لدى هذا النظام، فضلا عن الدعم السياسي الداخلي والإقليمي والدولي، كل ذلك قد يطيل عمره لسنوات وسنوات. ومع ذلك يصر «أصدقاء سوريا « على المزيد من الدعم السياسي والمالي والعسكري للمعارضة المسلحة، بدل الدفع بالأمور نحو تسوية سياسية منطقية تخرج سوريا من أزمتها الراهنة، وكأن المطلوب فقط إطالة عمر الحرب الضروس التي تدمر سوريا شيئا فشيئا.
وفيما يبدي الفريق العربي - الاوروبي في مجموعة روما حماسا منقطع النظير لإسقاط النظام، تبدو الولايات المتحدة على لسان وزير خارجيتها الجديد جون كيري، أكثر واقعية وتوازنا تجاه ذلك. وفضلا عن رفضه امداد المعارضة بالسلاح، صرح رئيس الدبلوماسية الاميركية بأن بلاده لا يمكن «أن تترك البلد الموجود وسط الشرق الاوسط، يدمر من قبل مستبدين فاسدين، أو يخطف من قبل متشددين».
على أن «النَفَس» الصادر عن اجتماع روما لا يوحي بأن التسوية السياسية التي ينتظرها الكثيرون على يد الاميركيين والروس، باتت ناضجة، بل إن توجهات روما أطاحت باحتمالات التسوية في المدى المنظور. ويؤشر ذلك على أن الأزمة السورية طويلة لأسباب كثيرة منها:
أولا: ان السياسة الغربية من الاساس تريد تعطيل الدور السوري واشغاله عن قضايا المنطقة، وقد ازداد هذا النهج قناعة في ضوء الواقع الجديد في سوريا خلال السنتين الماضيتين حيث تشكل المعارضة المتشددة الغريبة، العصب الرئيسي للقوى المسلحة، والتي لا تقاتل من أجل فرض الديموقراطية في سوريا، أو يفترض بها بعد سقوط النظام ان تسلم السلطة للقوى المعتدلة وتشد الرحال عن بلاد الشام، وكأنها جمعية خيرية تعمل لوجه الله.
ثانيا: ليس سرا ان مصير هذه القوى السالفة الذكر، في حال سقوط النظام، هو ما يقلق الدول العربية والاسلامية التي أفسحت لها المجال بالدخول الى سوريا، ويقال ان بعض الدول أخرجت العناصر المتشددة من السجون وارسلتهم الى سوريا، وهي لن تسمح بعودتهم الى البلدان التي خرجوا منها. ومن الطبيعي في هذه الحالة ان تطويل الازمة السورية سيقضي على العدد الأكبر من هؤلاء، وفي ذلك مصلحة للجميع،عربا وأجانب ومعارضة سورية.
ثالثا: ما يزال الفريق العربي - الغربي يصر على ان اي تسوية يجب ان يكون شرطها الاساسي رحيل الرئيس الأسد عن السلطة، وهو ما يرفضه النظام والقوى الاقليمية والدولية الداعمة له. فالرئيس الأسد لم يعد مجرد شخص في هذه المعمعة، بل هو عنوان كبير في هذا الصراع الكوني على سوريا. واذا كان لا بد من رحيله فلن يكون على الطريقة المصرية او التونسية او الليبية او اليمنية، بل من خلال انتخابات حرة يرعاها المجتمع الدولي، وليقرر الشعب السوري ساعتئذ مستقبله السياسي. والفرصة في هذا الاطار ليست سانحة قبل العام المقبل مع انتهاء ولاية الاسد.
أمام هذه المعطيات يتضح ان أهداف «أصدقاء سوريا» هي إطالة الأزمة والقضاء على ما تبقى من هذا البلد، كي لا تقوم له قائمة لعقود طويلة. ومثل هؤلاء لا يمكن ان يكونوا أصدقاء لسوريا، بل ليسوا فقط أعداء لنظامها، بل اعداء لسوريا نفسها ولشعبها ومستقبلها بالدرجة الأولى

تحية الافتتاح