16‏/01‏/2014

حكومة الفراغ الرئاسي؟

 

 كتب واصف عواضة - 16 ك2  2013

ليس سرا ان جميع العاملين على تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة ,رسميين وسياسيين,في الداخل والخارج,يتصرفون على اساس ان الفراغ الرئاسي بعد الخامس والعشرين من ايار/مايو المقبل ,هو تحصيل حاصل.وعليه يجري التشدد في الحصول على ضمانات تمنع هذه الحكومة من ممارسة ادوار نافرة وهي تمارس صلاحيات رئيس الجمهورية في ظل الفراغ المفترض,وعلى اساس مستقبل يبدو غامضا الى ابعد الدرجات.

لقد شهد لبنان سابقا حالتي فراغ رئاسي نجم عنهما أزمات سياسية وأمنية حمّلت البلاد أثقالا مكلفة من الدم والدمار .كانت الاولى في نهاية عهد الرئيس أمين الجميل عام 1988 حيث شكل الأخير حكومة عسكرية برئاسة العماد ميشال عون استقال نصف اعضائها قبل ان تولد ومارست السلطة بطريقة غير طبيعية, أوجبت في مواجهتها حكومة أخرى برئاسة الرئيس سليم الحص,وانتهى هذا المخاض باتفاق الطائف.اما الحالة الثانية فكانت في نهاية عهد الرئيس اميل لحود عام 2007 حيث سدت الفراغ حكومة منقوصة برئاسة الرئيس فؤاد السنيورة اعتبرت غير ميثاقية بسبب استقالة الوزراء الشيعة منها ,فشهدت البلاد حالة من الفوضى انتهت باتفاق الدوحة وانتخاب الرئيس ميشال سليمان.

والواضح حتى الآن ان قاعدة "المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين" لا تنطبق على لبنان,اذ "سبق الفضل" ولُدغ اللبنانيون مرتين من الجحر نفسه ,ومن المرجح ان يُلدغوا مرة ثالثة بالفراغ الرئاسي,فيحتاجون الى دوحة ثانية يعلم الله اين ستكون هذه المرة.

وعلى الرغم من  الانفراج الجزئي الحاصل في موضوع الحكومة,والذي يفترض ان يؤول الى تشكيلة وزارية جديدة جامعة بعد تسعة اشهر من الانتظار,فإن ذلك لا يعني ان الانتخابات الرئاسية مضمونة قبل انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان وفق السياق الدستوري.فالراسخون في العلم يعتقدون ان فريقي النزاع الآذاريين لن يحظيا بنعمة الرئاسة بمرشح من أحدهما ,حتى لو توفرت الاكثرية المطلقة لهذا المرشح,وذلك استنادا الى المعطيات النيابية التي تفرض اجتماع ثلثي المجلس كنصاب قانوني لانتخاب الرئيس.

وعليه يصبح التفتيش عن رئيس وسطي من باب تحصيل الحاصل. والاسماء المرشحة من هذا القبيل باتت معروفة ,وهي تحتاج الى دفع اقليمي دولي قد لا يكون متوفرا الا بعد خراب البصرة,تماما كما حصل في المرتين السابقتين.

في الخلاصة اذا صحت التوقعات يكون الرئيس تمام سلام قد "صبر وظفر" بلقب صاحب الدولة, ولقب "صاحب الفخامة" رمزيا, باعتبار انه سيكون رئيسا للمجلس الذي يتولى صلاحيات رئيس الجمهورية في حال الفراغ.فالحكومة المقبلة برئاسته باتت على قاب قوسين او أدنى من الانبعاث.فقد حُسم المبدأ وبقيت التفاصيل.صحيح ان الشيطان يكمن في التفاصيل ,لكن السياسيين اللبنانيين اثبتوا غير مرة انهم أقوى من الشيطان نفسه.

واصف عواضة

 

 

 

07‏/01‏/2014

مطلوب «جنيف» لسوريا.. وأخواتها

واصف عواضة-الاثنين 6/1/2013 - السفير
محمد الشعار وملاك زهوي وعلي خضرا، شباب في عمر الزهور ذبحهم الإرهاب بسيفه الغادر. ذرف اللبنانيون دموعاً حرّى على هؤلاء الشباب.. الأهل والأصدقاء والمعارف والمشاهدون عبر الشاشات. دم الأبرياء غال وحار جداً.
بات على اللبنانيين أن يتعايشوا مع التفجيرات المتنقلة بين أحيائهم ومدنهم ومناطقهم، تقتل من تشاء، وتجرح من تشاء، ويسقط من حساباتها طويل العمر. صارت المنايا تضرب «خبط عشواء من تُصب تُمته ومن تُخطئ يُعمر فيهرم» على حد قول الشاعر زهير بن ابي سلمى في معلقته الشهيرة.
يخرج اللبنانيون من منازلهم، أيديهم على قلوبهم. كل سيارة في طريقهم مشبوهة، هي وسائقها. يبلغون مقصدهم بشق النفس. كانوا في السابق، بسبب زحمة السير، ينشدون موكباً سياسياً أو أمنياً ليتنافسوا على اللحاق به. صاروا اليوم يتجنبون المواكب وأهلها، خشية استهداف محدد لهذا السياسي أو ذاك.
مع كل تفجير يحتل الشاشات سياسيون ومحللون وإعلاميون: يدينون، يستنكرون، يتهمون، يحرضون، يوغلون في الماضي، ينجّمون في المستقبل.. يضعون ملحاً على الجرح. قلة منهم تتقي الله في الضحايا وأهلهم المفجوعين بأحبائهم. وفي الخلاصة، كل الكلام بلا معنى. لا كلام يوازي دم الأبرياء الذين يتساقطون زرافات ووحداناً. لا عزاء يجبر خاطر أمهات وآباء محمد الشعار وملاك زهوي وعلي خضرا. حتى اكتشاف القتلة واعتقالهم لا يشفي الغليل. ثمة مئات القتلة على الطريق. هناك عشرات ماجد الماجد يتهيأون للقتل والانتحار طمعاً بالجنّة. لكن ما هو ثابت حتى الآن أن هؤلاء القتلة لن يبدلوا المشهد العام، ولن ينتزعوه من نفوس الناس، الساكن في قلوبهم وعقولهم.
خلف هذا المشهد المأساوي يدور جدل سياسي عقيم حول جنس الحكومة العتيدة. كأن الحكومة المقبلة سوف تكون خشبة الخلاص. أغلب الظن أنها لن تلجم التفجيرات والقتل المباح. أخشى ما نخشاه أن تزيد الحكومة الموعودة الوضع تصعيداً وتعقيداً اذا ما جاءت على صورة الخلاف المستفحل.
يعمل الجيش بصمت لتدارك المقدّر، بالتعاون مع القوى الأمنية الاخرى، رسمية وغير رسمية. ولكن.. لم تعد تنفع الإجراءات الوطنية المحلية في مكافحة الإرهاب الممتد من اليمن الى العراق فسوريا ولبنان ومصر وليبيا. ولن تسلم منه دول المنطقة، كل دول المنطقة، ما يستدعي خطوات على المستوى الإقليمي الدولي.
لم يعد ينفع مؤتمر جنيف لسوريا وحدها. سقوط نظامها لن يحل المشكلة. فها هي الثورة السورية، على غير عادة الثورات، يأكل بعضها بعضا قبل سقوط النظام الذي يقال إنه لم يعد واردا بعد ان صار حاجة دولية لمحاربة الإرهاب. المطلوب جنيف لسوريا وأخواتها في إطار تحالف عريض يضع حدا لهذا الجنون الذي تتسع دائرته يوما بعد يوم. والمصلحة الكبرى في هذا الامر للدول التي لم تصلها النار بعد، حيث النفط والغاز والثروات المغرية السريعة الاشتعال.
في الخلاصة، المستقبل بلا أفق على الرغم من هذيان المنجمين، والسيف عادة أصدق إنباءً من الكتب.

تحية الافتتاح