15‏/12‏/2012

لبنان في «صراع الهلالين» إلــى أيــن؟


كان ملك الأردن عبد الله الثاني أول من تحدث عن «الهلال الشيعي» الذي يمتد من طهران الى بغداد فدمشق فلبنان. وقبل أيام نسبت اليه بعض وسائل الاعلام حديثاً عن «هلال سني» يرتسم في المنطقة بدعم قطري ـ سعودي. ومنذ أسبوع أو أكثر كان مدير القسم العربي والدولي في صحيفة «الأهرام» المصرية يتحدث صراحة عن «الهلال السني» الذي يمتد من تركيا الى سوريا الى الأردن فمصر فالمغرب العربي. وليس سرا ان حديث الهلالين بات متداولا بحرارة في المجالس الخاصة والعامة. 
كان يمكن لهذا الحديث عن الهلالين الشيعي والسني الا يتعدى إطار «المزاح الثقيل الدم»، لولا مجموعة من المعطيات التي توحي بالصراع الجدي القائم بين هذين المحورين، من دون ان يعني ان جميع أقطابهما منخرطون فعلا في اللعبة المذهبية، وفي الوقت نفسه من دون غض الطرف عن حالة التحريض والشحن القائمة في هذا السبيل على المستويين السياسي والإعلامي لدى بعض الجماعات في العالم العربي الواسع. 
من هذه المعطيات الأساسية يبرز الصراع الدموي على سوريا التي تشكل نقطة التقاطع الجغرافية بين الهلالين. فمن يسيطر على سوريا في النهاية يضمن الامتداد وخط الوصل الطبيعي لهلاله المفترض من جهة، ويقطع الطريق على الهلال الآخر. ونظرة بسيطة على خريطة المنطقة يمكن ان تؤكد هذه المعادلة. 
ولا يمكن بالتالي التغاضي عن الحملات التي تأخذ طابعا عنفيا في بعض الاحيان، على «ايران ولاية الفقيه» وحكم نوري المالكي في العراق و«النظام العلوي» في سوريا و«حزب الله « في لبنان، فضلا عما تشهده السعودية والبحرين وغيرهما، وهو ما جعل الشيعة يشعرون فعلا بعقدة الاضطهاد، فغدا بعضهم يتصرف على أساس ان هذه الشريحة الإسلامية الكبرى باتت مستهدفة ويفترض بها الدفاع عن نفسها. ولا يجب في الوقت نفسه التعامي عن بعض المجازر التي ترتدي الطابع المذهبي، والفتاوى التكفيرية التي تنضح بها الشاشات. 
ولكن في النتيجة واهم من يعتقد ان «صراع الهلالين» هو صراع مذهبي صرف، بل من البديهي القول إنه صراع مصالح كبرى يتخذ من الفتنة الطائفية رداء له. وإلا كيف يفسر انخراط العالم المسيحي والبوذي بحدة في هذا الصراع. فلا الغرب الأميركي ـ الأوروبي حريص على السنة والجماعة، ولا الشرق الروسي ـ الصيني تجذبه العاطفة الجياشة الى الشيعة والعلويين. 
وسط هذا الواقع، يعيش لبنان حالة من «الانسجام الكامل» مع هذا الصراع بفعل وجود شريحتين كبيرتين، كل منها محسوب على احد الهلالين. ويعتقد الكثيرون ان من الوهم الكبير تحييد لبنان عن هذا الصراع، مهما تنوعت وتعددت الدعوات الخيّرة الى «النأي بالنفس» ونبذ الفتنة. فلبنان، شاء من شاء وأبى من أبى، في صلب هذا الصراع، وسوف تكون الارتدادات مخيفة عندما تبلغ المنطقة لحظة الحسم وتنجلي الأمور لصالح احد الهلالين، خاصة عندما يتبلور الوضع في سوريا وترسو أزمتها على بر معين. ففي لبنان فريق يعتبر سقوط النظام السوري واكتمال «الهلال السني» فرصة لإلقاء القبض على البلد، وفريق آخر يستعد لمواجهة ساعة الحقيقة.عندها يصبح السؤال المطروح الآن بحدة «لبنان الى اين؟»مناسبة لتشغيل الخيال عن المستقبل المجهول.

Sent from my iPad

10‏/12‏/2012

«عصفورية» بلا إدارة

واصف عواضة
جمهور المقاومة في لبنان في حالة غليان واحتقان. مردّ هذه الحالة سببان رئيسيان: الأول، حجم الإسفاف الذي يطال المقاومة وسيدها من بعض الشخصيات ذات القيمة الرفيعة أوالمتدنية سياسياً، والثاني، إحجام قيادة المقاومة عن مواجهة هذه الحملة والبرودة التي تلاقي فيها هذا الإسفاف.
في المجالس الخاصة كلام كثير في هذا المجال، وعلى صفحات التواصل الاجتماعي عبر «الإنترنت» كلام أكثر وجدال يبلغ أحياناً حد الانفعال، لدرجة لا يجد معها أهل الحكمة مكاناً لهم أحياناً لتهدئة النفوس الثائرة. وفي النهاية ثمة من يحمد الله على ان على رأس هذه المقاومة رجلاً عاقلاً حكيماً، يعرف حدود الله جيداً، ويؤمن بأن الفتنة التي يستجديها الكثيرون في الداخل والخارج، مثلما فيها مقتل للمقاومة، فيها القضاء المبرم على البلد وأهله جميعاً.
والواقع أنه لم يعد خافياً على أحد حجم الأحقاد الذي يتنامى في صدور أبناء البلد، نتيجة الكلام العالي النبرة الذي تضج به المهرجانات والمسيرات والاعتصامات والشاشات، ويبلغ من الإسفاف مبلغاً غير مسبوق، في وقت ترزح الناس تحت أعباء الأزمات المعيشية والاجتماعية على خلافها، من دون أن يكلف معظم أهل السياسة أنفسهم عناء معالجة أو تخفيف هذه الأزمات. فالشحن الطائفي والمذهبي تعلو كلمته على أي كلام آخر، والشتائم تتصدر الحملات السياسية، وكأن ثمة مباراة وجوائز للشتّام الأفضل في لبنان. هذه الحالة وصفها الرئيس نبيه بري بـ«العصفورية»، (مستشفى الأمراض العصبية في لبنان). لكن «العصفورية» لها في العادة إدارة، فيما «عصفورية لبنان» تبدو من دون إدارة.
ثمة فريق في لبنان يبدو وكأنه أحرق مراكب العودة الى وطن واحد بجميع أبنائه، وذهب في رهانه على سقوط النظام السوري الى نقطة اللاعودة، وهو يمني النفس بإلغاء الفريق الآخر من دون هوادة، وفي اعتقاده ان تحقيق ذلك سيعيد الاستقرار الكامل والناجز الى لبنان، متناسياً أن التركيبة اللبنانية لا تُحرق ولا تُغرق في ظل النظام الطائفي الذي لا يستطيع فيه أحد إلغاء أحد، مهما علا كعبه أو وَطُؤ. ولو كان ذلك ممكناً لكان لبنان اليوم في يد فريق ملك أو يملك من القوة فائضاً عسكرياً وسياسياً وشعبياً مرجحاً، منذ عصر الحركة الوطنية حتى عصر المقاومة.
لقد شهد لبنان الكثير من الأحلام والمغامرات التي لم تؤد الى تغيير طبيعته السياسية. فقط كانت هذه المغامرات مدخلاً إلى حروب لم تبق ولم تذر. وإذا كان ثمة من ينشد التغيير، فإن هذا التغيير يصنعه وفاق اللبنانيين على أي لبنان يريدون، سواء سقط النظام السوري أم صمد. ويعرف اللبنانيون جيداً أن هذا النظام لم يستطع إلغاء فريق في لبنان لصالح فريق آخر، مثلما لم تستطع إسرائيل بجبروتها في احتلالين وخمس حروب، خلال ثلاثة عقود، أن تبدل من طبيعة لبنان. وعليه فإن النفخ في كور الفتنة لن يؤدي إلا إلى حرب جديدة ذاق اللبنانيون مرارتها في السابق من دون جدوى.
ثمة فرصة بعدُ للعقل والحكمة والخروج من «العصفورية السياسية» قبل ان يفلت الزمام. وليس سراً أن المقاومة وقيادتها وجمهورها على استعداد كامل لتسوية تاريخية، تشرك الجميع في إدارة البلد، شرطها الوحيد تحييد المقاومة في وجه إسرائيل كعدو أوحد عن طاولة البحث ضمن ضوابط منطقية. وبغير ذلك فإن الشحن والتحريض والإسفاف والشتائم ستحول «العصفورية السياسية» الى «عصفورية أمنية» تقتل شهوات السلطة وأوهامها من رؤوس الحالمين.

26‏/11‏/2012

شــــكـراً غـــزة

واصف عواضة- السفير 24 تشرين الثاني  2012
يُفترض ببلد طبيعي يتمتع بكامل قواه العقلية ان يتعمق جيدا في نتائج الحرب الأخيرة على غزة، ليستفيد من دروسها البالغة القيمة وليبني إستراتيجيته المستقبلية على هذا الأساس. لكن بلدا كلبنان يحكمه الجنون السياسي والحقد والنكد والفساد وشهوة السلطة، لا يُعوّل ولا يُراهن على أهله في تحقيق شيء من هذا، لأن بعضهم يقرأ في كتاب صدر قبل حرب غزة، بل قبل التاريخين الهجري والميلادي.
من غير الطبيعي أن تكون الأحداث الأخيرة في غزة لحظة عابرة في روزنامة اللبنانيين. بل من الطبيعي ان تكون هذه الأحداث بندا أساسيا في أي حوار لاستخلاص الدروس والعبر والبناء عليها لرسم الإستراتيجية الدفاعية الموعودة، هذا إذا كانت إسرائيل في نظر جميع اللبنانيين عدوا غير مأمون الجانب و لها أطماع في ارض لبنان كما يحلو للبعض ان يصفها في قصائده السياسية.
يقتضي المنطق اجراء مقارنة جغرافية وعسكرية وسياسية بين غزة ولبنان لاستخلاص هذه العبر:
- في الجغرافيا تقع غزة على مساحة لا تزيد عن 350 كيلومترا مربعا، بطول اربعين كيلومترا وعرض يتراوح بين 8 و10 كيلومترات. يحيطها الكيان الصهيوني من ثلاث جهات، وسيناء المصرية من جهة واحدة. ارض منبسطة ليس فيها جبل ولا واد. محاصرة من كل الجهات. يستطيع الاسرائيلي بالعين المجردة أن يرصد كل حركتها وأن يراقب اهلها ومقاوميها، وهو يحكم السيطرة على جميع معابرها، من البر والبحر والجو.
في المقابل، تبلغ مساحة لبنان ثلاثين ضعفا من مساحة غزة، وهو يتمتع بتضاريس طبيعية صعبة جدا، من وهاد عميقة الى جبال شاهقة، بحيث يصعب على اجهزة الرصد الحديثة مراقبة جميع تحركات أهله ومقاوميه. ارضه مفتوحة على العالم برا وبحرا وجوا، تجاوره دولة تستطيع أن تمده بكل احتياجاته.
- عسكريا يشكل امداد غزة بالسلاح حالة تشبه المعجزة في ظل واقعها الجغرافي. ومع ذلك تسلّحت غزة بآلاف الصواريخ والقذائف المدفعية والسلاح الخفيف، وقاتلت وصمدت امام عدو يفوق ميزانها العسكري بمئة ضعف. وليس من الانصاف بشيء المقارنة بين المقاومة في غزة والمقاومة اللبنانية، لجهة الصعوبات وحجم السلاح والتدريب وحرية الحركة والجغرافيا العسكرية التي يتمتع بها المقاومون اللبنانيون، وهذا بحد ذاته يشكل نقطة ايجابية لصالح المقاومة اللبنانية.
- سياسيا، لم تكن غزة بأفضل حال من لبنان. وإلى أن تتحقق الوحدة الفلسطينية على مستوى السلطة، لا يجب ان يحسد اللبنانيون غزة ولا الفلسطينيين على واقعهم السياسي. صحيح أن الشعب الفلسطيني يكتشف مقاومته من جديد ويعرف أن التسويات السلمية لن تحقق اهدافه التاريخية، ولكن وحدته السياسية تحتاج الى كثير من العمل والجهد والوقت.
السؤال الوجيه في هذه المرحلة، من سيذهب الى حضن من: مقاومة غزة أم سلطة «ابو مازن»؟ اما اللقاء في منتصف الطريق فليس سهلا، لأن ثمة من أحرق مراكب العودة الى النضال منذ زمن طويل. وليس بالضرورة أن يكون فريق المقاومة هو الأقوى في هذا المجال، الا اذا قرر الشعب الفلسطيني أن يخلع عنه رداء السلطة الوهمية.
في الخلاصة، اذا كانت هذه الـ«غزة» المحاصرة الفقيرة المحدودة بإمكاناتها، الصغيرة بأرضها، الكبيرة بأهلها ومقاومتها، استطاعت أن تلوي ذراع اسرائيل في أسبوع واحد، فهل يستطيع هذا العدو أن يلوي ذراع لبنان بمقاومته الجبارة بعديدها وسلاحها وغطائها الشعبي والسياسي وبجغرافيتها الصعبة؟
لقد كانت معجزة غزة بالدرجة الأولى درسا لإسرائيل يحمي لبنان وأهله، ويجب أن تكون عبرة جديدة للبنانيين اللاهثين وراء نزع سلاح المقاومة. لا يعني هذا أن زمن الحروب قد ولّى الى غير رجعة، أو أن الاعتداءات الاسرائيلية لم تعد واردة، بل بات على اسرائيل أن تدرس خطواتها جيدا، فقبل غزة كان على العدو أن يحسب الف حساب للبنان ومقاومته، وبعد غزة عليه ان يحسب مليون حساب.

16‏/11‏/2012

قبل أن تحترق صيدا مجدداً!

واصف عواضة
قاسيا وحازما وصريحا كان السيد حسن نصر الله في خطابه الاخير. لقد «بلغ السيل الزبى» ولم تعد المهادنة تنفع في مخاطبة الآخر الذي تخطى كل الحدود. هكذا يفترض الذين استمعوا الى الخطاب وقرأوا فيه أكثر من رسالة الى من يعنيهم الأمر.
المحازبون والأنصار وجمهور المقاومة كلهم في حالة غليان. «مهدئات» الأمين العام بات مفعولها خانقا. التطاول على «السيد» والمقاومة والحرمات لم يعد مقبولا مواجهته بـ«التطنيش» والأذن الطرشاء. يقول أحدهم: «الفرقة الموسيقية التي شاركت في مهرجان «يوم الشهيد»، أكثر عددا من أنصار الشيخ أحمد الأسير، فلماذا السكوت على استفزازاته وتحدياته وتطاوله؟ من قال لهم ان العقل يجب أن يحكم الامور دائما؟ صحيح ان العقلاء كثر في «قوى 8 آذار»، ولكن ثمة مجانين ايضا».
لقد شكلت الأحداث الأخيرة في صيدا مفصلا بالغ الأهمية في حياة المدينة وأهلها، وفرصة للتأمل في مستقبلها الذي قد يكون على كف عفريت اذا ما تقاعس المعنيون عن وضع حد لمحاولات الفتنة. حتى الأمس القريب كان مقبولا الحراك السلمي المدني للشيخ الأسير وأنصاره على الرغم من نتائجه السلبية على المدينة. وقد تعاطى معه الآخرون بكثير من الحكمة والعقل والاستيعاب، لكن دخول السلاح الى ساحة الحراك بدّل المعطيات ووضع ثلاث نقاط على آخر السطر. فالسلاح يستدعي السلاح، والدم يستجلب الدم، وواهم من يتخيل أن ثمة مجالا لخلق معادلة جديدة في هذه المدينة.
ان صيدا ليست طرابلس، واستقرارها ليس مطلبا جامحا لأهلها فقط. هناك نصف مليون جنوبي وفلسطيني يعبرون هذه المدينة أسبوعيا، وهي ليست عاصمة الجنوب والمقاومة من باب الفولكلور. وعليه ليس مسموحا أن تقفل صيدا على نفسها، وأن تُغلق بواباتها على الآخرين مهما كان الثمن.
أيضا، لم ينس الصيداويون بفقرائهم وأغنيائهم وتجارهم وحرفييهم، النتائج المدمرة لذلك الاعتصام الذي فرض على المدينة حصارا اقتصاديا ومعيشيا خانقا لأكثر من شهر من الزمن، وهي لم تبرأ بالكامل من انعكاساته السلبية. ويعرف الصيداويون أن أسواق بديلة نشأت خلال تلك الفترة على حساب أسواق صيدا، في صور والنبطية وبنت جبيل وشحيم وبرجا وغيرها، وهي لا تزال متأهبة لتكون بديلا دائما في حال اضطراب حبل الأمن في عاصمة الجنوب.
من هنا تبدو مسؤولية فاعليات صيدا أساسية في توفير الاستقرار الدائم للمدينة وأهلها وجيرانها، ومصلحتهم تقضي بالتحرك السريع لإزالة الهواجس ووضع حد لكل المحاولات الرامية الى النيل من استقرار مدينتهم، كي لا يضطر غيرهم الى القيام بهذه المهمة، اذا ما تمادى البعض في حفلة الجنون على حد وصف كبير عقلاء صيدا الشيخ ماهر حمود.
وفي هذا الإطار، يتحمل تيار «المستقبل» بالذات المسؤولية الكبرى في هذا المجال، اذ لا يخال عاقل أن آل الحريري يرغبون في قتل مدينتهم على الرغم من بعض الخطاب السياسي والاعلامي الذي يفتقر الى الحكمة.
ثمة مجال بعد للعقل والحكمة قبل أن تحترق صيدا مرة أخرى. وثمة مكان غير صيدا وزواريبها لنيل الشهادة من أجل كرامة الأمة.

24‏/10‏/2012

قبل أن يختل الميزان الدولي

واصف عواضة -السفير 24 ت1 اكتوبر 2012
كانت أياماً عاصفة، تلك التي اعقبت اغتيال الشهيد وسام الحسن. كاد لبنان خلالها يسقط تحت أرجل الطامعين بالفتن والحروب الأهلية، نتيجة التسرع والأوهام والأحقاد و«الولدنة». لكن الرياح المسمومة انحسرت بقدرة قادر، من دون ان تحط الأزمة السياسية رحالها على مرسى معين.
يُسجَّل هنا للمجتمع الدولي وقفته الحازمة لمنع انفجار لبنان. ولسوف يظل مشهد سفراء الدول الخمس الكبرى في قصر بعبدا، وعلى رأسهم ممثل الامم المتحدة بلكنته العربية الأعجمية، يدق على أفواه الرؤوس الحامية التي اعتقدت انها صاحبة الحل والربط في مصير البلد ومستقبله، فجاء من يهز كيانها بعبارات ورسائل واضحة: «ممنوع الحرب والانفجار، ممنوع الفراغ الحكومي والسياسي، ممنوع العبث بأمن البلد، «كارت بلانش» للجيش اللبناني من أجل لجم الفلتان».
لقد كان الحدث جليلاً وكبيراً الى الحد الذي ارتبكت معه الدولة بكامل أركانها حتى بدت عاجزة عن التصرف، قبل ان ينتشلها «المجتمع الدولي» من الانهيار، فاستعادت توازنها وشدت عزيمتها على الاستمرار في إدارة البلد، ولو وفق الموازين المعهودة. وسيبقى الموقف الدولي الحازم خاضعاً للتحليل والتأويل الى أمد طويل، لكنه بالتأكيد أطفأ النار التي كان يمكن أن تحرق الأخضر واليابس في ما تبقى من بلد الأرز.
وفي السياق المحلي يجب ان يُسجَّل لقوى الثامن من آذار، خاصة «حزب الله» وحركة «أمل»، ذلك الانضباط «الخرافي» غير المسبوق في التعاطي مع هذا الحدث وارتداداته، على الرغم من الاستفزازات السياسية والإعلامية والأمنية التي امتدت من طرابلس الى صيدا، ومن بيروت الى البقاع، على مدى اربعة ايام متواصلة، فكان الحلم سيد الموقف، بقرار واضح وجازم اتخذته المرجعيات السياسية لهذه القوى، والتزم به الحزبيون والمناصرون بجميع شرائحهم، ومن دون تسجيل خرق واحد يبدو انه كان مطلوباً لإغراق الساحة اللبنانية بالدماء.
يجب أيضاً وأيضاً أن يسجل للدائرة القريبة جداً من وسام الحسن، سواء في قوى الأمن الداخلي أم عائلة الشهيد والأقربين، تعاطيها الراقي مع الفاجعة، خاصة المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء اشرف ريفي، الذي فقد في وسام الحسن رفيقه وصديقه وظله ومخزن معلوماته وأسراره.
وفي أي حال لا بد من استخلاص بعض العبر من هذا الحدث، علّ العبرة تنفع المؤمنين:
1- لقد ثبت أن الساحة اللبنانية غير المتماسكة، هي ساحة ممسوكة في هذه المرحلة، محلياً ودولياً، ما يدفع الى بعض الاطمئنان حيال مستقبل البلد، على الأقل في المدى المنظور.
2- أن لعبة الشارع خطيرة، وخطيرة جداً، إذا ما أفلت الزمام من أيدي المرجعيات السياسية، خصوصاً أن ثمة قوى على الساحة خارج سيطرة فريقي النزاع.
3- أن الصراع السياسي مشروع ومسموح ومطلوب في بلد ينشد الديموقراطية، وهو مفتوح على مصراعيه ويفترض أن تكون المؤسسات مسرحه الوحيد.
4- وفي كل الأحوال، وللمرة الألف، أن النظام الطائفي لا يبني وطناً ودولة مهما غالت الطوائف في حرصها على لبنان وأهله. وواهم من يعتقد ان «الربيع اللبناني» يتحقق بإسقاط حكومة واستبدالها بحكومة أخرى. فمن ينشد الربيع في لبنان عليه أن يذهب الى نظام المواطنة الذي يحمي البلد وأهله.
في الخلاصة، انتهى القطوع بأقل الخسائر، لكن الأزمة مستمرة، والخشية كل الخشية ان يختل الميزان الدولي الراهن تجاه لبنان، ويفلت الزمام من أيدي الجميع. عندها سوف نترحم على ما تشهده سوريا من مجازر، وقد كانت لنا عبرة سابقة، ولنا من الخبرة القتالية في غير محلها، ما لا يطمئن أحداً.

10‏/10‏/2012

«حزب الله» واستدعاء الطوفان

واصف عواضة-السفير 10 ت1\اكتوبر 2012
لن يستغربن أحدٌ بعد اليوم اذا ما طلعت إحدى المحطات الفضائية العربية بوثائق تحمّل «حزب الله» مسؤولية اعتداءات الحادي عشر من أيلول في الولايات المتحدة. ربما عندها يختل توازن باراك أوباما الذي يعتبر قتل أسامة بن لادن أحد أهم إنجازاته في الولاية الاولى، فيما يجهد هو للفوز بولاية ثانية بعد أقل من شهر على هذا التاريخ.
اليوم «حزب الله» متهم باغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه وجبران تويني وكل الشخصيات السياسية الأخرى في لبنان، وهو يشارك في قتل الشعب السوري لصالح نظام بشار الأسد، وبتكليف من الولي الفقيه بالذات.
غداً قد يكون «حزب الله» متهماً باغتيال عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعليّ بن ابي طالب، والتقاعس عن نصرة الإمام الحسين في كربلاء، وربما قبل ذلك بدس السم للإمام الحسن، وهو مسؤول عن كل مصائب الأمة في العصر الأموي والعصر العباسي وعصور الانحطاط التي تلت، وكذلك في عصرنا الراهن، ومن طنجة على ساحل المغرب وحتى أعالي جبال كردستان.
لم تعد المشكلة فقط في مَن يروّج لهذه الأمور، بل باتت أيضاً في مَن يتلقى ويقرأ ويكتب ويحلل ويتوهم، خصوصاً في لبنان الذي يقف على حد السكين. فهل تستأهل السلطة والانتخابات المقبلة كل هذا الفيض من التنظير والعبث بمستقبل البلد وأهله؟ وهل يخال البعض ان مثل هذه الاتهامات غير المسندة تُضعف «حزب الله» وتنتقص من قيمته وتقلل من شعبيته؟
يعرف «حزب الله»، كما يعرف غيره، أن الفرز في لبنان بلغ مداه، ويدرك أن مَن معه.. معه، ومَن عليه.. عليه، ويجب أن يدرك الآخرون أنه كلما تصاعدت الحملة على الحزب والتجني عليه، كلما تصاعدت وتيرة الولاء له ممن هم معه. أما مَن هم عليه فلا يطمع الحزب في هذه المرحلة الدقيقة في جرّهم الى صفه.
ليس الدفاع عن «حزب الله» هو الهدف في هذه العجالة. فالحزب يعرف جيداً كيف يدافع عن نفسه، لكن السؤال المحيّر مَن هو صاحب المصلحة في هدم الهيكل على رؤوس الجميع، وعلى قاعدة «عليَّ وعلى أعدائي يا رب»؟ وهل يعتقدن أحدٌ أن حزباً قاتل ويقاتل إسرائيل ومن ورائها أكبر قوة جبارة في العالم، سوف يهون أو «يخسع» أمام مثل هذه الحملات والفبركات الصغيرة؟ وهل يتوهمن أحدٌ أن السيد حسن نصرالله ورفاقه من الصنف الذي ينحني أمام العواصف العابرة، وهم لم ينكسروا أمام الرياح العاتية؟
لماذا يستعجل البعض، ولمصلحة مَن إحراق الساحة اللبنانية وإغراقها في أتون الأزمة السورية، بدل استدراك نتائجها النهائية التي لا تبدو قريبة؟ وهل يعلم هؤلاء أن لبنان مُعدٌّ له أن يكون ساحة احتياط لما سيكون في سوريا، فلماذا استدعاء الطوفان قبل أوانه؟ وهل درج اللبنانيون على عادة استجلاب الدببة الى كرومهم لتعبث في عنبهم وتينهم وزيتونهم؟
اللهم إنا لا نسألك ردّ القضاء، بل نسألك اللطف فيه!

04‏/10‏/2012

كيف تخدم النسبية «حزب الله»؟

واصف عواضة- السفير الخميس 4 اكتوبر 2012
ليس مفهوما حتى الآن المنطق الذي تشيعه «قوى 14 آذار»، خاصة تيار «المستقبل»، بأن النسبية تخدم «حزب الله» في الانتخابات النيابية. واذا صح ان النسبية لا تخدم المحدلة الكبرى لدى هذا الفريق، فكيف يمكن قراءة موقف الاقليات المسيحية صاحبة المصلحة الاولى في النسبية، الا المسايرة لهذه المحدلة؟
لا يختلف اثنان على أن فكرة النسبية قامت على اساس حماية الاقليات، سياسية أو عرقية أو دينية، وهي فكرة عادلة تؤمن التمثيل الصحيح لجميع شرائح المجتمع، اي مجتمع. وليس أكثر ظلما لهذه الاقليات من قوانين الانتخاب الاكثرية التي تستبعد 49 في المئة من شريحة ما، لصالح 51 في المئة من هذه الشريحة. وعليه ليس في قدرة مسيحيي «14 آذار» اقناع أحد بأن النسبية ليست في مصلحتهم، أو انها تحرمهم من اختيار ممثليهم في البرلمان بكرامة ومن دون منّة من أحد.
في ظل هذه المعادلة لا يجب ان يختلف اثنان على ان النسبية ليست في مصلحة المحادل الانتخابية، وهي معروفة ومحصورة في لبنان، وبينها «حزب الله» وحلفاؤه في اللوائح الانتخابية. وما ينطبق على الحزب ينسحب على تيار «المستقبل» بصفته احدى المحادل الكبرى. وقد اثبت النظام الانتخابي الأكثري الذي سارت عليه البلاد منذ الاستقلال هذه المعادلة غير الخاضعة للنقاش. وعليه، فإن القول بأن النسبية تخدم «حزب الله» يحتاج الى الكثير من التدقيق والصدقية.
اذا كانت النسبية تخدم «حزب الله» فهذا يعني أحد افتراضين لا ثالث لهما:
1 ـ الافتراض الاول أن الحزب يتمتع بغالبية ساحقة تفوق الـ95 في المئة في مناطق نفوذه الانتخابي، ويحظى ايضا بأقلية وازنة خارج هذه المناطق. واذا كان في الافتراض الثاني بعض الحقيقة في منطقة ما، فإن الافتراض الاول لا يقرب من الحقيقة بشيء، اذ ان الانتخابات النيابية منذ العام 1992 أكدت ان اللوائح المشتركة للحزب وحلفائه، يمكن اختراقها بنسب معقولة، سواء في الجنوب او البقاع او منطقة بعبدا. وبعيدا عن هذا المنطق وذاك، فإذا كان الحزب يتمتع بهذه الأغلبية الساحقة فعلا، فليس على الآخرين الا الرضوخ للارادة الجماهيرية والشعبية التي يتغنون بها وينظمون القصائد على شرفها.
2 ـ الافتراض الثاني هو ان خصوم الحزب، وخاصة تيار «المستقبل»، يعلمون مسبقا ان النسبية ليست في مصلحتهم، وهو افتراض منطقي سندا الى نتائج الانتخابات النيابية السابقة، سواء في بيروت او الشمال والبقاع. وعندها يصبح من حقهم رفض النسبية من دون التذرع بالسلاح و«حزب السلاح» وادخال الناس في الأوهام والتعمية الواهية.
وهنا لا بد من الركون الى حقيقة واقعية، وهي ان قوة «حزب الله» ليست في عديد نوابه في البرلمان، وهم لا يمثلون اكثر من عشرة بالمئة من عديد المجلس النيابي. ان قوة «حزب الله» نابعة من عاملين اساسيين: قوته الذاتية اولا على المستويين الشعبي والمعنوي من حيث هو حركة مقاومة مناضلة تحررية، وكونه ثانيا ركنا اساسيا في بلد يعتمد النظام الطائفي، بحيث لا يمكن تجاهله او عزله في اي معادلة، شأنه شأن كل القوى السياسية الوازنة، وحتى غير الوازنة في هذا البلد.
يبقى ان الانتخابات النيابية في لبنان لم تكن يوما معيارا للسلطة ايا كان قانون الانتخاب. ولم يثبت مرة واحدة ان الاكثرية النيابية قادرة وحدها على ادارة البلد في ظل النظام الطائفي المعمول به منذ انشاء «دولة لبنان الكبير». والحكومة الحالية اكبر مثال على ذلك. ولا يتوهمن أحد ان نتيجة الانتخابات المقبلة ستقلب هذه المعادلة رأسا على عقب، الا اذا كان أحد يطمع بها لانتخابات رئاسية مقبلة على حد ما يشير اليه الرئيس نبيه بري. لكن الجميع يعلم سلفا بأن رئيس الجمهورية في لبنان لم يعد ملكا متوجا في جمهورية تستطيع فيها اي طائفة، صغيرة ام كبيرة، استخدام حق النقض «الفيتو».

02‏/10‏/2012

Reminder: موقع عين invited you to join Facebook...

facebook
موقع عين wants to be your friend on Facebook. No matter how far away you are from friends and family, Facebook can help you stay connected.
Other people have asked to be your friend on Facebook. Accept this invitation to see your previous friend requests
موقع عين
156 friends
Accept Invitation
Go to Facebook
This message was sent to wawada0.send@blogger.com. If you don't want to receive these emails from Facebook in the future or have your email address used for friend suggestions, please click: unsubscribe.
Facebook, Inc. Attention: Department 415 P.O Box 10005 Palo Alto CA 94303

19‏/09‏/2012

زلة لسان إيرانية؟

واصف عواضة
ليس واضحا ولا مفهوما حتى الآن لماذا صرّح القائد الأعلى لـ«الحرس الثوري» الايراني الجنرال محمد علي جعفري، بأن مستشارين من «الحرس» متواجدون في لبنان وسوريا، ما اضطر طهران الى نفي هذا التصريح، أو الأصح «تدوير زواياه» الحادة في مرحلة دقيقة للغاية تشهدها المنطقة، مرة على لسان سفير الجمهورية الاسلامية الايرانية في لبنان غضنفر ركن أبادي، وأخرى على لسان المتحدث باسم الخارجية الايرانية رامين مهمانبرست.
هل كانت «زلة لسان» من المسؤول الايراني الكبير، أم ان الهدف هو توجيه رسائل «لمن يهمهم الأمر» في المنطقة، بحسب التحليلات التي توالت في اطار ردود الفعل على هذا الكلام الذي أحرج الحلفاء والاصدقاء في لبنان وسوريا وبعض الدول الكبرى؟ أم ان الجنرال جعفري يعتبر اعترافه الذي جاء ردا على سؤال في مؤتمر صحافي، من باب «تحصيل الحاصل»، ولا يستأهل هذه الضجة السياسية والاعلامية التي تعاملت مع هذا الموضوع على قاعدة «لا اله..»، فأصرت على التعاطي مع تصريح الجعفري من دون الاشارة الى النفي والتوضيح والتصحيح؟
في اي حال لا يمكن لأحد ان ينكر او يتجاهل النفوذ الايراني في المنطقة، بدءا من العراق، مرورا بسوريا وانتهاء بلبنان. هذه حقيقة لا تنكرها ايران ولا الحلفاء في هذه الدول. فمنذ قيام الثورة الاسلامية في العام 1979، لم يغب عن بال أحد ان الجمهورية الاسلامية تسعى الى تصدير ثورتها التي تفتخر بها الى الخارج، وقد وجدت لذلك مريدين في المنطقة وخارجها، لدرجة نشأ من خلال ذلك محوران كبيران أُطلق عليهما تعبير «الاعتدال والممانعة». وعلى ضفاف هذين المحورين دارت وتدور صراعات دامية منذ ثلاثة عقود، شهدت المنطقة خلالها حروبا ضارية بدأت بالحرب العراقية على ايران في عهد صدام حسين، مرورا بحروب اسرائيل على لبنان، وهي تشهد اليوم فصلا داميا في سوريا الحليف الاساسي لإيران.
وسط هذا الصراع لعبت الجمهورية الاسلامية دورا بارزا في دعم حلفائها في محور الممانعة بالمال والسلاح والخبرات، وكان من البديهي ان يكون «الحرس الثوري» الايراني، بما يملك من امكانات، في طليعة الوسائل الايرانية لترجمة هذا الدعم، ولا تختبئ ايران وراء اصابعها في هذا المجال، في وقت يمتلك خصومها المعلومات الكافية على هذا الصعيد. وبالتأكيد لم تتفاجأ الولايات المتحدة واسرائيل بالذات من تصريحات الجنرال جعفري، لكن هذا الاخير، على الرغم من ذلك، لم يكن مضطرا الى مثل هذه التصريحات التي قد تكون أحرجت الحلفاء في المرحلة الدقيقة الراهنة، وأسهمت في تزويد الخصوم بمادة دسمة لتأليب الرأي العام وزجه في آتون الفتنة المذهبية.
في كل الاحوال، سواء كانت تصريحات الجعفري «زلة لسان» او «رسالة» أو من باب «تحصيل الحاصل» او جرى تأويلها واستغلالها، فإن كل ذلك لا ينفي رغبة الجمهورية الاسلامية الايرانية ولا حقها كدولة كبرى في المنطقة، في تعزيز نفوذها، شأنها في ذلك شأن كل القوى والاساطيل الزاحفة من وراء البحار والساعية لتحقيق مصالحها على حساب شعوب المنطقة. فإيران لها مصالحها ولديها خيرات مهددة، ومن حقها حماية هذه المصالح والخيرات بالطرق التي تراها مناسبة، ما دامت سياسة القوة لا مبادئ العدالة هي التي تحكم العالم اليوم. يكفي ان ايران لم تغز دولا ولا اجتاحت اراضي ولا احتلت شعوبا كما فعل ويفعل الآخرون.

11‏/09‏/2012

صراع على دولة مهترئة

واصف عواضة
السفير 11 ايلول 2012
قد يبدو السؤال ساذجاً، ولكن لا بد من طرحه في بلد كلبنان يعاني ما يعانيه من أزمات مستعصية: لماذا يتصارع الناس على السلطة؟
ربما يجد السؤال سبيلاً الى بعض المنطق اذا ما جرى تعديله بصورة واقعية: لماذا يتصارع أهل السياسة في لبنان على دولة متهالكة مهترئة تكاد تكون جثة هامدة، اذ منذ زمن طويل تقوم كل حكومة بتسليم خليفتها تركة ثقيلة تنوء بحملها الجبال؟في الدول المحترمة يتصارع السياسيون على السلطة لأهداف نبيلة غايتها إما الحفاظ على استقرار محقق بجميع مفاصله السياسية والاقتصادية والأمنية، أو إنجاز إصلاحات تنقل البلاد والعباد من حال الى حال أفضل. إلا أن هذه المعادلة لا تنطبق على لبنان وحكوماته المتعاقبة منذ الاستقلال، إذ لم تستطع هذه الحكومات تحقيق الاستقرار ولا إنجاز الإصلاحات. حتى أن الإنجاز الإصلاحي الدستوري الوحيد الذي خرج في الطائف انقطع حبله في منتصف البئر ولم تتحقق أهدافه السامية في الوصول الى وطن.
كان أفلاطون يقسم الأنظمة الحاكمة الى خمسة: 1 ـ حكومة «القلة الفاضلة»، بحيث يحكم أفضل الناس وأرشدهم، ويدخل عامل السن ضمن الصفات، فيقدم الكبير الفاضل على الصغير الفاضل، ويتم الاختيار من قبل العلماء والمختصين بعد اختبار هؤلاء الفضلاء وليس بالتصويت الجماهيري 2 ـ حكومة «الطامحين وأصحاب الشرف» بحيث يحكم الناس اصحاب الطموح والمندفعين نحو السمو والشرف والغلبة. 3 ـ حكومة الشعب (الديموقراطية) وتعطى الحرية الفردية فيها مجالاً كبيراً لتشارك الأغلبية في صنع الحكومة. 4 ـ حكومة الطبقة الغنية وأصحاب الثروات، ويحكمها الأغنى والأكثر جاهاً ومالاً فيحكم الغني الفقير. 5 ـ حكومة الجبروت والطغيان (الاستبدادية) ويحكمها المتجبرون والمجرمون بالنار والحديد ويستعبدون الشعب.
في لبنان شيء من كل هذا، ولو كان أفلاطون حياً لأضاف نظاماً سادساً الى تصنيفه، أو ربما ارتبك في تصنيف النظام اللبناني. هناك آفة مزمنة في لبنان تقوم على الخلط بين السلطة والدولة. فمن حق الحاكم ان يتصرف بالسلطة وفق الدستور والقوانين والاجتهادات، يخطئ أو يصيب فيتحمل المسؤولية ويُحاسَب في النهاية أمام الرأي العام. ولكن ليس من حق الحاكم ان يتصرف بالدولة على قاعدة لويس السادس عشر «أنا الدولة.. والدولة أنا». فالدولة أرض وشعب ومؤسسات وحكم، فيما السلطة هي فقط الادارة التي تشرف على مسار الدولة. كثيراً ما ينادي اللبنانيون بالدولة وينشدون قيامها، إلا أنه لم يثبت في أي مرحلة من المراحل أنهم جادون في الولوج اليها. وربما يحلو للبعض اليوم الزعم بأن المقاومة هي سبب اهتراء الدولة، وفي ذلك ظلم كبير ما بعده ظلم. فقبل المقاومة كانت الدولة مهترئة، ولولا المقاومة لما كان هناك دولة ولو مهترئة. فدولة نظامها يقوم على المحاصصة بين الطوائف ليست بدولة. ودولة لا تستطيع سلطتها محاسبة حاجب في إداراتها متحصن بطائفته ليست بدولة. دولة لا تستطيع حماية حدودها، ولا صيانة مؤسساتها، ولا تأمين الخدمات بحدود مقبولة لمواطنيها، ولا تحقيق استقرار أمني معقول لأهلها، ولا إنجاز نظام ضريبي سليم، ولا إقرار موازنة عامة، ولا استغلال خيراتها. دولة غارقة في الديون، عاجزة عن الانتاج، غير قادرة على برمجة اقتصادها، حكامها يتصارعون على أبسط الأمور، ملاكها الإداري يكاد يفرغ من شاغليه، كهرباؤها وماؤها بالقطارة. دولة مهترئة بكل معنى الكلمة، ومع ذلك يتصارع الساسة على إدارتها منذ سبعة عقود من دون أن يحققوا لناسها مستقبلا أفضل. أليس في ذلك ما يدعو الى الغرابة؟
ربما عندما يعرف السبب يبطل العجب. والسبب يستطيع أهل السلطة أنفسهم تبريره وتعليله أكثر من غيرهم.

04‏/09‏/2012

إرحموا النازحين السوريين

واصف عواضة

إرحموا النازحين السوريين

إرحموا النازحين السوريين

ليس مفهوماً حتى الآن لماذا تصر جماعات سورية معارضة، على الاستمرار في احتجاز اللبنانيين في سوريا، وافتعال قضية لم يعد لها من نتيجة سوى رفع وتيرة معاناة اللاجئين السوريين في لبنان فوق معاناتهم. وليس مقنعاً بالتالي أن عصابات مسلحة تحت مسميات مختلفة بينها «أبو إبراهيم»، هي التي تقوم بهذه الأعمال، وأنها تقع خارج السيطرة في مساحات جغرافية تحكمها المعارضة السورية من جهة، وتغطيها دول فاعلة في المنطقة من جهة أخرى.

في البداية والنهاية مؤسف جداً أن يتعرض النازحون السوريون في لبنان لمثل هذه المعاناة. هؤلاء الأكارم الذين احتضنوا النازحين اللبنانيين في كل أوقات الشدة، وبذلوا الغالي والرخيص من أجل تخفيف آلامهم، سواء خلال الحروب اللبنانية الداخلية المتعاقبة، أم أثناء الحروب الإسرائيلية المدمرة التي كانت حرب تموز آخرها. وليس من لبناني يستطيع ان ينكر أن سوريا حكومة وشعباً، قدمت كل التسهيلات في أرضها للبنانيين في أوقات المحن، ومن حق السوريين علينا أن نبادلهم الوفاء والاحتضان في أوقات محنتهم. وفي كل الأحوال لا يفترض أن يشعر النازح السوري المدني المسالم في لبنان بأنه هدف خاضع للملاحقة تحت أي ظرف.

إلا أنه لا يجب أن يغيب عن البال أن الشعب اللبناني بكل فئاته يحرص كل الحرص على إخوته السوريين في لبنان، سواء أكانوا مع النظام أم ضده، وقد أثبتوا ذلك خلال الأزمة السورية منذ بداية العام الماضي، وأن ما يحصل في الفترة الأخيرة من عمليات خطف واحتجاز لبعض السوريين ليس إلا حالة من رد الفعل وليست الفعل نفسه. وعندما يزول الفعل المتمثل باحتجاز أحد عشر لبنانياً في شمال سوريا وكذلك المواطن حسان المقداد، لن يسامح أحد القائمين بردود الفعل أو المضايقة لأي لاجئ سوري في لبنان.

وعود على بدء، فإنه من حق أي لبناني أن يسأل عن الهدف الكامن وراء استمرار احتجاز اللبنانيين في سوريا، وقد تأكد أنهم ليسوا مسلحين ولا مقاتلين ولا متدخلين في الأزمة السورية الى جانب النظام. ولو كان الأمر كذلك لكان القتل مصيرهم منذ اللحظات الأولى، طالما القتل والذبح بات من علامات المحنة السورية وهو يعرض يومياً على الشاشات.

كان التصور في لبنان منذ اللحظة التي اختطف فيها الزوار اللبنانيون في شمال سوريا، أن الهدف من ذلك هو توتير الساحة اللبنانية بردود الفعل الشعبية لدى طائفة معينة. وقد تمكنت مراجع الطائفة من لجم التحركات وحولتها الى مطالبة سلمية، وصبر اهالي المخطوفين ثلاثة اشهر على مضض، من دون أن يبادر أحد الى معالجة هذه القضية ووضع حد نهائي لها. فالمبررات التي تقدم لغاية الآن لا تقنع أحداً، سواء كانت من المعارضة السورية أم من الدول الراعية، إذ كيف يمكن أن تتواصل وسائل الإعلام المتلفزة مع الخاطفين والمخطوفين بما يشبه المسرحية المبكية، ثم يأتي من يقول إنه لا يعرف مكانهم ولا الجهة الخاطفة، أو أنه لا يمون على الخاطفين.

لقد بات واجباً وضع حد لهذه «المهزلة» الموجعة لكل أطرافها. فالرسالة التي وجهها السيد حسن نصرالله من أن الوضع بات خارج السيطرة يفترض أن تقرأ جيداً، حرصاً على النازحين السوريين في لبنان بالدرجة الأولى، ورحمة بأهالي المخطوفين بالدرجة الثانية، وضناً بما تبقى من علاقات أخوة بين لبنان وسوريا بالدرجة الثالثة. فالأزمة السورية ستضع أوزارها عاجلاً أم آجلا، وليس عاقلاً من يراكم المزيد من الاحقاد بين الشعبين اللبناني والسوري، أياً كان شكل النظام في سوريا مستقبلاً.

السفير

13‏/08‏/2012

«دولة الجلابيط»

واصف عواضة
 الجمعة 11 آب 2012 السفير
لا يبالغ مسلسل «الغالبون ٢» الذي تعرضه قناة «المنار» خلال شهر رمضان الحالي، في تظهير «دولة الجلبوط» التي حكمت الجنوبيين خلال الاحتلال الاسرائيلي لجنوب لبنان. وحدهم الجنوبيون الذين ذاقوا مرارة الاحتلال طوال اثنين وعشرين عاما، يعرفون جيدا «فضائل» هذه الدولة عليهم، صغارا وكبارا، شيوخا ونساء. وقد جاء «الغالبون» هذه السنة ليدغدغ جروحهم التي لم تبرأ بعد.و«الجلبوط» هو اللبناني عبد النبي بزي، أحد أشهر العملاء إبان الاحتلال الاسرائيلي، وهو شخصية مهووسة بالقتل والدم والتعذيب. أرخى لحيته طويلا وأقسم ألا يحلقها إلا في بيروت بعد احتلال لبنان وتصفية المقاومة، لكن هذه الأخيرة لم تحقق له أمانيه، فاصطاده المقاومون قنصا في العام ١٩٩٤ على الحاجز الذي أذلّ عليه كرام الناس، ولحقه عملاء آخرون من أمثال حسين عبد النبي وفوزي الصغير وعقل هاشم وغيرهم.
في «دولة الجلبوط» لم ينس الناس حاجز بيت ياحون بين تبنين وبنت جبيل، حيث مارس هذا الرجل وأعوانه كل صنوف الإذلال على العابرين، من إهانات وتجبر وفرض خوّات، حتى ان الكثير من أبناء الشريط الحدودي اعتصموا في قراهم وفضلوا الاعتزال في منازلهم على الهوان، وفرغت بعض القرى من أهلها وتهاوى عدد أهالي بنت جبيل الى ثلاثة آلاف وهي بلدة الأربعين الفا.في «دولة الجلبوط» صار الناس ينامون وعيونهم مفتوحة خشية المداهمات الليلية التي كانت تمارس، فيعتقل الرجال والنساء على السواء وينقلون الى «مركز الـ١٧» الشهير على مدخل بنت جبيل الشمالي قبل شحنهم الى معتقل الخيام.
في «دولة الجلبوط» صار العلم نادرا وباتت المدارس مراكز عسكرية ومعتقلات، بعدما أجبر طلابها قسرا على الانخراط في جيش سعد حداد وانطوان لحد، وإلا باتوا معتقلين أو هاربين من هذا الجحيم.في «دولة الجلبوط» صارت الخوّات والرسوم والضرائب غير الشرعية ضربا من المعاناة المعيشية للجنوبيين الذين كان عليهم ان يوصلوا الليل بالنهار لتحصيل قوتهم.في «دولة الجلبوط» ما من أم إلا وخافت على صبية ربتها على الشرف، من ان تحلو في عين متسلط فيجبرها على الزواج عنوة أو يزجها في المعتقل، أو يصب عليها الكاز ويحرقها حية كما فعل أحدهم مع ابنة عمه في ساحة البلدة.
في «دولة الجلبوط» حصل الكثير الكثير مما يجهله أهل لبنان الآخر، ومما تعجز عن تدوينه أمهات الكتب، حيث يقارن الجنوبيون اليوم بين زمن مضى من الاحتلال وزمن المقاومة ودولتها المزعومة، وهم يأملون من شركائهم في الوطن الذين لم يعرفوا «دولة الجلبوط» ان يعذروهم على تمسكهم بـ«دولة المقاومة» بانتظار ان يشعروا ان دولتهم المفترض ان تكون، صارت واقعا ملموسا يحميهم من غدر الزمان.في «دولة المقاومة» يشعر الجنوبيون أنهم أعزاء كراما أحرارا ينامون ملء جفونهم، مطمئنين الى صبيانهم وبناتهم، يزرعون ويقلعون ويعمّرون الدور والقصور على الشريط الشائك دون خجل أو وجل، يسهرون الليل متنقلين بين مدنهم وبلداتهم وقراهم لا يعترض طريقهم معترض، اللهم إلا حواجز الجيش اللبناني التي صار بينهم وبينها إلفة ومودة واحترام متبادل لم يألفه أهل الجنوب من قبل.
بالتأكيد يريد الجنوبيون دولة «الدولة العادلة الراعية الحامية» التي تصون كرامتهم وتمنع عنهم الضيم وتردع العدوان. هم يفتشون عن هذه الدولة منذ أمد طويل فلا يجدونها. لذلك هم متمسكون اليوم بـ«دولة المقاومة» لأنهم يرفضون العودة الى «دولة الجلبوط» و«أفضالها»، ولن يعودوا أيا كان الثمن، يؤسفهم ويحزنهم جداً ان شركاءهم في الوطن لا يتفهمون حالهم وأحوالهم ومشاعرهم بعد نهر الدم الطويل الذي صرفوه من أجل الخلاص من «دولة الجلبوط»، آملين أن يبعد الله عنهم «جلابيط» هذا الزمان.

06‏/08‏/2012

دفاعاً عن أهلنا في البقاع

واصف عواضة
لا يستغربن أحد أن ينبري أحد للدفاع عن زرّاع «الحشيشة» في شهر رمضان المبارك، من دون أي مصلحة مباشرة، لا تجارة ولا تعاطيا ولا «تسطيلا»، وانما لوجه الله تعالى وهو الغفور الرحيم. فهؤلاء الفقراء الذين لم نوفر لهم مهنة شريفة إلا الوعود طوال أكثر من نصف قرن من الزمن، يستحقون أن نقرأ في كتابهم لمرة واحدة بصورة جدية.
نحن نعرف جيدا ان «الحشيشة» حرام، زراعة وتجارة وتعاطيا، وقد صدرت فتاوى في هذا الشأن من كبار العلماء والمجتهدين والرهبان، سنّة وشيعة ومسيحيين، وحظرتها القوانين الوضعية في كل دول العالم، إلا لأهداف طبية خالصة وضمن حدود معينة وضيقة. ومع ذلك، ثمة من يتقي الله ويعرف حدود الشرع ويقرأ قوانين العقوبات جيدا ويدري مضار الحشيشة ثم يزرعها ويتاجر بها، فهل هذا من باب الترف ام انه من باب الحاجة وغياب البدائل الشريفة؟
منذ اكثر من خمسين عاما تكافح الدولة اللبنانية كل عام زراعة الحشيشة، ومع ذلك لم تستطع الوسائل الأمنية والعسكرية والقضائية وضع حد لهذه الزراعة، حتى في عهد «الوصاية السورية» حيث بلغ التشدد أقصاه في هذا المجال. وكل عام يسقط العديد من القتلى أو الجرحى مدنيين وعسكريين، في عمليات المكافحة والاحتجاجات التي دخلت هذا العام عصر الاعتصامات وقطع الطرق بعد إطلاق النار على القوى الأمنية وتخريب الجرارات العاملة في عملية المكافحة، وهو ما حدا بوزير الداخلية مروان شربل للتوجه أمس الى منطقة اليمونة في بعلبك لمفاوضة مزارعي الحشيشة وتقديم الوعود لهم بالتعويض. فلو لم يكن الوزير، وهو العسكري العتيق والخبير، مدركا للمشكلة من كل جوانبها لما أقدم على مثل هذه الخطوة مع أناس هم بحكم القانون خارجون عليه.
إلا ان الحديث عن التعويض الموسمي للمزارعين لا يحل المشكلة، فهو كخطوة أحادية سيشجع الناس أكثر على الزراعة في العام المقبل. وعليه يفترض ان يقترن بخطوات تؤمن البدائل الدائمة عن هذه الزراعة الممنوعة بحيث لا تكون شبيهة بالخطوات السابقة التي لم تسمن ولم تغن من جوع. فالزراعات البديلة التي اعتمدت في السابق لم تحقق الهدف المطلوب في غياب الخطط الزراعية المنطقية التي تؤمن بالدرجة الاولى المياه واستصلاح الاراضي البور التي تحتل مساحات واسعة في منطقة بعلبك ـ الهرمل، إذ لم يعد مقبولا ولا منطقيا ان تعاني هذه المنطقة من شح المياه وفيها من الينابيع ما يغذي اكبر نهرين في لبنان، وهما الليطاني والعاصي، فضلا عن المياه الجوفية التي تفيض عن الحاجة.
ان مجلس الوزراء المجتمع اليوم في بيت الدين، يفترض ان يقف بجدية أمام هذه المشكلة ولو لمرة واحدة. وليس كثيرا ان يخصص لها جلسة طويلة تضع الحلول البديلة موضع التنفيذ تحت شعار «إنماء منطقة بعلبك ـ الهرمل»، وهو ما يطالب به أهل المنطقة ونوابها ووزراؤها منذ أمد طويل، والا فلا ينتظرن أحد القضاء على هذه الآفة عن طريق القوة. فالحكمة الكريمة تقول ما ذهب الفقر الى بلد إلا وحل الكفر معه، وهؤلاء الفقراء الذين يزرعون الحشيش بالكاد يحصّلون قوت عيالهم، لان المستفيدين من هذه الآفة في عالم آخر.
ذات يوم مضى كانت الدولة تشن حملة على مزارعي الحشيشة، فوقف الإمام الراحل الشيخ محمد مهدي شمس الدين على المنبر وقال بغضب، مخاطبا المسؤولين بالقول: «أطعموا هؤلاء الفقراء.. وإلا فاتركوهم».
مرة اخرى اليوم: «أطعموهم.. وإلا فاتركوهم».

17‏/07‏/2012

كهـرباء يا محسـنين!

واصف عواضة
السفير 17 تموز 2012
على ابواب شهر رمضان المبارك لا يملك المواطن اللبناني غير الدعاء. وخير الدعاء بالنسبة للبنانيين في هذه الايام الملتهبة بحرّ الصيف، ان يمن الله عليهم بانحسار ساعات التقنين الكهربائي التي تصل الى حدود العشرين ساعة يوميا من أصل اربع وعشرين، في أسوا مرحلة من مراحل المعاناة الحياتية التي لم تشهد الحروب اللبنانية المتعاقبة مثيلا لها.
لا حديث للناس خارج العاصمة بيروت التي تنعم بالنور لأكثر من عشرين ساعة يوميا (اللهم لا حسد) الا حديث الكهرباء، في وقت تلقي مؤسسة كهرباء لبنان على المواطنين الوعود تلو الوعود بتحسين التغذية بالتيار، لكن من دون جدوى. فهل يصدق أحد ان «بلد النور والاشعاع»، «سويسرا الشرق»، «لؤلؤة المتوسط»، يعيش في الظلام وتحت وطأة هدير المولدات الخاصة وانبعاثاتها السامة، بينما مجاهل الكرة الارضية تنعم بالنور؟
الغريب في هذه الأزمة التي لم تعرف سبيلا الى الحل منذ نحو عقدين من الزمن، ان اللبنانيين ملتفون حول وزرائهم ونوابهم وأحزابهم العاجزين عن تأمين الحد الأدنى من الكهرباء لهم، في حين تصرف المليارات هباء كل سنة من المال العام على هذا القطاع. والمفارقة المبكية المضحكة ان الأموال المرصودة سنويا في الموازنة على خسائر الكهرباء تفوق بكثير الأموال المقدرة لانشاء بضعة معامل يمكن ان تغرق لبنان بالتيار الكهربائي وتفيض عنه. فهل يستطيع أحد ان يجيب عن هذه المفارقة العجيبة الغريبة؟
يسأل المواطنون ببراءة شديدة: لماذا «يطنّش» المسؤولون عن العروض المقدمة من اكثر من بلد لانشاء محطات كهربائية جديدة تسد حاجة لبنان، وبالتحديد العروض الايرانية التي يكاد سفير ايران في لبنان يستجدي الدولة اللبنانية العلية، كي تقبل هذه العروض المغرية التي تصل الى حد الهبة؟
ثمة من يقول ان فريقا من اللبنانيين يرفض «الاوكسيجين» المانع للاختناق، عن طريق ايران، فقط من أجل النكد السياسي. يريد اللبنانيون اسقاط الزعماء العرب وتغيير انظمتهم وهم عاجزون عن تغيير سراويلهم، ويريدون تشييد امجاد من حولهم وهم عاجزون عن بناء محطة كهرباء!
في مجلس جنوبي بعد ظهر الأحد المنصرم، ووسط هجيرة تموزالخانقة، قال قائل: يا أخي نريد الكهرباء عن طريق الشيطان، وليس عن طريق ايران فقط.
وسأل آخر: لماذا يمانع «حزب الله» وحركة «أمل» في انشاء معامل ايرانية خاصة بالجنوب على الأقل، من خارج ادارة الدولة، وليكن ما يكون؟
وقال ثالث: يا أخي اذا كان المقصود تخصيص الكهرباء فليخصصوا لنرتاح لأن ما ندفعه اليوم على المولدات والاشتراكات يوازي اضعاف ما ندفعه لمؤسسة الكهرباء.
واكتفى رابع قائلا بمرارة: يا عيب الشوم، نحن في مزرعة تافهة، ولسنا في بلد له كيان ودولة.
وعلّق خامس: يا اخوان، نحن شعب رعاع لا نستأهل الحياة.
واضاف امام دهشة الحضور: اليوم جرت انتخابات في الكورة. تهافت المسؤولون لتحريض الناس على الانتخاب، مذهبيا وسياسيا واستراتيجيا. لم يسأل أحد من المقترعين عن الكهرباء والماء والشأن المعيشي.
وخلص قبل ان يقفل النقاش: تستقيم الامور فقط عندما نصبح شعبا يجيد الانتخاب والحساب. وحتى ذلك الحين ليس امامكم يا سادة يا كرام سوى الوقوف على ابواب المسؤولين الذين اخترتموهم طوعا وقسرا، مادين ايديكم بالدعاء لهم، منادين: كهرباء يا محسنين!

تحية الافتتاح