29‏/06‏/2011

الخوف على الحكومة من الحكومة نفسها

واصف عواضة
السفير 29 حزيران 2011
كان من الطبيعي ان ترفع المعارضة صوتها عاليا في وجه الحكومة من قبل ان تبدأ عملها، وتنادي بالويل والثبور وعظائم الأمور في بلد كلبنان لا تحكمه ثقافة ديموقراطية راسخة. ولعلها من محاسن المرحلة منذ اتفاق الطائف، ان تكون السلطة في مواجهة المعارضة بشكل واضح، خصوصا بعدما استوعبت هذه الاخيرة الصدمة وبدأت تتحدث عن مواجهة سلمية بعيدا عن الشارع واعبائه المضنية.
هذه اول مرة منذ عشرين عاما تقف الحكومة على اعصابها في مواجهة معارضة تراقب وتحاسب وتسأل وتحفز السلطة على العمل، بعد عقدين من التداخل الحكومي لم يعرف خلالها الناس من هي السلطة ومن هي المعارضة، بحجة ان حكومات ما بعد الطائف يفترض ان تكون حكومات وفاقية. ومن هنا فان الخوف على الحكومة ليس من المعارضة، بل الخوف عليها هو من الحكومة نفسها. فليس المعارضة من سيسقط الحكومة او يوفر لها ظروف النجاح. تسقط الحكومة او تنجح بصنع ايديها وبفعل نهجها وممارساتها.
وبعيدا عن المواعظ والارشاد، لا يبدو نجاح الحكومة صعبا ولا مستحيلا. يكفي ان تتجنب المكابرة في اعتماد حجرها الذي ستلقيه في بركة راكدة، من خلال جدولة متواضعة لمهماتها التي يمكن اختصارها بالآتي:
1- الابتعاد عن الاوهام والشعارات الكبيرة التي يعرف الجميع ان تحقيقها يتطلب تغييرا جذريا في بنية النظام السياسي. فالنظام الطوائفي القائم لا ينتج اصلاحا ولا تغييرا ولا محاسبة ولا قطعا مبرما لدابر الفساد. لكن هذا لا يمنع من وضع الحصان امام العربة لا خلفها والبدء بالخطوة الاولى على طريق الالف ميل، من خلال قانون انتخاب يدفع البلاد اربع سنوات الى الامام، ولا يعيدها ستين سنة الى الوراء كما حصل قبيل الانتخابات السابقة.
2- اجتناب الكيدية والثأرية. لكن هذا لا يمنع اجراء تعيينات ادارية شاملة وتشكيلات دبلوماسية وقضائية وفق آلية تراعي الكفاءات الى اي فريق انتمت، وفتح صفحة بيضاء لجميع العاملين في القطاع العام. وهذا يتطلب اولا تعزيز القضاء وتحقيق استقلاليته كي تشعر الناس ان لها مرجعا غير الله تشكو اليه ظلامتها.
3- التركيز على هموم الناس ومشاكلهم وسبل عيشهم الكريم، وهي امور جامعة لا تترك للمعارضة فرصة او ثغرة للتشويش على الحكومة. فالسلطة التي يحميها مواطنوها لا تحتاج الى غطاء من أحد.
4- ان تضع الحكومة في حسبانها ان الوقت يلعب ضدها لا معها، وان الفرصة ليست طويلة امامها، وقد لا تتجاوز الستة اشهر فقط لكي يلمس المواطن انجازاتها على الارض، والا سيكون عمرها قصيرا وسوف تتفسخ من الداخل قبل ان تدهمها ساعة الحساب الانتخابية وتقضي على معظم مكوناتها السياسية لصالح خصومها المتربصين بها.
ان حكومة تنهج هذا السبيل لا يمكن ان تخفق او تفشل، وعليه يفترض ان يكون شعارها من الآن: «ربي احمني من نفسي ومن اصدقائي، اما اعدائي فأنا كفيل بهم».

20‏/06‏/2011

بين التنجيم السياسي ولعبة الشارع

واصف عواضة
السفير 20 حزيران 2011
قبل نحو شهر أطلت إحدى «البصّارات» على إحدى الشاشات وقالت بحزم وجزم «الحكومة لن تُشكل، ونجيب ميقاتي سيعتذر عن التأليف، وسعد الحريري عائد لترؤس الحكومة الجديدة».
حتى صباح الاثنين الماضي، كان جميع أركان قوى 14 آذار وأكثر من نصف قوى 8 آذار، واثقين تماما باجتهاد البصارة السالفة الذكر، وكانت الصدمة عندما أطل الامين العام لمجلس الوزراء بعد ظهر ذلك اليوم ليتلو مراسيم تشكيل الحكومة الجديدة التي أصبحت أمرا واقعا، سواء نالت الثقة ام لم تنل، لأن سقوط الحكومة في البرلمان هذه المرة (وهو أمر مستبعد) سيبقي ميقاتي في حالة تصريف الاعمال، ربما الى قيام الساعة.
المهم ان عمليات التبصير والتنجيم لم تتوقف منذ ما قبل سقوط حكومة سعد الحريري. واذا كان بعض الاكثرية الجديدة لا يتمنى استمرار الحكومة الجديدة من باب العتب واللوم والحرد، فإن معظم قوى المعارضة الجديدة يجزم بسقوطها في وقت قريب، وهو يطمح الى ذلك ولو على يد الحلف الاطلسي، ويأمل بأن يسبق ذلك سقوط النظام السوري في فترة وجيزة. فحكومة «بشار الاسد وحزب الله والمواجهة مع المجتمع الدولي» ولدت ميتة في رأي هذا الفريق، مع ان الأعمار بيد الله، وفي يد الله وحده.
ما شهدته طرابلس الجمعة الماضي ليس تبصيراً ولا تنجيماً ولا ينبئ لا باللطافة ولا الطرافة. نعم، لعبة الشارع في لبنان تحمل الكثير من المخاطرة والمغامرة بالبلد. واذا كان ثمة من يحلم باستيراد الربيع العربي الى لبنان فإنه يكون «كالمستجير من الرمضاء بالنار». ومن لم يتعظ من الحرب الاهلية ومعاناتها يكن كمن يلعب لعبة «عليّ وعلى أعدائي يا رب»، وسيكون اكبر الخاسرين.
ان لعبة الشارع في لبنان هي حكاية أخرى تماما عما تشهده الشوارع العربية. وواهم من يعتقد ان استنساخ التجارب العربية في لبنان على قاعدة «الشعب يريد إسقاط النظام» (أو الحكومة)، يحقق مكسباً لفريق معين على الحكومة الجديدة، لأن النظام في لبنان ليس رئيساً ولا حكومة أو سلطة أو عائلة. النظام في لبنان حالة جامعة يعبر عنها «دستور أعوج» يحتضنه الجميع، وتمثلها سلطة مؤقتة ومعارضة موسمية. ولم يسبق أن أدت لعبة الشارع في لبنان الى خلخلة النظام أو المسّ بجلاله، بل غالبا ما كانت تفضي الى حروب أهلية تأكل من رصيد الفقراء، وهو ما حصل ويحصل في طرابلس بين حيّين معدمين يتنافس كل منهما على أي منهما أكثر فقرا من الآخر. ولا يخفى على أحد في لبنان والخارج ان السلاح ليس محصورا في يد الدولة، فلكل شارع سلاحه ومقاتلوه و«قبضاياته».
يبقى ان ثمة هامشا واسعا جدا بين ظاهرة التنجيم السياسي ولعبة الشارع. فالتحديات التي تواجه حكومة ميقاتي في السياسة والأمن والاقتصاد والمعيشة، هي أمضى سلاح في يد المعارضة، ويُستحسن لها أن تلتزم القاعدة التاريخية التي تقول: «نصف الناس مع الحاكم اذا عدل»، فكيف اذا لم يعدل، والانتخابات النيابية على الطريق؟

15‏/06‏/2011

كهرباء 24 ساعة تكفي لنجاح الحكومة

واصف عواضة
السفير 16 حزيران 2011
تألفت الحكومة بعد جهد جهيد، وإخراج متقن كان عرابه «مهندس التسويات الصعبة» الرئيس نبيه بري. وقبل أن تضع عجينها في تنورها انطلقت حفلات الزجل الاعلامي في الداخل والخارج، في اطار الفولكلور السياسي اللبناني الذي يرافق عادة تشكيل المؤسسات في الدولة.
لا يضير الحكومة الجدل السياسي والاعلامي الذي رافق ولادتها. فالمعارضة واحدة من محاسن الديموقراطية ومآثرها اذا احسن المعارضون أداءها. ولا يمكن ان يستقيم حكم في غياب المعارضة الفاعلة التي تشكل الرقيب والحسيب والمحفز للسلطة على العمل وتجنب المطبات. والقضايا اللبنانية العالقة توفر للمعارضين سيلاً من المواد الجاهزة في كل المجالات السياسية والاقتصادية والمعيشية.
الا ان هذه الحكومة بالذات ستكون مكشوفة الغطاء اذا لم تحسن التصرف. وخير غطاء لهذه الحكومة هو الناس بكل شرائحهم وفئاتهم وحيثياتهم، واذا ما فقدت هذا الغطاء فلن تجد من يغطي عوراتها إذا ما تكشفت على الملأ. بيت القصيد في هذا المجال هموم الناس. وباختصار فإن قدرة هذه الحكومة على تأمين الكهرباء 24 ساعة في اليوم، سيكون كافياً لاحتضانها وتأمين الدفء لرئيسها واعضائها والراعين لها، وبالتالي قيامتها ونجاحها.
قد يبدو في هذا الطرح نوع من التبسيط للمشاكل التي يعاني منها لبنان، ولما يفترض ان تواجهه الحكومة في المرحلة المقبلة. لكن هذه الخطوة الرمزية تعني الكثير الكثير للناس في السياسة والاقتصاد والمعيشة والتنمية والبيئة والسياحة.
- في السياسة هي خطوة تعبر بالدرجة الاولى عن رغبة الحكومة في العمل وقدرتها على الإنجاز ونيل الثقة الشعبية بعد الثقة النيابية.
- في الاقتصاد توفر الكهرباء على الناس الكثير من الأموال والنفقات التي تتبدد على المولدات والاشتراكات والمحروقات، كما توفر على الدولة أكثر من مليار دولار تهدر سنوياً كخسائر في قطاع الكهرباء اذا ما احسنت الجباية وقمعت المخالفات.
- في التنمية يمكن تخفيض العجز السنوي للخزينة واستخدام المبالغ الموفرة في مشاريع انمائية يستفيد منها المواطن، فضلاً عن تحسين الأجور والرواتب للموظفين والمستخدمين.
- في البيئة يمكن خفض التلوث الناجم عن دخان المولدات في طول البلاد وعرضها.
- في السياحة يفتح التيار الكهربائي الدائم ابواباً واسعة لتشجيع هذا القطاع في كل المجالات ويشجع المغتربين على قضاء فترات أطول في ربوع بلادهم.
مرة أخرى هي خطوة رمزية في شكلها الخارجي، لكنها كبيرة في معانيها ومضامينها، وتفتح الطريق امام معالجة الكثير من الهموم الشعبية. عندها لن يلتفت المواطن إلى حفلات الزجل السياسي حول الحكومة، ولن يهمه كثيراً إذا ما كانت الحكومة حكومة بشار الاسد ام باراك اوباما. وعندها ستكون الحكومة جدياً حكومة نجيب ميقاتي الذي يفترض ان يكون نفسه طويلاً كما هي قامته.

13‏/06‏/2011

الحكومة اللبنانية الجديدة بالاسماء والمواقع والطوائف والانتماءات

مرسوم رقم 5818
1-   نجيب ميقاتي رئيسا لمجلس الوزراء(سنة)
2-   سمير مقبل نائبا له،(ارثوذكس- رئيس الجمهورية)
3-    طلال ارسلان وزير دولة(دروز)
4-   نقولا فتوش وزير دولة لشؤون مجلس النواب، (كاثوليك- مستقل)
5-   غازي العريضي وزيرا للأشغال(دروز- جنبلاط)
6-    علي قانصو وزير دولة( شيعة –قومي سوري)
7-   علي حسن خليل وزير صحة( شيعة – بري)
8-   محمد الصفدي وزير مالية( سنة- ميقاتي)
9-   محمد فنيش وزير دولة لشؤون التنمية (شيعة- حزب الله)
10-            وائل ابو فاعور وزير شؤون اجتماعية (دروز – جنبلاط)
11-             جبران باسيل وزير طاقة ومياه( موارنة – عون)
12-            حسين الحاج حسن وزيرا للزراعة(شيعة- حزب الله)
13-            شربل نحاس وزيرا للعمل(كاثوليك – عون)
14-            فادي عبود وزيرا للسياحة، (موارنة – عون)
15-            سليم كرم وزير دولة، (موارنة – فرنجية)
16-            علاء الدين ترو وزيرا لشؤون المهجرين،(سنة- جنبلاط)
17-            احمد كرامي وزير دولة،(سنة – ميقاتي)
18-             ناظم الخوري وزير بيئة،(موارنة – رئيس الجمهورية )
19-             فايز غصن وزير دفاع وطني،(ارثوذكس- فرنجية)
20-             شكيب قرطباوي وزير عدل، (موارنة- عون)
21-            عدنان منصور وزير خارجية، (شيعة – بري)
22-            نقولا نحاس وزيرا للاقتصاد والتجارة، (ارثوذكس – ميقاتي)
23-            مروان شربل وزيرا للداخلية، (موارنة- رئيس الجمهورية )
24-            الياس طابونجيان وزير صناعة، (ارمن –عون)
25-            وليد الداعوق وزيرا للاعلام،(سنة- ميقاتي)
26-             بانوس مناجين وزير دولة، (ارمن- عون)
27-            حسان دياب وزير تربية، (سنة- ميقاتي)
28-            غابي ليون وزيرا للثقافة، (ارثوذكس- عون)
29-            نقولا صحناوي وزيرا للاتصالات، (كاثوليك- عون)
30-            فيصل كرامي وزيرا للشباب والرياضة(سنة- كرامي)

06‏/06‏/2011

حـروب المئـة عـام؟

واصف عواضة
السفير 6 حزيران 2011
دامت «الحملات الصليبية» على الشرق نحو قرنين من الزمن. بدأت الحملة الاولى في نهاية القرن الحادي عشر، وانتهت الحملة الاخيرة في نهايات القرن الثالث عشر. ويفضّل بعض المؤرخين استخدام تعبير» الفرنجة» على الغزاة بدل «الصليبيين»، باعتبار ان الصليب المقدس للسيد المسيح براء من الاعمال البربرية التي ارتكبها هؤلاء الغزاة في بلاد المشرق، والتي كان مسرحها بالتحديد تركيا وبلاد الشام ومصر، وكانت القدس الحلقة المركزية في هذا الصراع.
على مدى قرنين من الزمن (وتحديدا 195 عاما) ظلت الحرب بين كر وفر، خاصة على المدن الرئيسية في هذه المساحة الجغرافية، من القسطنطينية الى انطاكيا والموصل ودمشق وطرابلس وبيروت وصيدا وصور وعكا وعسقلان والاسكندرية ودمياط والقاهرة، فضلا عن المدينة المقدسة. وقد تعرضت هذه المدن مرارا لعمليات الابادة الجماعية والسلب والنهب والتدمير الكامل على ايدي المنتصر، بحيث لم يتعفف المسلمون عن ارتكاب مجازر انتقامية وحشية بحق الفرنجة لدى استعادتهم هذه المدن.
خلال هذين القرنين زالت دول وممالك ونشأت اخرى على انقاضها، من السلاجقة الى الفاطميين والايوبيين والمماليك قبل ان تفرض الدولة العثمانية سيطرتها على المشرق، وتذهب بغير رجعة بدولة الخلافة العباسية التي كانت صورية خلال الحملات الصليبية.
ان استعادة متأنية للتاريخ تكاد تنبئ بأن المنطقة على اعتاب مرحلة جديدة من «حرب الفرنجة» التي بدأت مع زوال الدولة العثمانية و«وعد بلفور» ثم احتلال فلسطين وتشريد شعبها، فالحروب العربية الاسرائيلية، الى احتلال افغانستان والعراق، وصولا الى ما نحن فيه الآن من حروب داخلية في معظم دول العالم العربي تحت شعار «الشعب يريد اسقاط النظام»، وما يتخلل ذلك من تدخلات غربية لا تستند الى معايير واحدة وعادلة في التعاطي مع الانتفاضات العربية في وجه الانظمة الحاكمة. تارة مع الشعوب في مصر وتونس وليبيا وسوريا، وتارة مع الانظمة في العراق والبحرين ودول الخليج، وطورا بين بين في اليمن، ودائما مع اسرائيل من دون جدال ولا حساب.
أمام هذا المشهد التاريخي والآني، تنتاب المواطن العربي الذي ما زال يمتلك بقية من عقل وحكمة، حالة من الارتباك في التعاطي مع التطورات التي تشهدها المنطقة. فالانظمة التي تحكمه منذ نصف قرن من الزمن (أقل او أكثر) تحتاج بلا جدل الى الاصلاح وحرية الرأي والديموقراطية وصولا الى تداول السلطة بعد ان زالت الممالك والامبراطوريات من العالم باستثناء فضائه العربي. لكنه في الوقت نفسه يرتاب من المواقف الغربية تجاه مستقبل بلاده والانظمة الجديدة التي يفترض ان تنشأ على انقاض الانظمة التي بدأت تتهاوى، وهو يضرب «أخماسا بأسداس» حيال مستقبل غير مضمون النتائج يقوم على حروب ضروس لا تبقي ولا تذر.
ان قراءة متأنية وتفصيلية لما اصطلح عليه «الحملات الصليبية» او «حروب الفرنجة» خلال القرنين الثاني عشر والثالث عشر، توحي بأن التاريخ يعيد نفسه مشهدا بمشهد، حروبا عسكرية وخلافات بين الدول وثورات على الحكام، وأن المئة عام المنصرمة قد تحتاج الى مئة عام أخرى من الحروب قبل ان تبلغ هذه المنطقة حالة الاستقرار، اذا ما قيض الله للعرب قائدا ملهما ينتشلهم من حالة الضياع فيجمع شملهم ويلم شتاتهم. وفي ظل هذا الافتراض يبدو الحديث عن خرائط جديدة ضربا من البديهيات، بحيث تزول دول وانظمة وتنشأ اخرى على انقاض المدن والبلدات والقرى، بعيدا عن ساحة الغرب التي لن تسلم بالنتيجة من صراعات على النفوذ والخيرات، تماما كما حصل في القرون التي اعقبت الحملات الصليبة .
في المناسبة وفي ظل هذه الصورة السوداوية التي لا تنبىء بالخير، ثمة من يتحدث في لبنان عن «ربيع الموارنة» و«خريف الشيعة» و«الشتاء السني»، في حين يُخشى والحالة هذه، الا يظل في لبنان حجر فوق حجر تتناحر عليه الطوائف اللبنانية الكريمة.

01‏/06‏/2011

رسالة إلى السيد البطريرك

واصف عواضة
السفير 1 حزيران 2011
سيدي صاحب الغبطة البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي الكلي الطوبى.
قرأت بكثير من الغبطة والحبور كلامك يوم الاثنين الماضي، عن أن «اتفاق الطائف ليس كتاباً منزلاً، وأن التجربة بيّنت أن هناك الكثير من الثغرات ولا مانع من التغيير، وإذا كنا بحاجة إلى طائف جديد فلا مانع من ذلك». وقد شددت سيدي على «انه لا يجوز إن نضع قوانين انتخابية على قياس الزعامات»، داعياً إلى البدء بوضع قانون جديد للانتخابات.
كل ذلك كلام حق يراد به الحق. لكن ما استوقفني سيدي، دعوتكم إلى «وجوب إعطاء المزيد من الصلاحيات لرئيس الجمهورية»، وهنا بيت القصيد الذي أجلّك عن الدخول في حيثياته، وأنتم سيد العارفين بأحكام الدستور اللبناني القائم على الرفض والتعطيل والممانعة، بسبب الصلاحيات المعطاة لغير مسؤول في هذه الدولة العلية بغير حساب أو حسيب أو مهل، ونحن اليوم في صلب تبعاتها الكارثية على البلد المكتوف الأيدي أمام التعثر الحاصل في تشكيل الحكومة.
سيدي البطريرك،
أنا المواطن العبد الحقير الذليل، أعصم نفسي عن التوجيه والموعظة لمقامكم الرفيع الذي أجلّ وأحترم. لكنني يا سيدي أحلم بوطن نظيف يسوده القانون والعدل والمساواة بين جميع أبنائه، «لا فضل لعربي فيه على عجمي إلا بالتقوى». لذلك اسمح لنفسي بمخاطبتكم، وقد فتحتم ثغرة في الجدار المغلق منذ عقدين من الزمن على نظام سياسي أثبت عقمه وبات يقود البلد إلى الخراب.
سيدي صاحب الغبطة،
إن العلة في نظام الطائف، الذي توقف به الزمن عند مرحلة معينة، هي بالضبط في تلك الصلاحيات الممنوحة للحكام، رؤساء ووزراء ومجالس وصناديق، وتكاد تشمل الموظفين، والتي تتيح لكل هؤلاء تعطيل عجلة الدولة إلى ما شاء الله. وعليه فإن زيادة الصلاحيات لأي من هؤلاء لا يحل مشكلة بل يمعن في تعقيد الأمور وتعطيل البلاد. وقد أثبتت السنوات العشرون الماضية أن النظام القائم يسير بالبلد نحو الحائط المسدود الذي ترتفع مداميكه سنة فسنة، بحيث بات من المستحيل القفز فوقه أو اختراقه إلا من خلال هدمه عن بكرة أبيه، وهو ما تفضلتم سيدي بالإشارة إليه والتلويح به في حديثكم الأخير. إلا أن تعديل الصلاحيات لهذا الرئيس أو ذاك لا يعني إلا بداية العمل على بناء حائط جديد سوف نجد أنفسنا مضطرين إلى هدمه بعد عقد او عقدين من الزمن.
المشكلة الكبرى في لبنان هي في تفصيل الدساتير والقوانين على مقاس الزعامات والطوائف وليس على مقاس الوطن. وما دمنا مضطرين لهدم الحائط المسدود، فالأولى أن نزيل من الطريق أي مشروع لحائط آخر. ولا يختلف اثنان على ان هذا الطموح يتحقق من خلال دستور يفتح الطريق امام بناء وطن حقيقي يساوي بين ابنائه في الحقوق والواجبات ويعتمد المواطنة سبيلا الى هذا النظام الجديد. ولا يخفى عليكم ان اتفاق الطائف يحمل في طياته بذور الحل من خلال المادة الخامسة والتسعين التي انقطعت بها السبل لغايات وأهداف معروفة.
سيدي صاحب الغبطة،
قد لا يخفى عليكم أن الموارنة باتوا اكثر المتضررين من هذا النظام. ولعل صرخة الوجع التي اطلقتموها تعبر عن ذلك بوضوح، لا سيما إشارتكم إلى صلاحيات رئيسي مجلس النواب ومجلس الوزراء، ومطالبتكم بتوسيع صلاحيات رئيس الجمهورية. ولا يخفى عليكم أيضاً ان هذا الترميم سوف يؤسس لمشكلة جديدة لن تلبث الا ان تظهر بعد فترة وجيزة. فالنظام السياسي القائم لم يعد يحتمل الترقيع لكثرة الرقع في هذا الثوب المهلل البالي.
الفرصة سانحة يا سيدي لكي يتصدر الموارنة مسيرة الإصلاح الحقيقي في البلاد قبل ان تفلت الامور من ايدي الجميع، ويصبح إسقاط النظام الطائفي عنوان الثورة المقبلة، ولكن بعد خراب البصرة. فالموارنة هم حجر الرحى في المعادلة لنقل لبنان من نظام الحصص والمحاصصة الى نظام المواطنة. وفي هذا الطريق نحن وراءك سيدي، وإن أردت فإلى جانبك أو أمامك.
ولكن من نحن؟
بكل تواضع: نحن شعب لبنان المغلوب على أمره بهذا النظام الذي يقودنا يوماً بعد يوم الى التهلكة. والله على ما نقول شهيد.
بكل إخلاص.

تحية الافتتاح