31‏/05‏/2011

لماذا المقاومة؟

 
واصف عواضة
السفير
يأتي رؤساء اميركا الى السلطة عادة بوعود خلابة للشرق الاوسط والصراع العربي الاسرائيلي والقضية الفلسطينية. لكن هذه الوعود تصطدم دائما بالحاجز الاسرائيلي المرفوع في جبينه عبارة تكاد تكون توراتية: "لا دولة فلسطينية مستقلة". لذلك جاء خطاب باراك اوباما امام مؤتمر "ايباك" مؤسفا ومحبطا ومخجلا، اذ لم يستطع "رئيس الرؤساء" ان يصمد اكثر من ثلاثة ايام امام الغضبة الاسرائيلية بعد تلميحه ـ مجرد تلميح ـ الى دولة فلسطينية في حدود العام 1967. هذا الموقف أزعج الراغبين بهذه الدولة ولو على "ظهر حمار"، لكنه بالتأكيد أغبط الحالمين بفلسطين من البحر الى النهر. لم يشذ اوباما عن القاعدة التي اتبعها الرؤساء الاميركيون منذ انشاء الكيان الصهيوني على ارض فلسطين. كل شيء قابل للكلام والتفاوض والتسويات... الا اسرائيل وأمنها. لا أحد يجرؤ على الكلام الذي يجرح شعور اسرائيل عندما يقترب موعد الانتخابات الرئاسية. ولذلك اختار اوباما أهم مناسبة داعمة للكيان الصهيوني ليطلق حملته الانتخابية، لأنه يعرف جيدا ان ما من ابن امرأة في الولايات المتحدة يجرؤ على تحدي "ايباك" ويبقى واقفا على رجليه. على مسافة عشرة ايام مضت على الذكرى الثالثة والستين لنكبة فلسطين، وفي العيد الحادي عشر للتحرير في لبنان، ينظر الفلسطينيون الطيبون في الشتات والداخل حولهم وحواليهم، فلا يجدون بدا من اعادة النظر في عقدين كاملين من التفاوض العقيم مع اسرائيل برعاية اميركية لم تحقق للقضية الفلسطينية سوى المزيد من الاحتلال لارضهم ومقدساتهم ولارادتهم. فها هي المستوطنات تنبت كالفطر في آخر أمل لهم بأرض يقيمون عليها دولتهم المستقلة. وها هو القمع الاسرائيلي يتصاعد قتلا ودما وتدميرا ومزيدا من الاسرى. وها هي القدس الموعودين بها عاصمة لدولتهم تذوي امام اعينهم ومسامعهم. وها هم رؤساء اميركا يطعمونهم آمالا واهية رئيسا بعد رئيس وجيلا بعد جيل. بعد عشرين عاما من المفاوضات يقارن الفلسطينيون البسطاء الشرفاء الانقياء، بعيدا عن قادتهم والناطقين باسمهم، بين التفاوض العقيم والمقاومة المكلفة التي كانوا آباءها وما زالوا من اسيادها. والا ما الذي يجبر حفيد منيب المصري احد اكبر اثرياء فلسطين، على الذهاب الى مارون الراس وهزّ الشريط الشائك ليتلقى رصاصة شبه قاتلة ما زال يعاني من آثارها في المستشفى؟ على الاقل في عصر المقاومة تمكن الفلسطينيون في لبنان من الوصول الى الشريط الشائك في مارون الراس وكادوا يطأون أرضهم على نهر من الدم. صحيح انهم خسروا أحد عشر شهيدا واكثر من مئة جريح، لكن الفلسطينيين توقفوا من زمان عن التعداد. هم يعرفون ان المقاومة مكلفة، لكنها تشعرهم بأنهم ما زالوا احياء كراما، وبأن الأمل لم ينقطع بعد. لماذا المقاومة في فلسطين؟ سؤال وجيه، ولكن السؤال الاكثر وجاهة: لماذا المفاوضات بعد عشرين عاما من الوهم؟ ولماذا المقاومة في لبنان؟ سؤال وجيه ايضا، ولكن هل يعتقدن احد ان الاستقرار على حدود لبنان منذ التحرير هو منّة من اسرائيل؟

15‏/05‏/2011

"شمشون" الداخلية و"دليلة" النظام!

 - واصف عواضة
اذا صح ان وزارة الداخلية كانت العقدة العاقدة لثلاثة اشهر ونصف الشهر في طريق تشكيل الحكومة العتيدة، فإن وزير الداخلية الجديد يفترض أن يتمتع بمواصفات غير تقليدية، كي ينجح في مهمته المستحيلة في هذه الوزارة "ذات السيادة". مطلوب وزير للداخلية يتجاوز زياد بارود في الآدمية والدماثة والحياد والاستقلالية والفصاحة والحنكة والمفهومية والعناد في الحق ونظافة الكف وقوة البأس، فضلا عن العضلات المفتولة التي لا تتوفر إلا في أبطال كمال الاجسام، وغير ذلك من المواصفات التي لا يصح ذكرها إلا في المجالس المغلقة(...). هذه الصفات في رجل الداخلية الاول قد لا تتوفر في لبنان، لأنه يقارب الشخصية الاسطورية "شمشون الجبار". واذا كانت وزارة الداخلية تستأهل في النتيجة كل هذا الصراع ومحضها كل هذه الأهمية، فذلك يعني ان أي حكومة جديدة في المستقبل سوف تقف عند أعتابها وتتوسل رضاها، ما يدعو الى النظر مستقبلا في إمكان تفكيكها أو تفريعها كي لا تظل عقدة العقد في الحكومات المقبلة. وزارة الداخلية في الواقع هي الوزارة الثانية بعد وزارة المالية، التي تدير دفة البلد، بينما الوزارات الأخرى هي وزارات تنفيذية على حد قول العماد ميشال عون. هذه الوزارة تضم اثني عشر جهازا ومديرية مرتبطة جميعها بالوزير شخصيا، وهي: مجلس الأمن المركزي، المفتشية العامة لقوى الأمن، هيئة إدارة السير والمركبات والآليات، جهاز أمن المطار، قوى الأمن الداخلي، الأمن العام، الدفاع المدني، مكافحة المخدرات، المديرية العامة للاحوال الشخصية، المديرية العامة للشؤون السياسية واللاجئين، المديرية العامة للادارات والمجالس المحلية، المديرية الادارية المشتركة. وتتفرع عن هذه الاجهزة والمديريات مهمات الأمن والانتخابات وقوانينها والمحافظين والبلديات والجوازات وبطاقات الهوية والسير والمركبات الآلية وهموم اللاجئين الفلسطينيين وغير ذلك من المهام التي لا تعد ولا تحصى، وكلها مرتبطة بالوزير، ما يعجز عن متابعته بدقة ثلاثة من "الفطاحل". وعليه تتطلب وزارة بهذه المهام الجسيمة تفريعها الى ثلاث وزارات يمكن تدويرها على النحو الآتي: - وزارة الشؤون الأمنية وتهتم بالأمن الداخلي والعام وأمن المطار والسفارات والمؤسسات العامة والخاصة. - وزارة المجالس المحلية من بلديات ومخاتير ومحافظين وقائمقامين. - وزارة الشؤون السياسية والادارية وتهتم بالانتخابات وقوانينها والاحوال الشخصية واللاجئين. وإلا فإن "شمشون" نفسه لن يتمكن من إدارة هذه الوزارة بمهامها الحالية الفضفاضة، خصوصا أن "شمشون الجبار" كانت فيه نقطة ضعف تمكنت "دليلة" من اكتشافها وليّ ذراعه عندما قصّت له شعره وهو مكمن قوته، إلا اذا ارتأى أصحاب الحل والربط في لبنان اعتماد وزير للداخلية حليق الرأس، لكن ضربة الشمس قد تكون قاتلة لهذا الوزير، على أن غزارة شَعر زياد بارود لم تحمه من "دليلة النظام" في لبنان التي تستطيع أن تزرع أكثر من نقطة ضعف في أي وزير للداخلية مهما علا شأوه.

06‏/05‏/2011

دولة «ما شاء الله»!

واصف عواضة- السفير 6 ايار 2011
ما كان لأحد ان يتصور قبل مئة يوم , ان تطول ولادة الحكومة اللبنانية كل هذا القدر من الزمن. فلا الأكثرية الجديدة كانت تتوسل هذا «اليأس والبؤس والويل» الذي عبر عنه الرئيس نبيه بري, ولا الأكثرية السابقة كان يخامرها هذا الأمل والحبور الناجمين عن فشل خصومها في هذه التجربة, على الرغم من بعض الانطباع الذي ساد بعض اركانها منذ اللحظة الاولى.
ربما سها عن بال الكثيرين منذ البداية ان الأكثرية الجديدة ليست فريقاً واحداً موحداً يحكمه خط سياسي واحد. فالرئيس المكلف جاء من وسط سياسي خاصم المعارضة السابقة لأكثر من خمس سنوات, وكذلك وليد جنبلاط وفريقه. اما ما يصطلح على تسميته فريق 8 آذار فهو يحتضن ايديولوجيات متنوعة تجمع بينها بعض القواسم المشتركة التي ما تفتأ ان تتداعى امام النظرة الى طريقة ادارة الحكم. وبالتالي لم يكن أحد يتوقع ان ينهض رئيس الجمهورية الى ممارسة صلاحيته الوحيدة بمثل هذا الإصرار.
كما سها عن بال الكثيرين ان الحكومات في لبنان كانت وما تزال حكومات ائتلافية تراعي تمثيل الاحزاب والكتل والطوائف والملل, تحت ستار ديموقراطية واهية. وليس من السهولة بمكان تركيب حكومات منسجمة تمام الانسجام, على غرار حكومات الحزب الواحد في الدول الديموقراطية والذي يفوز بالغالبية في الانتخابات يشكل حكومته سلفاً, وربما يخوض الانتخابات على اساسها, كما هو حاصل في بريطانيا او تركيا او معظم دول اوروبا وآسيا والغرب عموماً.
وسها عن بال الكثيرين أيضاً وأيضاً أننا في بلد تحكمه ديموقراطية سقيمة, لا هي بالنظام البرلماني الكامل ولا بالنظام الرئاسي الشامل, بل هي نتيجة اعراف وتسويات انتجت دستورا فيه من العلل ما يميزه سلباً عن دساتير كل الدول المحترمة وغير المحترمة.
لسنا إذن في ازمة دستورية عابرة, ولا في أزمة حكم موسمية. نحن امام «أزمة دستور» دائمة نتيجة العلل الناجمة عن غياب المهل عن تركيب السلطات, بحيث يتيح لأكثر من مرجع تعطيل الدولة الى ما شاء الله اعتماداً على الصلاحيات الممنوحة له. كما يتيح هذا الدستور للخارج ان يتحكم برقاب اللبنانيين في غياب المهل الزاجرة.
يستطيع رئيس الدولة, رئيس الجمهورية, تعطيل تشكيل الحكومة الى «ما شاء الله» من دون حسيب او رقيب. يستطيع رئيس مجلس النواب تعطيل البرلمان والمشاريع الواردة اليه الى «ما شاء الله», طالما يمتلك الثلث المعطل الذي يحميه من الإقالة. يستطيع رئيس الحكومة تعطيل مجلس الوزراء ومنعه من الانعقاد الى «ما شاء الله» طالما هو مدعوم بأكثرية برلمانية ووزارية. يستطيع اي وزير ان يعطل قانوناً او مرسوماً لا يقارب مزاجه الى «ما شاء الله». يستطيع اي سفير ان «يمون» على مسؤول ما الى «ما شاء الله». فأي نظام هذا هو الذي يقوم على التعطيل من دون مهل محددة تمنع الاستئثار بمسار الدولة الى «ما شاء الله»!
باختصار ومع كامل الاحترام: هذه ليست دولة... إنها دولة «ما شاء الله»!

تحية الافتتاح