04‏/07‏/2013

جنازة الطائف في عهدة الطوائف

واصف عواضة- السفير الاربعاء 3 حزيران 2013
لم يعد من مجال لدفن الرؤوس في الرمال أو الاختباء وراء الأصابع. لقد مات اتفاق الطائف رسميا يوم الاثنين الماضي، وبات على اللبنانيين بلا أسف، تحضير جنازة له، ليس بالضرورة ان تكون لائقة، لأنه لم يكن على مستوى الآمال التي انعقدت عليه بعد تعطيل وتجاهل أبرز بنوده الآيلة الى إلغاء الطائفية السياسية.
مات الطائف وانتهت معه الجمهورية الثانية، وبات على اللبنانيين البحث عن جمهورية ثالثة تليق بدولة، «قبل أن يفتشوا عن وطنهم في مزابل التاريخ»، على حد قول الإمام موسى الصدر قبل نصف قرن من الزمن. فالدولة التي هي عماد الوطن ليست حكماً وحاكمين، بل هي مؤسسات يفترض أن ترتفع فوق السياسة والسياسيين، وهو ما تعتمده البلدان الراقية المستقرة. فأين لبنان من هذه الدولة وهذا الوطن؟
لقد تعطلت، أو تكاد، جميع مؤسسات الدولة الأساسية، ولم يعد من مؤسسة جامعة تستطيع التفاخر على أختها. رئاسة الجمهورية لا تملك من الصلاحيات الدستورية ما يسمح لها بالضرب على الطاولة وتصحيح المسار. مجلس النواب آيل الى التعطيل بفعل المشاحنات حول دستورية الجلسات. الحكومة مستقيلة وفي حالة تصريف الاعمال، ولا أفق واضحا لتشكيل حكومة جديدة. قيادة الجيش نحو الفراغ بعد تقاعد معظم أعضاء المجلس العسكري. قيادة قوى الأمن الداخلي يديرها وكيل الوكيل. المجلس الدستوري في إجازة بعد سطوة الطوائف عليه... والحبل على الجرار.
ليس ذلك إلا نتيجة حتمية للنظام الطائفي الذي كرّسه اتفاق الطائف القائم على الرفض والتعطيل. ففي ظل هذا النظام صارت كل طائفة تمون على أبنائها في مؤسسات الدولة، من النوّاب الى الحجّاب، وباتت مؤسسات الدولة المحسوبة على الطوائف تحفر القبور بعضها لبعض، أو تقيم المتاريس العالية في ما بينها. الكل يلقي المسؤولية على الكل، والبعض يحاضر في عفاف فقده من زمان ولم يعد لديه من شمّاعة يعلق عليها تراكمات العقود الماضية غير «حزب الله» وتدخله في سوريا. أخطأ الحزب أو أصاب، فقد فعلها بالأمس، لكن أزمة النظام في لبنان عمرها من عمر الاستقلال.
لبنان بحاجة الى نظام جديد يقوم على المواطنة، ومن دون ذلك لا يتأملن أحد باستقرار. لم يعد في قدرة الطوائف إنتاج تسويات دائمة في ظل النظام الحالي. وواهم من يعتقد أنه يمكن بناء دولة ووطن على أنقاض هذا النظام. وليس بالضرورة أن ينقلب اللبنانيون على نظامهم البائد بين ليلة وضحاها، فالألف ميل تبدأ بخطوة الى الأمام، فيما لبنان يسير كل يوم خطوات الى الوراء.
قد يصح القول في هذه المرحلة ان الهم العالمي اليوم في مكان آخر، وان لبنان ليس جزيرة معزولة في منطقة ملتهبة، وأن ما تشهده هذه المنطقة من تطورات، خصوصا في مصر وسوريا، أكبر من أن يلتفت أحد لنظام هذا البلد الصغير، لكن الصحيح ايضا ان نظام الطائف الذي مات سريرياً منذ فترة طويلة، بات اليوم فعليا في عداد الأموات، ومن المعيب وضع هذه الجثة في البراد، لأن إكرام الميت دفنه، كي لا يبقى أمل لدى المتمسكين به في إعادة إحيائه أو الرقص فوق جثته التي تتعفن يوما بعد يوم.

تحية الافتتاح