31‏/10‏/2011

حيـث تـرعـى الغـزلان

واصف عواضة
السفير 31 ت1 2011
لم يعد الحديث عن الحوار والمصالحة بين السنّة والشيعة ضربا من الترف الفقهي والمذهبي بين الشريحتين الكبيرتين في الطائفة الاسلامية، بل أمسى ضرورة سياسية تستدعي المسارعة الى طرحها عمليا ليس على المستوى اللبناني الضيق، بل على الصعيد العربي والعالمي الاوسع، قبل ان تستفحل الأزمة ويتطاير شررها بفعل فاعل، ليحرق الكثير من المناطق المختلطة.
ليس في هذا الكلام شيء من المبالغة. ومن يتنازل ويرصد بعض المحطات التلفزيونية والاذاعات والمواقع الالكترونية المتنامية كالفطر، ثم يراقب المواقف السياسية والروحية لبعض مدعي العلم والفقه والمعرفة، يشعر بالنار الكامنة تحت الرماد. ولا يمنع ذلك من الاقرار بأن غالبية المسلمين في العالم تنبذ هذا التوجه، لكن الرائج ان تفاحة واحدة فاسدة تضرب سلة بكاملها.
وما من شك ان ما يسمى «الربيع العربي» أسهم الى حد كبير في تأجيج حالة الحذر بين السنّة والشيعة، وهي تتفاقم يوما بعد يوم لترتفع الى مستوى التوتر الشديد. وليس سرا ان اصطفاف غالبية الشيعة الى جانب النظام السوري وغالبية السنة الى جانب النظام في البحرين، فاقم في تصاعد حدة التوتر، على الرغم من اصطفاف الطرفين بصورة شبه اجماعية الى جانب الثورات في مصر وتونس وليبيا.
وليس سرا ايضا ان الجمهورية الاسلامية الايرانية هي الشماعة التي يعلق عليها الكثير من أهل السنة أسباب التوترات في العالم العربي بين المعتقدين الاسلاميين.
في المحصلة واهم من يعتقد ان طرفا من الفريقين قادر بعد على إلغاء الآخر، على الرغم من حملات التحريض والفتاوى المشينة التي تصدر من هنا وهناك وهنالك، تغذيها بعض الدوائر الدولية لأهداف سياسية لا تخفى على أحد.
فمهما قيل في «الخطر الايراني المحدق بالعالم العربي»، لن تستطيع طهران ابتلاع او تشييع اكثر من مليار سني في العالم، ولا هي قادرة على احتلال العالم العربي من محيطه الى خليجه حتى لو كانت لديها نيات «فارسية « جامحة. ومهما تعاظمت حملات التحريض على ايران وحلفائها، ليس في مقدور أحد ابادة اكثر من ثلاثمئة مليون شيعي في العالم، ولو صدرت ألف فتوى بتكفيرهم، على غرار ما حصل في ازمان بائدة.
هي اذن ليست حربا إلغائية. انها حرب باردة خطيرة جدا تعبر عن نفسها بثقافة تباعدية اكثر خطورة، تواكبها بعض حالات الانعزال والانزواء والهجرات الطوعية والقسرية احيانا، على طريق الفتنة الكبرى التي تستحضر حرب الجمل ومعركة صفين من اعماق التاريخ.
حيث ترعى الغزلان بين السنة والشيعة، مطلوب مبادرة سريعة يتنكب لها العقلاء في العالم الاسلامي، بالدعوة الى حوار صريح تتبعه مصالحة حقيقية تقوم على تفاهم وثوابت لا تحتمل التأويل.
ولعل من الحكمة ان يتولى مؤتمر القمة الاسلامية هذه المهمة ويخرج بقرارات تاريخية تطمئن الجميع. والاولى ان تبدأ طهران خطوات جريئة باتجاه محيطها العربي والخليجي على وجه التحديد، لتطمين دوله وساسته وشعوبه وسحب الذرائع من ايدي المبشرين بالفتن في العالم العربي وخارجه.
ومن لبنان ثمة خطوة مكملة لذلك تقوم على عاتق «حزب الله»، تتجاوز الحالة اللبنانية الضيقة، عبر حوار جدي ووصال لا ينقطع مع الحركات الاسلامية الناشطة في العالم العربي، وهو بدأ خطوات خجولة في هذا الاطار، لكن المطلوب تفعيلها وتطويرها كي تحاكي المستجدات الاخيرة، ولكي تعود صورة السيد حسن نصر الله الى البيوت العربية، مشرقا ومغربا، تماما كما كانت لسنوات خلت. ولا يعفي كل هذا حركة «حماس» بالذات من مسؤولية سياسية وأخلاقية بتعبيد الطريق أمام هذه المبادرة التاريخية.

25‏/10‏/2011

أي لبنان في عصر الإسلام السياسي؟

واصف عواضة
السفير -25 ت1 2011
ليس في مقدور لبنان بعد الآن ان يتباهى بأنه «الواحة الديموقراطية» الوحيدة في الوطن العربي، ولا ان يباهل أحدا بفرادته وميزته التي بنى عليها أمجادا تليدة في هذا الشرق الذي يشهد تحولات تاريخية تخرجه من عصر الانظمة الاستبدادية الى النظم الديموقراطية التي ستكون بالتأكيد، ولأكثر من سبب، أقل سوءا من الديموقراطية اللبنانية العريقة.
غير ان هذه الديموقراطيات الناشئة والمحفوفة بالحذر، تلبس رداء قد يرفع من حدة الهواجس لدى بعض اللبنانيين، سواء الذين ينشدون الدولة العلمانية، او اولئك الذين يحلمون باستعادة دور يقولون انه كان قائما في الماضي، وقد اسهم في اطلاق النهضة العربية القديمة، ويريدون المساهمة في النهضة الجديدة . فهل غاب عن بال هؤلاء ان الديموقراطيات العربية الوليدة، كلها يغلب عليها طابع الاسلام السياسي وعصره الممهور ببركة الغرب العلماني الذي يقول البطريرك الماروني بشارة الراعي انه ابعد الدولة عن الدين، بدل ان يبعد الدين عن الدولة.
ها هي تونس تشهد اول انتخابات نظيفة في تاريخها، لكنها تخرج من نظام أوغل في العلمانية حتى خالف الشريعة الاسلامية في بعض مضامينها، الى نظام تتصدره «حركة النهضة» الاسلامية التي يقول رئيسها راشد الغنوشي انها ستكون منفتحة.. ولكن العبرة في التنفيذ.
وها هو رئيس المجلس الانتقالي الليبي مصطفى عبد الجليل يعلن تحويل ليبيا الى دولة تلتزم الشريعة الاسلامية، آخذا على عاتقه في خطاب التحرير اباحة الزواج الرباعي وإلغاء الفوائد الربوية في المصارف.
وها هم «الاخوان المسلمون» في مصر يعلنون انهم لن يستأثروا بالسلطة، في اشارة الى انهم قادرون على ذلك، ولا شيء يضمن عدم فوزهم الساحق في الانتخابات المقبلة وإدارة شؤون البلاد وفق الشريعة الاسلامية التي تترك مكانا للآخرين.. ولكن بحدود.
وها هو «حزب الدعوة» في العراق يحكم البلاد بزعامة نور المالكي، مهما قيل في تنوع النظام العراقي وتعدديته. اما الانظمة التي لم تتهاو بعد فإن منتفضيها يرفعون بلا مواربة راية الاسلام، من الاردن الى سوريا واليمن وموريتانيا، فضلا عن السودان الذي يتجلبب نظامه بالشريعة، وكذلك المغرب الذي يحكمه امير المؤمنين وخليفة المسلمين. وتبقى دول الخليج كتحصيل حاصل في هذا المضمار.
في ظل هذا الزمن العربي، زمن الاسلام السياسي المنبهر بالتجربة التركية، يجد لبنان نفسه على مفترق طرق. فالمسلمون فيه، شيعة وسنة، يتأثرون دائما بمحيطهم العربي وبالتطورات التي يشهدها، ولا شيء يضمن في المستقبل عدم بروز قيادات تكسر قاعدة التعايش الراهنة القائمة على المناصفة، مهما غالت مرجعياتهم اليوم في تأكيد هذه القاعدة والتمسك بها.
اما المسيحيون اللبنانيون فمن حقهم اليوم ان يقلقوا. لكن التعبير عن هذا القلق يتفاوت بين رؤية عقلانية يطرحها البطريرك الراعي، ونظرة حالمة تريد «استعادة دور المسيحيين التاريخي في الشرق والمساهمة في اطلاق نهضة عربية».
قد يكون من المبكر استشراف المستقبل، لكن التحسب له ضرورة راهنة بالنسبة للمسيحيين اللبنانيين على وجه الخصوص، حيث ضمانتهم الأكيدة في تفاهمهم أولا مع شركائهم في الوطن، قبل القفز الى الاسهام في النهضة العربية المغلفة بألف سؤال وسؤال. والله من وراء القصد.

19‏/10‏/2011

إلى أجمل الأمهات

واصف عواضة
كان مشهداً رائعاً ذلك الذي حضر في غزة ورام الله أمس في استقبال قوافل الأسرى الفلسطينيين العائدين من ظلمة السجون الى نور الحرية.
عذراً... لا يستطيع أن يقدّر أو يفهم حقيقة هذه اللحظة اكثر من الأسير وأهله، خصوصا تلك الأم التي انتظرت ابنها طويلاً وعاد..هي أجمل الأمهات التي انتظرت ابنها، لكنه لم يعد مستشهداً.
ما زلت اذكر جيداً ذلك اليوم الذي خرجت فيه من الأسر الاسرائيلي في تموز عام 1973 بكل بهجته ومشاعره.لكن ما يعلق في داخلي منذ ثمانية وثلاثين عاماً، ذلك الصباح الاول من الحرية الذي أفقت فيه مذعوراً وأنا أجد والدتي تنام عند قدمي, وقد احتضنتهما بكل حنان الأم وشوقها الى وحيدها.عانقتها طويلاً وبكيت وبكت وانهمرت دموع اشعر انها ما زالت عالقة على خديّ حتى اليوم.
وأخبرني الزميل والصديق حلمي موسى عن ليلة الإفراج عنه بعد سنوات الأسر الطويلة، اذ وصل الى منزل ذويه في غزة بعيد منتصف الليل، فقامت والدته من توّها وعمّرت «مِقلى السمك» في تلك الساعة المتأخرة من الليل، لأنها تعرف ان حلمي يحب السمك المقلي، فلم تتأخر عن تلبية رغبته المكبوتة.
عشرات الأمهات في غزة ورام الله انتظرن ابناءهن أمس بتلك المشاعر الفياضة. وعشرات الأسرى في الوقت نفسه عادوا فلم يجدوا أمّا في انتظارهم، لأن القدر خطفها في غيابهم، قبل ان يولدوا من جديد. لكن كل أم فلسطينية كانت تشعر امس انها والدة أسير. كل الأمهات الفلسطينيات في الوطن والشتات بكين أمس دموع الفرح. كل الآباء شعروا من جديد بالأمل. كل المقاومين الفلسطينيين راودتهم أمس نوبة التحرير والحرية. لم ينغصّهم بالطبع كلام نتنياهو وباراك وكل ما فيه من حقد اسود. كل الفلسطينيين في الداخل كانوا يصرخون في داخلهم مع الصديق الشاعر حسن عبد الله والفنان مارسيل خليفة.. يهتفون لأجمل الامهات:
صامدون هنا
قرب هذا الدمار العظيم
وفي يدنا يلمع الرعب في يدنا
في القلب غصن الوفاء النضير...
صامدون هنا... صامدون هنا
باتجاه الجدار الأخير
وفي يدنا يلمع الرعب في يدنا
في القلب غصن الوفاء النضير
صامدون هنا... صامدون هنا

17‏/10‏/2011

زيادة الأجور «زواج بالإكراه»

واصف عواضه
ليس مفهوما حتى الآن لماذا تصر الحكومة على مضمون قرارها زيادة الاجور، رغم معرفتها الكاملة رئيسا ووزراء، بأنه مضمون خاطئ وظالم وغير عادل، ويسبب خللا في البنية التنظيمية للهيكلية الوظيفية، في ما يتعلق بالرواتب التي تزيد عن مليون وثمانمئة الف ليرة وتقل عن المليونين ومئة ألف. ولعل أغرب ما قيل في تصحيح هذا الخلل، ما ذكره وزير المالية بأن هذا الأمر يعالج لاحقا بين العمال وأرباب العمل، في وقت ترفض الهيئات الاقتصادية الزيادة جملة وتفصيلا، حتى ليصح هنا المثل الشعبي المخجل: «يا طالب الدبس...».
الكل يعرف ان قرار الحكومة اتخذ على عجل في عتمة الليل تحت ضغط الاضراب الذي هدد به الاتحاد العمالي العام، وكان ثمة تخوف أفصح عنه الرئيس نبيه بري لاحقا، من اعمال شغب سترافق الاضراب وتضرب الاستقرار في البلد «القاعد على كف عفريت». لكن كانت ثمة فرصة لتصحيح الخلل بعد تعليق الاضراب وخلال جلسة مجلس الوزراء مساء الاربعاء الماضي في قصر بعبدا، خاصة بعدما تكشفت الامور بشكل واضح أمام الحكومة، وعوّل الجميع على الجلسة، ولكن من دون جدوى وبقيت الحكومة على موقفها.
والواضح ان قرار زيادة الاجور يشبه «الزواج بالاكراه». فالعريس متحفظ، والعروس رافضة، والاشقاء غير متحمسين، والجيران ينصحون. وحدهما والدا العروسين مصران على عقد القران لغاية في نفس يعقوب، ومن دون شرح او تفسير المبررات، رغم معرفتهما المسبقة بأن هذا الزواج لن يفضي الى حياة هانئة وسعيدة، ويشكل بالتالي سابقة كارثية على «العشيرة».
في أي حال الفرصة ما تزال سانحة للتصحيح قبل صدور المرسوم وفرضه على الجميع، وما قد يترتب على ذلك من مراجعات لدى مجلس شورى الدولة قد تفضي الى كسر القرار الحكومي. وثمة سبيل واحد الى ذلك، يتلخص في التراجع عن قرار الزيادة جملة وتفصيلا، والعودة الى المشروع المتطور الذي اعده وزير العمل شربل نحاس، ووضعه جديا على طاولة النقاش، على ان يُعطي الاتحاد العمالي العام والهيئات النقابية فرصة جديدة للحكومة لاتخاذ القرار الصائب الذي يرضي جميع الاطراف. والتراجع عن الخطأ ليس عيبا بل هو من باب الفضيلة التي تشرّف الحكومة والاتحاد العمالي معا. وليس غريبا على الرئيس نجيب ميقاتي ان يعتمد الحكمة سبيلا الى صون الحكومة والبلد معا، وهو يعرف سلفا ان الزواج بالاكراه لا يجوز شرعا.
وفي كل الاحوال، لم يكن ينقص الاتحاد العمالي الا هذا الارتباك ليثبت ان صلاحيته قد انتهت، تماما كما تنتهي صلاحية المواد الغذائية بتقادم الزمن. ولعل من باب الفضيلة الاعتراف بذلك، على الرغم من المعطيات السياسية التي تحكم مسيرته وتحمل العقلاء على طلب الغفران له. لقد انتهج الاتحاد على حد قول رئيسه قاعدة «خذ وطالب»، وهي قاعدة مشروعة في العمل النقابي، لكنه اكتشف وسيكتشف اكثر انه لم يأخذ سوى كرة نار ستحرق أصابعه، وقد تحرق البلد مستقبلا بفوضى اجتماعية ومعيشية لن ينجو منها أحد.

03‏/10‏/2011

القلـق البطريركـي

واصف عواضة- السفير 3 ت1  2011
كان مؤسس «الكتائب» الراحل الشيخ بيار الجميل يردّد مقولة ثابتة مؤداها: «لا تقل للمسيحي لا تخف، بل أمّن له الضمانة كي لا يخاف» وكان خصوم الكتائب وحلفاؤها يسخرون دائماً من هذه المقولة التي باتت خبزاً مملاً للشيخ بيار في التصريح اليومي المنسوب اليه في اذاعة «صوت لبنان»، لكن هذه المقولة كانت واحدة من الذرائع التي دفعت «الكتائب» للجوء الى إسرائيل والتعاون معها وتسهيل أكبر حروبها في لبنان، واختراق النسيج اللبناني بصورة مكلفة ما تزال تداعياتها قائمة حتى الآن.
اليوم ثمة من ينسج مقاربة بين مقولة الشيخ بيار ومواقف البطريرك الماروني بشارة الراعي القلق على مصير المسيحيين في لبنان والمنطقة، وان بصورة معاكسة لكن المفارقة ان من يقارب في هذا الأمر هو من خارج البيت الكتائبي وامتداداته في الصف المسيحي ويستدعي هذا الواقع نوعاً من المصارحة تقود الى فهم سيد بكركي ورؤيته المستقبلية للشأن المسيحي في المشرق.
لعله من المبالغة القول إن رؤية الراعي تنطلق من خوف على مستقبل النظام السوري و«حزب الله» بقدر خوفه وقلقه على المسيحيين في سوريا ولبنان والمشرق، فالبطريرك مار بشارة الراعي لا ينقلب على مواقف المطران بشارة الراعي، راعي ابرشية جبيل وتوابعها، بل هو يقرأ في كتاب التطورات التي تشهدها المنطقة منذ نهاية العام المنصرم، مستفيداً من الاحداث التي شهدها العراق منذ الغزو الاميركي لهذا البلد.
إن التعمق قليلاً في رؤية البطريرك يفضي الى تحليل منطقي على النحو الآتي:
1- ان سوريا تشهد احداثاً تاريخية مرتبطة بما يسمى «الربيع العربي»، وهي ستقود الى احد احتمالين: اما صمود النظام وخروجه قويا من هذه المعركة، او انهيار النظام وتقسيم سوريا الى دولتين متناحرتين على الأقل، واحدة سنيّة واخرى علوية. في الحالة الاولى سوف يحفظ النظام مسيحيي سوريا الذين يربو عددهم على المليونين، تماماً كما حفظهم خلال العقود الاربعة الماضية وربما طوال حكم حزب البعث الذي اسسه المسيحي ميشال عفلق، اما في الحالة الثانية فلا ضمانة لمسيحيي سوريا بين جماعتين مسلمتين متصارعتين، تماما كما حصل في العراق الذي هجره اكثر من مليون مسيحي نتيجة هذا الصراع. وقد كان النائب البطريركي العام المطران سمير مظلوم واضحاً وصريحاً في مقابلة تلفزيونية قبل اسبوعين، عندما رأى ان الدولة العلوية في سوريا جاهزة وقائمة في حال انهيار النظام، تقابلها دولة لها الطابع الاسلامي السني ولم يقل المطران مظلوم ان المسيحيين سيذهبون «فرق عملة» بين الدولتين، لكن هذا المصير يقرأ من عناوين الكلام المباح والواضح ان البطريرك اختار الاحتمال الاول، على الرغم من الثمن السياسي المفروض على هذا الخيار.
2- في الشأن اللبناني يبدو ان البطريرك يقرأ في الكتاب نفسه فـ«حزب الله « حليف النظام السوري، اثبت بالتجربة انه حليف مخلص ووفي للمسيحيين، خاصة ان مهادنته ومصالحته اقل كلفة بكثير من مكاسرته ومخاصمته، وان استقرار لبنان في المرحلة المقبلة متوقف على التفاهم بين طوائف لبنان كافة، وبالتحديد مع المجموعة الشيعية، وبعكس ما كان يتصور سلفه.
لقد اختار البطريرك الطريق الأقل كلفة للمسيحيين في لبنان والمشرق، في معادلة دقيقة بين الاتزان والتهور، مدعوماً كما يبدو من الكرسي الرسولي في الفاتيكان، وغامر بعلاقته مع الغرب الاوروبي والاميركي الساعي لإسقاط النظام السوري و«حزب الله»، متجاوزاً «الحالة الثورية» التي ما تزال تراود قسماً من المسيحيين في لبنان. صحيح انه موقف جريء، لكن نسبة التعقل فيه أكبر من نسبة الجرأة.

تحية الافتتاح