13‏/06‏/2012

سيناريو السلاح المنظم

واصف عواضة
السفير 13 حزيران 2012
رسمت الجلسة الأولى من جولة الحوار الرابعة خريطة طريق واعدة، أعدها مهندس بارع، بحيث يمكن البناء عليها إذا ما صفت النيات السياسية، وأدرك الفرقاء جميعا ان لبنان في خطر فعلي، وأن الهيكل عندما ينهار، يسقط على رؤوس الجميع.
نظريا نجح الحوار، لكن الأهم من ذلك أن ينجح عمليا من خلال تحصين البلد ودرء المخاطر عنه، وهذا يتطلب نفسا طويلا وحكمة نافذة وتعقلا موصوفا. فالبنود السبعة عشر التي تضمنها «إعلان بعبدا»، والتي لقيت إجماعا من أقطاب الطاولة، دونها ألغام كثيرة يفترض تخطيها بعناية فائقة، لكن أبرزها وأكثرها تباينا بين فريقي الأزمة، هو موضوع السلاح المطروح أمام المتحاورين في الجلسة المقبلة، فإذا تمكنوا من تخطيه بالتفاهم والتضامن أمكن القول إن مسافة لا يستهان بها من مسيرة الألف ميل قد تم تجاوزها.
يستدل من الأجواء السائدة أن الأمر بسيط جدا بقدر ما هو معقد وجليل. والمدخل إليه لا يحتمل الجدل العقيم السائد منذ السابع من أيار 2008 عندما خرجت الى العلن ظاهرة الحديث عن سلاح المقاومة كسلاح ميليشياوي يجب نزعه وتسليمه للجيش اللبناني. فالتفاهم على السلاح لا يحتمل الخيارات المتعددة. ثمة خيار واحد يقوم على السيناريو الآتي:
يوضع السلاح نظريا على الطاولة. يفرز سلاح الزواريب في جانب وسلاح المقاومة في جانب آخر. أما الأول، فلا مجال للبحث في ضروراته ولا التفاوض على وجوده من عدمه. ذلك ان من يحرص على الاستقرار، لا يمكن ان يجادل في سلاح الزواريب اينما كان، وحيثما كان، وبيد من كان، بدءا من الضاحية الجنوبية وبيروت وانتهاء بطرابلس، مرورا بكل شارع وحي ودسكرة على امتداد الاراضي اللبنانية.
وحده الجيش والقوى الأمنية الشرعية من يحق لهم حمل السلاح واستخدامه وتنظيمه للضرورات الوقائية. وعندما يتم التوصل الى اتفاق كهذا يمكن الانتقال الى الجانب الآخر من الطاولة.
في سلاح المقاومة، ما من أحد يمكنه الجزم بأن هذا السلاح غير قابل للبحث، ولكن على قاعدة منطقية تعتمد مبدأ الضرورة والسببية، فإذا ما زال السبب تزول حجة المسبِّب. فالأمن الحدودي الذي ينعم به الجنوبيون خاصة واللبنانيون عامة ليس منّة اسرائيلية، بل هو توازن الرعب الذي فرضته المقاومة وسلاحها على إسرائيل، ومن يجادل في هذا الموضوع، انما يكون ذلك من باب النكد لا أكثر ولا أقل.
بناء عليه، ليس محرما لدى المقاومة وجمهورها تنظيم هذا السلاح (وهو في الأساس منظم اكثر مما يتصور البعض)، ولكن من باب تأكيد المؤكد، وفق استراتيجية دفاعية ليس صعبا التفاهم عليها. وعندما يصبح الجيش اللبناني قادرا على حمل هذه الأمانة الثقيلة، فإن أهل المقاومة ليسوا من أبناء ثقافة الموت كما يحلو للبعض الادعاء.
ان الخلط بين سلاح المقاومة وسلاح الزواريب عنصر إفشال للحوار، ولن يصل الى نتيجة من يضع هذا السلاح في مقابل ذاك.عندها يستطيع اي فلاح جنوبي ان يجهر على الملأ بالقول «ان حزب الله لا يملك وحده حرية التصرف بهذا السلاح. انه سلاح الجنوبيين والشرفاء وأهالي الشهداء اينما كانوا.ان المقاومة تمون على دمائنا، لكنها لا تمون على اعادتنا الى الوراء، الى زمن الاحتلال والإذلال».

11‏/06‏/2012

سلطة بلا استقرار ام استقرار بلا سلطة؟

واصف عواضة
السفير 11 حزيران 2012
مع النسخة الرابعة من مؤتمر الحوار الوطني، اليوم، على قوى الرابع عشر من آذار، وتحديدا حزبها الأبرز تيار «المستقبل»، المفاضلة في المرحلة المقبلة بين خيارين: إما ان تتولى السلطة في غياب الاستقرار، او تؤثر الاستقرار بعيدا عن السلطة.
هذه المعادلة ليست من باب التحذير والتهويل بقدر ما هي من باب الاستشراف والتحليل، استنادا الى المعطيات المتوفرة في لبنان وفي الجوار، خاصة بعد ان ربطت «ثورة الارز» مستقبل البلد بمصير النظام السوري، وصار من البديهي القول ان لبنان لن يقرب الاستقرار في ظل اضطراب الوضع في سوريا، الا اذا ارتد «عقل الرحمن» الى الرؤوس اللبنانية الحامية.
بداية ماذا عن آفاق الواقع السوري؟
يرسم المتابعون ثلاثة سيناريوهات للمستقبل السوري، لكنها مفتوحة على أزمنة غير محددة:
الأول، يفترض احتمال الحسم لصالح احد طرفي النزاع، النظام والمعارضة، وهو أمر مستبعد في المدى النظور. ففي حين تحافظ المؤسسات العسكرية والأمنية والادارية السورية على الحد الأقصى من التماسك وراء النظام، يبدو بحسب المتابعين ان المعارضة المسلحة تزداد عدة وعددا وتسليحا وتمويلا، ولم يعد امامها من خيار الا القتال حتى النفس الأخير او النصر، وهي تحتمي في الاحياء الشعبية حيث يجد الجيش السوري نفسه أمام حرج الحسم العسكري بالحديد والنار من دون إراقة الكثير من الدماء.
السيناريو الثاني يقوم على توافق يفضي الى تفاهم دولي، وتحديدا بين الروس والاميركيين، على صيغة تخرج سوريا من جحيم البارود والنار، الا انه على الرغم من الحديث المتنامي عن هكذا تفاهم فإن المتابعين لا يرون أفقا جديا او حقيقيا للصيغة التي يمكن ان يرسو عليها الحل، بعد تشابك المصالح الدولية وتنافرها حول المستقبل السوري.
السيناريو الثالث يقوم على افتراض الأسوأ الذي تنتظره سوريا، وهو حرب أهلية طاحنة باتت الساحة مهيأة لها، مع ما ينتج عن ذلك من خراب ودمار وتفكك يفضي في الخلاصة الى الفرز والتقسيم.
والواضح ان السيناريوهات الثلاثة مشرّعة على الوقت. ويعرف اللبنانيون جيدا معنى هذا الكلام، اذ امتدت حربهم الطويلة خمسة عشر عاما قبل التوصل الى اتفاق الطائف، ولم تنته ذيولها بعد. وعليه يبدو ربط المستقبل اللبناني بالمصير السوري كمن يكبل يديه بالاغلال ويرمي المفاتيح في البحر. وليس سرا ان الحرب الدائرة في سوريا، والقائمة على معادلة «إما قاتل أو مقتول»، لن توفر لبنان من نقمتها، بعدما تهيأت الساحة اللبنانية لمثل هذا المصير القاتم.
من هنا يبدو الحوار فرصة ثمينة للبلد عموما، ولقوى 14 آذار خصوصا، للخروج من كارثة محققة، من خلال اعتماد خيار الاستقرار ومقاربة النأي بالنفس عن الرمضاء السورية الى أبعد الحدود، والتخلص من غلواء شهوة السلطة على قاعدة «علي وعلى اعدائي».
ثمة خيار ثالث قد تكون هذه القوى اكثر ميلا اليه في هذه المرحلة، ويقوم على قاعدة «لا سلطة ولا استقرار». الا ان هذا الخيار مكلف جدا على البلد وعلى الاقتصاد الوطني الذي تتمركز قوته الاساسية في ايدي هذا الفريق، بدءا بـ«السوليدير» وليس انتهاء بالمصارف، وعليه ستكون الخسائر كارثية بنسب متفاوتة جدا بين فريقي الأزمة في لبنان.

07‏/06‏/2012

المؤتمر التأسيسي و«حبال الهواء»

واصف عواضة
السفير 6 حزيران 2012
لا يتوهمن أحد أن جلسات الحوار الموعودة ستنتج حلولا جذرية لأزمات لبنان المزمنة، لكن المأمول منها اذا ما انعقدت، أن تفرمل السير نحو دروب الهاوية التي ينزلق اليها لبنان شيئا فشيئا في ظل الادعاء انه أب الربيع العربي وملهم افكاره وثقافته.
المشكلة في لبنان قائمة قبل ربيع العرب، وسوف تظل مستوطنة فيه الى ما بعد هذا الربيع، لأن أزمة لبنان المزمنة تكاد تكون محصورة في نظامه السياسي الذي لم يفلح اللبنانيون في تطويره ونقله الى مصاف الانظمة المستقرة. وواهم من يعتقد ان هذا النظام قادر بعد على ضمان استقرار لبنان. ولذلك جاءت دعوة الامين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله الى مؤتمر وطني تأسيسي، لتحرّك المياه الراكدة في ساحة هذا النظام منذ اقرار التعديلات الدستورية التي نجمت عن اتفاق الطائف.
كان من الضروري التماس ردود الفعل الوطنية على طرح السيد نصر الله، وقد جاء بعضها مشجعا، والبعض الآخر مخيبا للآمال، خاصة لدى الفريق المخاصم لـ«حزب الله»، باستثناء موقف الكتائب الذي عبّر عنه النائب سامي الجميل. فالتفسيرات التي اعطيت لهذا الاقتراح كانت متسرّعة وركيكة ومنسوخة وانفعالية وتنم عن نكد سياسي موصوف، اذ كان من البديهي ان يسأل المعترضون عن مشروع «حزب الله» في هذا الإطار قبل رفض الفكرة من اساسها، خاصة أن السيد نصر الله اكتفى بالعنوان وترك التفاصيل للمراحل اللاحقة.
يكاد يجمع الفرقاء اللبنانيون على التمسك باتفاق الطائف، وهم يدركون جيدا ان الزمن توقف بهذا الاتفاق عند حدود معينة، فيما غالبيتهم ترفض المضي في تنفيذ ما تبقى من بنود دستورية في هذا الاتفاق، خاصة ما يتعلق بالغاء الطائفية السياسية التي هي في النتيجة روح الطائف ومنتهاه. وفي ذلك مفارقة غريبة عجيبة يجيد اللبنانيون اللعب على أوتارها. وعليه يفترض المنطق اعتماد أحد خيارين لا ثالث لهما: إما المضي في استكمال تنفيذ بنود الطائف، أو الدخول في بحث جدي عن نظام جديد يخرج البلد من أزمته المزمنة والمستفحلة، وليس أفضل من مؤتمر وطني تأسيسي لتحقيق هذه الغاية. وخارج هذين الخيارين سوف يستمر لبنان في الدوران في حلقة مفرغة الى ان يسقط الهيكل على رؤوس الجميع.
بعض التفسيرات التي حُمِّلت لاقتراح السيد نصر الله لا تنم عن رغبة في اخراج البلد من دائرة المراوحة الثقيلة، لا سيما الحديث الممل عن رغبة الحزب في السيطرة على لبنان من خلال جمهورية جديدة، في حين اكدت المراحل السابقة ان لبنان لا يحكم بأحادية ولا ثنائية ولا ثلاثية، بل بمواطنة حقيقية من خلال نظام عادل بكل المقاييس، ودولة قوية تضمن الأمن لمواطنيها في الداخل وعلى الحدود. عندها فقط لا يعود للسلاح مطرح خارج هذه الدولة ومؤسساتها العسكرية والأمنية.
لقد درج فريق من اللبنانيين في الفترة الاخيرة على ربط كل قضية، صغيرة أو كبيرة، بسلاح «حزب الله». فلا حوار في ظل السلاح، ولا تفاهم ولا انتخابات ولا انفاق ولا كهرباء ولا سياحة ولا اقتصاد ولا حياة ولا استقرار. هذه المعادلة سوف تترك البلد معلقا بحبال الهواء «حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا»، وابشر بطول سلامة يا مربع!.

تحية الافتتاح