24‏/09‏/2013

لخطاب سياسي جديد
للأزمة السورية
 

 

كتب واصف عواضة:

آن الأوان, بل بات من الضروري جدا,إعتماد خطاب سياسي جديد ومنطقي للأزمة السورية من جانب اهل الحل والربط والمتصدين لهذه الأزمة بالرأي والنقد والتحليل والتنظير.فبعد ثلاثين شهرا ونيف على هذه الأزمة ومفاعيلها المدمرة على الأرض,اصبح معيبا الاصرار على الخطاب المعتمد والرائج منذ سنتين ونصف السنة, بأن سقوط النظام بات وشيكا, وأن ذلك مسألة ايام او اسابيع وشهو...ر قليلة.
الخطاب المنطقي الجديد يقوم على جملة من الحقائق افرزتها هذه الأزمة الطويلة والمفتوحة على مدى غير محدود.فلم تعد هذه الازمة فقط مسألة محلية صرفة تتعلق بالنظام السياسي وضرورة ادخال تعديلات جذرية عليه تؤمن الديموقراطية للبلاد السورية,بل اتسع نطاقها الى قضية اقليمية دولية تداخلت فيها كل العناصر الخارجية المحيطة بسوريا والبعيدة عنها ,بصورة باتت في رأس جداول الاهتمام العالمي.وعليه ينبغي الاعتراف بالحقائق الآتية:
1- ان سوريا القديمة انتهت الى غير رجعة ,وأن سوريا الجديدة لن تقوم الا على نظام جديد يؤمن الضمانة والاستقرار لجميع مكوناتها الداخلية ,ويحفظ للقوى الاقليمية والدولية مصالحها التاريخية من خلال هذا البلد.
2- ان العامل الدولي والاقليمي مؤثر جدا,بحيث لم يعد الموقف الروسي مجرد مناورة كما يرى بعض المنظرين,ولا الموقف الايراني تهويلا فارغا كما يعتقد البعض,ولا الموقف الغربي -الخليجي - التركي حاسما في خياره "الثوري" لاسقاط سوريا في يد هذا المحور العريض.
3- ان النظام السوري ليس وحيدا ولا مستفردا وان اسقاطه لم يعد قدرا محتوما.
4- ان المعارضة في سوريا والمدعومة بالعديد والمال والسلاح ,حاضرة بقوة في المشهدين الداخلي والخارجي ,لكنها لا تملك القدرة على الحسم ,واذا كانت متفقة على اسقاط النظام فهي ليس لديها مشروع موحد لسوريا الجديدة,وقد بدأت مفاصلها تتفكك بين سوريين لهم اجندتهم الداخلية, وآخرين من اشتات العالم لهم اجنداتهم الأبعد مدى من سوريا وحدودها.
5- ان الحل السياسي هو الخيار الأوحد والأسلم لسوريا والسوريين,وإلا فإن الحرب مستمرة وقد تدوم طويلا طويلا حتى آخر سوري وآخر حجر على ارض سوريا.والحل السياسي لم يعد احجية تحتاج الى منجمين من مستوى رفيع ,وهو يقوم على عناصر باتت معروفة ,وهي بالتسلسل الزمني:

- وقف فوري لاطلاق النار على الاراضي السورية.
- مؤتمر دولي- اقليمي- محلي تشارك فيه كل عناصر الازمة الداخلية والخارجية.
- التفاهم على نظام سياسي جديد ينبثق عنه دستور يعتمد اوسع تمثيل شعبي لمكونات سوريا.
- تشكيل حكومة مشتركة تشرف على ادارة البلاد خلال المرحلة الانتقالية.
- خروج جميع القوى المسلحة غير السورية عن الاراضي السورية.
- اجراء انتخابات برلمانية ورئاسية مفتوحة لا تستبعد أحدا عن الترشح ,وباشرف دولي كامل.

صحيح ان هذه العناصر تحمل من التمنيات والطموح ما يخالف "الذوق العام" السائد,لكن الصحيح ايضا ان استمرار الحرب لن يؤدي فقط الى نهاية سوريا ,بل قد يجر العالم الى حروب كونية غير محسوبة النتائج ,وهو ما تحاول تفاديه الدول الكبرى الفاعلة ,والتي تقع عليها مسؤولية اخراج الحل السياسي السوري من عنق الزجاجة.

في الخلاصة يبدو أن الرهان على الخطاب السياسي المعتمد لدى بعض الحالمين, سيبقى رهانا.وقد بات واضحا ان مشكلة هؤلاء هي مع بشار الأسد بصورة شخصية,فماذا لو ذهب الاسد وبقي النظام على حاله؟ وهل هذه هي رغبة المعارضين السوريين الحالمين بنظام سياسي ديموقراطي حر متحرر من الفساد والقبضة الأمنية؟
          

واصف عواضة

04‏/09‏/2013

هل احترقت مراكب العودة؟

واصف عواضة- السفير - 4-9-2013
يبدو أن الصراع في سوريا وعليها، وكأنه بلغ مرحلة إحراق مراكب العودة. فلا التحالف الأميركي الغربي السعودي التركي قادر على التراجع عن ضربة عسكرية، حتى لو استهدفت مزرعة للدجاج، ولا الحلف الروسي ـ السوري ـ الإيراني في وارد التنازل عن الرد على أي ضربة، إلا إذا استنبطت القرائح الدولية صيغة مخرج كريم لكل الأطراف، يقود الى حل سياسي عبر مؤتمر جنيف الموعود.
البداية من واشنطن حيث يقف العالم على رٍجل واحدة، بانتظار قرار يتخذه رجل واحد قد يفضي الى كارثة دولية لن ينجو من آثارها أحد. لكن هذا الرجل، باراك أوباما، اثبت، «حتى الآن»، أنه ليس متهوراً، وأنه يحسب حسابات دقيقة لخطواته، لكنه قد يفعل العكس اذا ما ضاقت به السبل. هو لا يخفي ان أمن اسرائيل يأتي في الطليعة، وقد يكون وصل الى قناعة بأن خصومها مستعدون لقلب الطاولة على رؤوس الجميع. وعلى الرغم من الضجيج الإسرائيلي المنادي بالحرب على سوريا، فأغلب الظن ان اسرائيل نفسها لا تريد ذلك على قاعدة «دعوا العرب يقتلون بعضهم البعض بهدوء»، على حد ما اوردته صحيفة «يديعوت أحرونوت» قبل فترة. وحدهم المجانين (في نظر الكثير من الخبراء الإسرائيليين) من يحشر أنفه في الأزمة السورية ويتحمل أوزاراً غير محسوبة. إلا أن كل ذلك لا يغفر للادارة الأميركية تراجعها المهين عن وعودها بمعاقبة النظام السوري اذا لم يتأمن لها مخرج مشرف.
في دمشق يبدو ان كأس النظام قد امتلأ حتى النهاية، ولذلك هو يتعامل مع الأزمة على قاعدة «إما قاتل أو مقتول». وتنقل المصادر عن الرئيس بشار الأسد إنه لن يتوانى عن استخدام كل الأسلحة المتوفرة بين يديه، كل الأسلحة وفي كل الاتجاهات، اذا ما تعرضت سوريا لأي ضربة عسكرية. لم يعد عنده ما يخشى عليه بعد ثلاثين شهراً من الحرب الضروس التي دمرت سوريا وهجرت شعبها وعطلت دورها في المنطقة، وبضعة صواريخ بالزائد، بعد الضربة الأميركية، من هنا وهناك لن تزيد الطين بلة على قاعدة «ما لجرح بميت إيلام». لكنه في الوقت نفسه لا يقفل باب الحل السياسي على قاعدة انتخابات حرة، وليشرف عليها المجتمع الدولي كيفما يشاء.
في طهران ثمة من ينظر الى سوريا بأنها شريان الحياة في الشرق الاوسط للسياسة الإيرانية ومبادئها الثورية. طهران، التي اثقلتها العقوبات الدولية، سمع الموفدون إليها والزوار فيها من كبار المسؤولين الإيرانيين أنهم لن يتركوا سوريا وحدها، ولن يسمحوا بسقوطها مهما غلا الثمن ومهما ارتفعت التكلفة. وقد ردت طهران كل العروض التي رفعت إليها لغض الطرف وإقناع النظام السوري باستيعاب ضربة عسكرية حتى لو كانت شكلية. ويعرف الغرب أن إيران ستفعل، وأن إغلاق مضيق هرمز قد يكون في رأس الأهداف، ما يمنع ثلث بترول العالم عن الخروج من الخليج، ويرفع أسعار النفط الى مستويات جنونية في ظل ازمة اقتصادية عالمية سوف تتفاقم بما لا تتحمله الدول المستوردة.
في موسكو لم يعد القيصر الروسي واهناً ولا مربكاً بعد ان استعاد مجده التليد، ولا يزعجه مطلقاً ان تغرق الولايات المتحدة من جديد في وحول المنطقة. وعليه، هو يغطي حلفاءه سياسياً ويمد سوريا بالسلاح ولا يبذل أي جهد لإيجاد مخرج مناسب للإدارة الاميركية غير الحل السياسي المتوازن المستند الى مؤتمر جنيف. موسكو ليست مستعدة في النتيجة لخسارة آخر موقع لها في الشرق الأوسط وإطلاق العنان لـ«الإرهاب» في منطقة على خطوات منها، وهي التي عانت طويلا من شروره في القوقاز والشيشان وغيرهما.
وسط هذه الصورة تبدو السعودية وتركيا مع الضربة العسكرية لسوريا بلا حدود ولا محدودية، في موقف يبدو أقرب الى الثأر من بشار الأسد ونظامه، منه الى لعبة المصالح والحسابات. لكن هذا الموقف الذي بلغ أشده لا يقدِّم أو يؤخر في الحسابات الأميركية، حيث لا تنظر واشنطن في المنطقة أبعد من المصلحة الإسرائيلية، فضلاً عن مصالحها الإستراتيجية.
في الخلاصة، الأيام المقبلة حرجة ومقلقة ودقيقة، وقد تكون قمة العشرين في بترسبورغ في روسيا فرصة ثمينة لتفادي الحرب الشاملة، والانتقال الى مرحلة جديدة من التعاطي باتجاه الحل السياسي للأزمة السورية، الذي تبدو مؤشراته حتى الآن بعيدة المنال.

02‏/09‏/2013

من الحرب «المدروسة» إلى الحرب «المشروطة»!

واصف عواضة- السفير 2-9-2013
تريد الادارة الاميركية أن تضرب سوريا، لكنها في الوقت نفسه تريد هجوما محدودا لا تنزلق خلاله أو بعده الى حرب شاملة في المنطقة تتورط فيها الولايات المتحدة، على غرار الحرب على أفغانستان والعراق. وعليه أجرت الولايات المتحدة محادثات مع حلفائها والخصوم على السواء، لتحديد طبيعة هذه الحرب وأهدافها ونتائجها سلفا، في ظاهرة تبدو غريبة على منطق الحروب من جهة، وتحمل على السخرية من جهة أخرى. حتى أن بعض الخبثاء ارتأى على الرئيس أوباما دعوة الرئيس بشار الأسد الى اجتماع قمة ثنائية، يتفق فيه الطرفان على تفاصيل الضربة العسكرية وأهدافها ومداها وحدودها، ما دام الرئيس الأميركي متوجسا ومرتبكا وعاجزا عن اتخاذ القرار، وفي ذلك ما يجنّب المنطقة أوزار الحرب واثقالها.
واقعا «إن شر البلية ما يضحك». لكن ما لا يحتمل الضحك ان سوريا تدفع من جلدها وابنائها ثمن هذا الواقع المؤلم. فالامبراطورية العظمى تريد حربا «مدروسة» جداً، وطبيعي أن تتشاور مع حلفائها في آلية هذه الحرب، وسبق لها أن فعلت في حروب سابقة وفرضت عليهم المشاركة فيها، متحملين الغرم من دون الغنم. لكن أن تتفاوض أميركا مع خصومها في نتائج هذه الحرب من قبل أن تبدأ، فهي تريدها حربا «مشروطة»، وفي ذلك نوع من العنجهية غير المسبوقة من جهة والارتباك المحسوب من جهة ثانية، إذ لم يعد سرا أن واشنطن تتحادث مباشرة مع موسكو وتفاوضت بالواسطة مع طهران ودمشق في هذا الصدد.
تريد الولايات المتحدة توجيه ضربة لسوريا من دون أن تؤذي إسرائيل أو تطال آبار النفط. ضربة من دون اي رد فعل، تبقي مضيق هرمز مشرعا أمام الملاحة البترولية، ولا تمس شعرة من رؤوس حلفائها في المنطقة. ولأنها لم تضمن ذلك، فهي ترددت في اتخاذ القرار. بل اكثر من ذلك، هي لمست جدية حلفاء سوريا في الرد على اي عدوان، خصوصا ايران التي ابلغت من يعنيهم الأمر انها لن تتردد في ذلك ايا كان الثمن. ولذلك لم يكن مفاجئا لجوء الرئيس اوباما الى الكونغرس لتأمين الغطاء لخياره العسكري.
طبعا لا يستهين احد بقوة الولايات المتحدة وقدرتها على خوض الحروب وتحقيق الانتصارات، وواهم من يظن أن خصوم أميركا يستهينون بهذه القدرات، لكن الحسابات الأميركية للحروب لم تعد على غرار النزهات السياحية، ومن الطبيعي أن تدرس الإدارة الأميركية بكثير من التأني حروبها المقبلة، استنادا الى حروبها السالفة.على انه من الغباء النظر الى الإخفاقات الأميركية بشيء من النشوة الفارغة. فما تشهده المنطقة اليوم من فوضى عارمة، هو نتيجة لهذه الحروب والتدخلات الأميركية المباشرة وغير المباشرة، والتي أمنت لإسرائيل نوعا من الاسترخاء والاطمئنان.
ثمة أربعة جيوش عربية كانت تقلق إسرائيل بعدتها وعديدها، بعيدا عن الأنظمة التي كانت تقودها، استطاعت أميركا أن تدمر اثنين منها وتسعى الى تدمير الاثنين الآخرين. دمّرت الولايات المتحدة الجيش العراقي والجيش الليبي، وتحاول اليوم تدمير الجيش السوري، وواهم من يعتقد أن الجيش المصري مستثنى من هذه المعادلة. من هنا يمكن فهم الإدارة الأميركية في سعيها لإطالة أمد الحرب في سوريا الى ما شاء الله، وحتى آخر سوري. قد يقول قائل إن هذه الجيوش لم تكن تشكل خطرا على إسرائيل منذ حرب العام ١٩٧٣. وقد يكون في ذلك بعض المنطق، لكن من كان يضمن لاسرائيل ان تبقى هذه الجيوش الجرارة عدة وعديدا، محبوسة داخل قفص أنظمتها المحايدة او المهادنة، او المغلوب على أمرها.
في الخلاصة، لم تعد الضربة الأميركية لسوريا قدرا مكتوبا في ظل التردد الاميركي، وبات في امكان اوباما الانسحاب منها في إطار معادلة تضمن استمرار الحرب في سوريا من دون أن يتمكن احد من الحسم، على الأقل بانتظار تبلور المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، لتهريب «تسوية ما» في ظل انشغال الأطراف المؤثرة فيها، فضلا عن إنهاك الجيش السوري وتصفية المزيد من «الإسلاميين المتطرفين» الذين يقاتلون على ارض الشام. وفي كلتا الحالتين لن تضمن الولايات المتحدة بعد اليوم حصر الحريق في مكان معين، لكنها بالتأكيد لن تخسر الكثير، مقارنة بالخسائر اللاحقة بالمنطقة ودولها، بشرا وحجرا وخيرات مدفونة.

تحية الافتتاح