01‏/06‏/2011

رسالة إلى السيد البطريرك

واصف عواضة
السفير 1 حزيران 2011
سيدي صاحب الغبطة البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي الكلي الطوبى.
قرأت بكثير من الغبطة والحبور كلامك يوم الاثنين الماضي، عن أن «اتفاق الطائف ليس كتاباً منزلاً، وأن التجربة بيّنت أن هناك الكثير من الثغرات ولا مانع من التغيير، وإذا كنا بحاجة إلى طائف جديد فلا مانع من ذلك». وقد شددت سيدي على «انه لا يجوز إن نضع قوانين انتخابية على قياس الزعامات»، داعياً إلى البدء بوضع قانون جديد للانتخابات.
كل ذلك كلام حق يراد به الحق. لكن ما استوقفني سيدي، دعوتكم إلى «وجوب إعطاء المزيد من الصلاحيات لرئيس الجمهورية»، وهنا بيت القصيد الذي أجلّك عن الدخول في حيثياته، وأنتم سيد العارفين بأحكام الدستور اللبناني القائم على الرفض والتعطيل والممانعة، بسبب الصلاحيات المعطاة لغير مسؤول في هذه الدولة العلية بغير حساب أو حسيب أو مهل، ونحن اليوم في صلب تبعاتها الكارثية على البلد المكتوف الأيدي أمام التعثر الحاصل في تشكيل الحكومة.
سيدي البطريرك،
أنا المواطن العبد الحقير الذليل، أعصم نفسي عن التوجيه والموعظة لمقامكم الرفيع الذي أجلّ وأحترم. لكنني يا سيدي أحلم بوطن نظيف يسوده القانون والعدل والمساواة بين جميع أبنائه، «لا فضل لعربي فيه على عجمي إلا بالتقوى». لذلك اسمح لنفسي بمخاطبتكم، وقد فتحتم ثغرة في الجدار المغلق منذ عقدين من الزمن على نظام سياسي أثبت عقمه وبات يقود البلد إلى الخراب.
سيدي صاحب الغبطة،
إن العلة في نظام الطائف، الذي توقف به الزمن عند مرحلة معينة، هي بالضبط في تلك الصلاحيات الممنوحة للحكام، رؤساء ووزراء ومجالس وصناديق، وتكاد تشمل الموظفين، والتي تتيح لكل هؤلاء تعطيل عجلة الدولة إلى ما شاء الله. وعليه فإن زيادة الصلاحيات لأي من هؤلاء لا يحل مشكلة بل يمعن في تعقيد الأمور وتعطيل البلاد. وقد أثبتت السنوات العشرون الماضية أن النظام القائم يسير بالبلد نحو الحائط المسدود الذي ترتفع مداميكه سنة فسنة، بحيث بات من المستحيل القفز فوقه أو اختراقه إلا من خلال هدمه عن بكرة أبيه، وهو ما تفضلتم سيدي بالإشارة إليه والتلويح به في حديثكم الأخير. إلا أن تعديل الصلاحيات لهذا الرئيس أو ذاك لا يعني إلا بداية العمل على بناء حائط جديد سوف نجد أنفسنا مضطرين إلى هدمه بعد عقد او عقدين من الزمن.
المشكلة الكبرى في لبنان هي في تفصيل الدساتير والقوانين على مقاس الزعامات والطوائف وليس على مقاس الوطن. وما دمنا مضطرين لهدم الحائط المسدود، فالأولى أن نزيل من الطريق أي مشروع لحائط آخر. ولا يختلف اثنان على ان هذا الطموح يتحقق من خلال دستور يفتح الطريق امام بناء وطن حقيقي يساوي بين ابنائه في الحقوق والواجبات ويعتمد المواطنة سبيلا الى هذا النظام الجديد. ولا يخفى عليكم ان اتفاق الطائف يحمل في طياته بذور الحل من خلال المادة الخامسة والتسعين التي انقطعت بها السبل لغايات وأهداف معروفة.
سيدي صاحب الغبطة،
قد لا يخفى عليكم أن الموارنة باتوا اكثر المتضررين من هذا النظام. ولعل صرخة الوجع التي اطلقتموها تعبر عن ذلك بوضوح، لا سيما إشارتكم إلى صلاحيات رئيسي مجلس النواب ومجلس الوزراء، ومطالبتكم بتوسيع صلاحيات رئيس الجمهورية. ولا يخفى عليكم أيضاً ان هذا الترميم سوف يؤسس لمشكلة جديدة لن تلبث الا ان تظهر بعد فترة وجيزة. فالنظام السياسي القائم لم يعد يحتمل الترقيع لكثرة الرقع في هذا الثوب المهلل البالي.
الفرصة سانحة يا سيدي لكي يتصدر الموارنة مسيرة الإصلاح الحقيقي في البلاد قبل ان تفلت الامور من ايدي الجميع، ويصبح إسقاط النظام الطائفي عنوان الثورة المقبلة، ولكن بعد خراب البصرة. فالموارنة هم حجر الرحى في المعادلة لنقل لبنان من نظام الحصص والمحاصصة الى نظام المواطنة. وفي هذا الطريق نحن وراءك سيدي، وإن أردت فإلى جانبك أو أمامك.
ولكن من نحن؟
بكل تواضع: نحن شعب لبنان المغلوب على أمره بهذا النظام الذي يقودنا يوماً بعد يوم الى التهلكة. والله على ما نقول شهيد.
بكل إخلاص.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تحية الافتتاح