28‏/05‏/2012

اللعب بالنار

واصف عواضة
السفير الاثنين 28 ايار 2012
يقول المثل: "من يلعب بالنار، لا بد أن يحرق أصابعه". والواضح أن أصابع اللبنانيين جميعاً بدأت تحترق بنيران الأزمة السورية التي استمرأ بعض اللبنانيين اللعب بها، من دون حساب للتبعات المترتبة على ذلك.
في ظل التطورات المتسارعة التي يشهدها لبنان، راح معظم القيادات الرسمية والسياسية يضرب أخماساً بأسداس، محذراً ومنبهاً وواعظاً. تناسى البعض أن اللعب بالنار كان بأيدٍ لبنانية، وأن النصائح التي أسديت من البداية للنأي بالنفس عن هذه الأزمة الكبرى، كان الأحرى الأخذ بها، لا أن يترك مصير البلد في أيدي بعض الحالمين بأدوار قد تكون أكبر من قاماتهم وسط لعبة الكبار في المنطقة والعالم.
صحيح أن لبنان ليس جزيرة معزولة في هذه المنطقة، ولا يمكن تحييده، خاصة عما يحصل في سوريا، الا انه كان يمكن للعقل والمنطق ان يلعبا دوراً أفضل، لو كانت الرؤية السياسية في لبنان أكثر عمقاً وأقل تهوراً.
ما جرى خلال الأسبوعين الماضيين كان نتيجة حتمية لأشهر طويلة من التهور السياسي والانفلات الأمني. كان أحرى باللبنانيين ان يستفيدوا من رياح التغيير العربية بالسعي الى تطوير نظامهم التعيس بدل التنطّح لإسقاط أنظمة الآخرين والادعاء أن الربيع العربي انطلق من أحضانهم. ولذلك كان من الطبيعي ان يتحول ربيع العرب الى خريف لبناني بامتياز.
لا يُخفى على أحد اليوم أن الواقع اللبناني بات ينذر بأخطار كبيرة، فما شهدته ساحتنا مؤخراً، أطاح بما تبقى من هيبة الدولة ومؤسساتها الأمنية والعسكرية والقضائية، حتى بات من باب التندر القول إن على العسكريين من الآن وصاعداً ان يؤدوا التحية لكل مسلح او مطلوب او مشبوه يمر على حواجزهم أو قرب ثكناتهم ومقارهم.
برغم ذلك، تبقى الفرصة سانحة للإنقاذ. والمسؤولية السياسية أساسية في هذا المجال، حتى لا تغرق المؤسسات العسكرية والأمنية الضامنة للاستقرار في لعبة الدم، ويصير الشارع مرتعاً للسلاح والمسلحين والمحرضين واللصوص والمهربين وتجار الموت والمخدرات.
كل المطلوب في هذه المرحلة التوقف عن اللعب بالنار من خلال خطوات سريعة تقوم على:
اولاً: ان يبادر رئيس الجمهورية الى دعوة طاولة الحوار فوراً، لوضع جميع القوى امام مسؤولياتها التاريخية وفرملة الانزلاق "الوطني" نحو الهاوية.
ثانياً: تأمين غطاء سياسي شامل للجيش والقوى الأمنية لضبط الحدود اللبنانية السورية والضرب بيد من حديد كل من تسوّل له نفسه اللعب بمصير البلاد والعباد.
ثالثاً: مبادرة رئيسي الجمهورية والحكومة الى زيارة الدول الفاعلة لحثها على حجب العواصف العاتية عن لبنان.
رابعاً: تفعيل العمل الحكومي خلال مهلة معينة، وإلا تشكيل حكومة وفاقية تتولى هذه المهمة وتشرف على الانتخابات المقبلة.
قد يكون طرح هذه الخطوات الإنقاذية في هذه المرحلة نوعاً من الترف السياسي ومغالبة الواقع، لكن البديل عنها سيقود البلد الى حرب أهلية جديدة تحرق أصابع الجميع وأيديهم ووجوههم وما تبقى لديهم من آمال بعيش كريم. والله على ما نقول شهيد.
في المناسبة، هي الخامس والعشرون من أيار، الذكرى الثانية عشرة للتحرير. ولمن تتسع ذاكرتهم بعد لفلسطين ولهذا اليوم المجيد في تاريخ لبنان والأمة نقول: كل عام وأنتم بخير.

21‏/05‏/2012

إسلاميو لبنان.. وأزمة «المستقبل»

واصف عواضة
السفير 19 ايار 2012
لا يستطيع «اسلاميو لبنان»، الادعاء «حتى الآن» أنهم قوة وازنة تجاري اسلاميي «الربيع العربي» الوافدين الى السلطة على أحصنة شعبية جامحة. لكن أحدا لا يستطيع أن يحد من طموح هؤلاء الى حضور وازن في زمن التحولات السريعة في الوطن العربي الواسع.
والكلام عن اسلاميي لبنان لا يشمل «حزب الله». المقصود بهم الاحزاب والتيارات والجماعات الاسلامية والسلفية السنية التي رفعت من وتيرة تحركها على الساحة، على هدي الاحداث في سوريا، من خلال إشهار عدائها للنظام السوري ووقوفها الى جانب المعارضة قولا وفعلا.
ولا جدال مطلقا في حق هؤلاء الاسلاميين في ايجاد مكان لهم على الساحة اللبنانية المفتوحة على كل التيارات، وتأكيد حضورهم في ظل «الربيع العربي»، حيث فرض الاسلاميون وجودهم في السلطة، في مصر وتونس وليبيا والمغرب، وربما دول أخرى على الطريق. الا ان المعوّقات التي تعترض اسلاميي لبنان في هذا الاتجاه كثيرة وصعبة، قياسا الى الواقع اللبناني وتركيبته السياسية والطائفية، فضلا عن الظروف الخارجية التي تؤثر تأثيرا مباشرا على صعود اي قوة لبنانية. فالنظام السياسي في لبنان يحدد لكل طائفة دورها وحجمها ووزنها في المعادلة، وعلى هذا الاساس تتدثر الاحزاب والمجموعات السياسية في لبنان لحاف الطائفة لفرض حضورها على الساحة. وينسحب هذا المفهوم على الطائفة السنية، كما ينسحب على غيرها، باعتبارها من المكونات الاساسية للنظام اللبناني، في حين لا مكان فاعلا للاحزاب الوطنية العابرة للطوائف في هذا النظام.
في هذا الاطار، لن يجد الاسلاميون اللبنانيون المعنيون بهذا الكلام بيئة حاضنة لنشاطهم وتحركهم وطموحهم خارج ملعب الطائفة السنية، وبالتالي لن يتمكنوا من عبور الطوائف الأخرى او التأثير في رصيدها، شيعة ودروزا وعلويين ومسيحيين بمختلف مذاهبهم. وعليه، يفترض ان تحسب المرجعيات التقليدية السنيّة في لبنان حسابا لهذه القوى الناشئة التي باتت تشكل هاجسا لرصيدها في الساحة السنيّة، وفي طليــعة هــؤلاء «تيار المستقبل» الذي يتزعم الغالبية الشعبية في هذه الطائفة وفقا لأكثر من دورة انتخابية.
تشكل طرابلس والشمال بوجه عام المحطة النموذجية لهذا الواقع. ولم يكن مستغربا ذلك الارتباك الذي ساد ويسود مواقف تيار»المستقبل» خلال الاحداث التي شهدتها وتشهدها عاصمة الشمال، والتي لا تبدو انها في اتجاه معالجة تؤمن الاستقرار للمدينة. وسواء أكانت صحيحة ام باطلة، تلك الاتهامات الموجهة من قبل التيار لجهات داخلية وخارجية بالوقوف وراء توتير الاجواء لأهداف معينة تتصل بالوضع السوري، فإن ذلك لن يبدل من واقع الامور شيئا. ولا شك في ان تيار «المستقبل» قرأ في كلام الرئيس بشار الاسد الأخير، من ان الفوضى سترتد على زارعها، رسالة واضحة تطال لبنان مثلما تنال من دول أخرى. حتى أن معظم الذين تمعّنوا هذا الكلام تراءت لهم في طياته معادلة جديدة مؤداها: لن يرتاح الآخرون ما دامت سوريا «تعبانة». وهذا يعني ان الساحة الشمالية المفتوحة على الجبهة السورية ستشهد مزيدا من التوتر، بعدما باتت معبرا للسلاح والمسلحين المعارضين للنظام السوري. وهذا في حد ذاته سيفعّل من دور الاسلاميين في الشمال لمصلحة طموحهم المشروع بفرض حضورهم الوازن على الساحة اللبنانية، بما يأكل من رصيد تيار «المستقبل» الذي ستشهد ساحته مزيدا من الارباك في المرحلة المقبلة.
الوضع في طرابلس والشمال خطير وينذر بشر مستطير، ويحتاج الى معالجة شاملة على مستوى الاجماع اللبناني. ويبدو ان الرئيس نبيه بري التقط الفرصة لاعادة تحريك طاولة الحوار من أجل طرابلس والشمال. وتيار «المستقبل» الذي وضع شروطا في السابق لاستئناف الحوار، هو أحوج ما يكون اليوم الى حضن جامع ينقذ طرابلس وينقذ لبنان ويخرج التيار من أزمته... فهل يلتقط هذه الفرصة؟

16‏/05‏/2012

طوفان أكبر من توقيف مطلوب

واصف عواضة
السفير 15 ايار 2012
ليس غريباً أن ينفجر الوضع في طرابلس بين الفينة والفينة. لعل من الغريب ومن غير الطبيعي ان تشهد طرابلس فترات الاستقرار بين الفينة والفينة. فالعاصمة الشمالية الرابضة على برميل بارود منذ سنوات طويلة، لا تحتاج الى أكثر من عود ثقاب لإشعال المواد المتفجرة المنتشرة في معظم أحيائها، بعضها أمني، وأكثرها سياسي. والسؤال غير المحيِّر في هذا المجال «ما هو الرابط بين توقيف مطلوب من قبل جهاز الأمن العام، واشتعال جبهة باب التبانة - جبل محسن، على الرغم من الشكل الذي اعتمده عناصر الأمن العام في توقيف شادي المولوي»؟ ألم يكن من الطبيعي والحالة هذه أن يكون الاحتجاج بالنار موجهاً الى مراكز الأمن العام والدولة بشكل عام، بدل معقل العلويين في الجبل مع ما يرافق ذلك من توتير مذهبي يمتد الى أبعد من ساحة طرابلس؟
تعيش طرابلس منذ عقود حالة استنفار سياسي وأمني دائم، مرده الى مجموعة من العوامل، ليس سببها فقط وجود حالة إسلامية سلفية ناشطة فيها. فالسلفيون موجودون في معظم المناطق اللبنانية، ويشكل حضورهم في بعض الأحيان حالة من الاضطراب الذي تجري معالجته دائماً بأقل الخسائر، لكن في حالة طرابلس تتداخل العوامل المحلية السياسية والاجتماعية والمذهبية بالعوامل الإقليمية المؤثرة، ما يلقي اعباءً ثقيلة على المدينة وأهلها الذين تحملوا الكثير من المعاناة والصبر المسكون بالدم والدمار.
في العام 1983 تعرضت طرابلس لضربة موجعة من القوات السورية، في ما سُمي في ذلك الحين بـ«حرب أبو عمار»، بعدما عاد الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات الى المدينة إثر اخراجه من بيروت خلال الاجتياح الاسرائيلي في العام 1982. وتركزت عمليات القصف والتدمير في المنطقة التي كانت الحالة الإسلامية قد نشطت فيها بزعامة الشيخ سعيد شعبان رئيس «حركة التوحيد الإسلامية». وقد فرض السوريون حينها سيطرتهم على المدينة.
كان من الطبيعي أن تنشأ في طرابلس حركة مناهضة لسوريا وما سمي بـ«النظام الأمني المشترك»، وكانت الأحياء الفقيرة في باب التبانة وغيرها خير مكان لتصعيد الحركات الاحتجاجية في غياب الدولة عن هذه الأحياء أمنياً واجتماعياً، فضلاً عن استغلال قوى داخلية وخارجية بؤر التوتر لمحاربة سوريا في لبنان. ولعبت الجغرافيا دوراً رئيسياً في التوترات المتلاحقة في طرابلس، حيث لا يفصل بين باب التبانة، ذي الغالبية السنية وجبل محسن الذي يقطن فيه العلويون، سوى شارع رئيسي هو أحد منافذ المدينة الى زغرتا ومحيطها.
بعد خروج القوات السورية من لبنان في العام 2005 وجدت الحالة الإسلامية السلفية في طرابلس مناخاً ملائماً لتأكيد حضورها في المدينة والشمال بشكل عام. وجاءت أحداث مخيم نهر البارد في العام 2007 بين الجيش اللبناني و«فتح الإسلام» لتفتح جرحاً جديداً في عاصمة الشمال لم ينغلق حتى الآن، حيث عمدت السلطة الى اعتقال العشرات من الإسلاميين وتوقيفهم منذ خمس سنوات من دون محاكمة. والسؤال المحيِّر هنا لماذا يتقاعس القضاء اللبناني حتى الآن عن محاكمة هذه الشريحة وحسم هذه القضية التي ما تزال بؤرة توتر سياسي دائمة في طرابلس والشمال. لقد مرت اربع حكومات على هذه القضية، وكل منها وعد بمعالجتها ,ومع ذلك ما تزال هذه القضية معلقة من دون أسباب جوهرية.
كان من الطبيعي أن يتأثر لبنان بأحداث سوريا المستمرة منذ اربعة عشر شهراً، خاصة منطقة الشمال وعاصمتها التي تصدرت الحركة المناهضة للنظام السوري. وأيضاً لعبت وتلعب عوامل داخلية وخارجية كثيرة في تصعيد حالة العداء والتوتر التي ما تلبث ان تنفجر أمنياً بين فترة وأخرى، فضلاً عن التوتر السياسي الدائم مع حلفاء سوريا في لبنان، مع ما يرافق ذلك من تحريض مذهبي وطائفي عبر الشاشات وصل الى حدود البكاء والتباكي والتظلم لطائفة هي الأكبر والأقوى والأبقى في العالم الإسلامي.
في ظل هذه العوامل والمعطيات، من الغياب الاجتماعي للدولة عن فقراء طرابلس، الى عوامل الاستغلال السياسي لهؤلاء الفقراء، الى نهوض الحالة السلفية في المدينة وجوارها، الى قضية الموقوفين الإسلاميين، الى التحريض المذهبي والطائفي، الى انعكاسات الوضع في سوريا وتأثيراته المباشرة على لبنان، الى العامل الجغرافي في باب التبانة وجبل محسن، الى غياب المعالجات الجذرية للأحداث المتكررة... كل ذلك يجعل من الغباء السؤال لماذا تنفجر طرابلس القاعدة على برميل بارود؟ وهل ان توقيف مطلوب فيها يستأهل كل هذا الطوفان السياسي والأمني؟ وهل أن العلاج الجذري ما يزال ممكناً بعد هذا الطوفان؟ ومن هم أصحاب المصلحة الحقيقية في هذا العلاج؟
أعان الله طرابلس وحمى أهلها وفقراءها!

09‏/05‏/2012

أي نظام يريد الحريري اسقاطه؟

واصف عواضة
السفير 9 ايار 2012
ختم الرئيس سعد الحريري خطابه عن بعد في ساحة الشهداء يوم الأحد الماضي، بالدعوة الى إسقاط النظام. وتوجه الى أنصاره قائلاً: تفصلنا سنة مصيرية عن الانتخابات النيابية، وأنا متأكد انكم ستقولون بأصواتكم في صناديق الاقتراع «الشعب يريد إسقاط النظام».
هذه الدعوة أشكلت على الكثيرين الذين لم يفهموا اي نظام يريد الشعب اسقاطه في صناديق الاقتراع اللبنانية: هل هو النظام السوري الذي يخاصمه الحريري وتياره بحدة، أم إنه النظام اللبناني الذي يعتبر أحد أعمدته؟ وهل يسقط النظام السوري، أو أي نظام في العالم، بأصوات غير أصوات شعبه، إلا اذا كان الحريري يدعو الى احتلال لبنان لسوريا من أجل هذا الغرض، كما فعل الأميركيون في العراق؟
أغلب الظن ان الحريري كان يقصد النظام اللبناني، بل اكثر تحديدا كان يعني حكومة الرئيس نجيب ميقاتي. ربما سها عن باله ان الحكومة في لبنان ليست النظام كما هو الأمر في معظم البلدان العربية. فالنظام في لبنان، دستور وقوانين وهياكل وروحية وتركيبة وثقافة سياسية، ويجب إسقاطه اليوم قبل الغد، وبناء نظام جديد عصري يقوم على المواطنة وينبذ الطائفية. هذا النظام القائم يحرص الحريري على حمايته وصيانته والحفاظ عليه بكل جوارحه. وعليه، فإن سقوط حكومة الرئيس ميقاتي لا يسقط نظاما، وقد سقطت من قبل عشرات الحكومات في لبنان، وكان آخرها حكومة الحريري نفسه ومع ذلك لم تسقط شعرة واحدة من رأس النظام.
وليس من باب المبالغة القول ان النظام اللبناني يزداد عتواً وعيوبا، يوما بعد يوم، ذلك ان كل دعوات الاصلاح والتغيير مع كل مجلس نيابي ومع كل حكومة جديدة، تذهب هباء منثورا. ولعله من الظلم تحميل سعد الحريري وتياره وحدهما مسؤولية حماية هذا النظام. ثمة رعاة وعرابون كثر في لبنان يتقاسمون هذه المسؤولية.
وما من شك في أن الحريري يميز بين النظام والحكومة، ويعرف تمام المعرفة ان جمهوره ليس من الغباء ليصدق ان سقوط الحكومة يسقط نظاما. لكنه في الوقت نفسه، اراد ان يساير «الموضة» السائدة في هذه الايام على وهج الربيع العربي وشعاره الذائع الصيت، وهو يعي ان ربيع لبنان الحقيقي دونه عوائق جليلة، حتى لو سقطت جميع الانظمة العربية، وفي مقدمها النظام السوري. فالخطوة الاولى في رحلة الألف ميل لإسقاط النظام الطائفي في لبنان (أو بالأحرى إصلاحه) تبدأ بتطوير قوانين الانتخاب، وهذا هو التحدي الحقيقي في وجه تيار كبير كتيار «المستقبل» يفترض انه من دعاة الإصلاح والتغيير وفقا لأدبياته السياسية.
وقد بات من البديهيات في علوم الانتخابات وقوانينها ان النظام الاكثري هو نظام ظالم، وقد فارقته معظم دول العالم، المتحضرة منها والمتخلفة، وانتقلت الى النظام النسبي الذي يحفظ حقوق الجميع، اكثريات وأقليات، محادل ودراجات هوائية.
ولعل اغرب نظرية مطروحة في هذه الايام هي القائلة بأن النظام النسبي يلغي الاقليات ويعزز سطوة المحاور الخارجية، في حين ان النسبية انشئت اساسا لحماية الاقليات من سطوة الاكثريات والمحاور.
الواضح ان الخطاب السياسي سوف يزداد حدة من الآن وحتى الانتخابات النيابية التي افتتحت حملتها باكرا، ولسوف يشهد المواطنون اللبنانيون مبارزات حامية ودروسا عالية النبرة في الديموقراطية والاصلاح والتجدد، ولكن من دون جدوى، لأن التغيير في لبنان يلزمه مصلحون، بعدما أخفق الشعب اللبناني العنيد في بلوغ هذا الهدف من خلال الاختيار في الانتخابات.
في المناسبة، سيدة فرنسا الأولى الصحافية «فاليري تريرفيلر» (صديقة الرئيس الفرنسي المنتخب فرنسوا هولاند) بالها مشغول هذه الأيام بكيفية إعالة أولادها الثلاثة، إذا لم تتقاض راتبا من عملها المستقل، في حال تفرغت لقصر الإليزيه. تقول بكل شفافية: «من غير الطبيعي أن تتحمل الدولة الفرنسية او فرنسوا (الرئيس) أعباء أولادي».
النظام اللبناني يصلح فقط بنساء من هذا المستوى، لأن وراء كل عظيم امرأة.

02‏/05‏/2012

وداعاً «دولة صائب بك»!

واصف عواضة
السفير 28 نيسان 2012
كان الرئيس الراحل صائب سلام يردد مقولة شهيرة كلما اشتدت الأزمات، مؤداها ان «لبنان يقوم على التفهّم والتفاهم ويطير بجناحيه المسلم والمسيحي»، ومن دون ذلك ليس هناك ما يقدم او يؤخر في حياة البلد. ويُنسب الى رئيس الحكومة الراحل الحاج حسين العويني انه كان كلما فُوتح في مسألة خلافية يجيب: «يعني هيك وهيك»، في اشارة الى ضرورة اعتماد التوازن في اتخاذ القرارات. ولا يخفى على معاصري رؤساء الحكومات، من قبل ومن بعد، أن هذه السياسة ظلت تحكم لبنان طويلا وتتغلب على الدساتير والقوانين والأنظمة، حتى إنها تخطت نهج رؤساء الوزارات الى رؤساء الجمهورية ومجالس النواب.
في الأساس، قام استقلال لبنان على هذه السياسة التي بُنيت على معادلة بشارة الخوري ورياض الصلح: «يتخلى المسيحيون عن الغرب ويتخلى المسلمون عن الشرق». ومنذ ذلك الحين، كان البلد ينفجر كلما حاد أهلوه عن هذه المعادلة او خرجوا عن المألوف. وليس غريبا بالمطلق عن تقاليد لبنان، اعتماد الحكومة الحالية سياسة «النأي بالنفس» في ما خص الأزمة السورية.
خرج لبنان عن المألوف في العام 1958 حين جنح الرئيس كميل شمعون باتجاه «حلف بغداد»، فانفجرت الأحداث ونزلت قوات «المارينز» الاميركية في لبنان، وانتهى المسار برحيل شمعون عن السلطة وانتخاب الرئيس فؤاد شهاب في تسوية تاريخية مشهودة بين جناحي لبنان المسلم والمسيحي.
وخرج لبنان عن المألوف في بداية السبعينيات باحتضانه القضية الفلسطينية، فانفجرت الحرب الاهلية عام 1975، واستمرت الى العام 1990، وتخللها اجتياحان اسرائيليان. وانتهت الحرب بتسوية تاريخية في الطائف بين الجناحين المسلم والمسيحي ايضا.
وخرج لبنان عن المألوف بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري وما أعقب ذلك من اغتيالات، فانفجرت الأزمة سياسيا وأمنيا، وانتهت باتفاق الدوحة في تسوية تاريخية ملأت فراغ الرئاسة الاولى وجاءت بحكومة الوحدة الوطنية، وكل ذلك بالتفاهم بين الجناحين المسلم والمسيحي على المواقع النيابية، وإن كان الخلاف قد أخذ هذه المرة طابعا سياسيا.
اليوم يُطرح على بساط البحث قانون جديد للانتخابات يعتمد النسبية كمقدمة للاصلاح المنشود، وقد بدأت ردود الفعل حوله سلبا وإيجابا. المسلمون منقسمون حياله كما المسيحيون. ويبدو ان هذا القانون لن يرى النور، مثله مثل مختلف المشاريع المطروحة على بساط البحث، لأن النكد السياسي هو الذي يتحكم بالنقاش بين القوى اللبنانية. لا يريد أحد أن يفهم أحدا أو يتفاهم مع أحد. والقاعدة السائدة: «لا تفهّم ولا تفاهم». وعليه يكون النظام السياسي الطائفي في لبنان قد بلغ اسوأ مراحله، ولا سبيل الى الحلول الا بتغييرات جذرية تبدو اكثر من مستحيلة في هذه المرحلة. ويفترض بنا والحالة هذه ان نتوقع مزيدا من التأزم على مشارف انتخابات نيابية لن تغيّر من واقع الأمور شيئا، ايا كان المنتصر فيها أو المهزوم، لأن العلة في النظام وليست في أهله فقط.
البعض يرد الشلل الحالي الذي يعيشه لبنان الى الأزمة السورية، ويرى ان الانفراج رهن بحسم هذه الأزمة.غير أن المؤشرات توحي بأن الواقع السوري يتجه نحو الشلل ايضا، على قاعدة: «لن يسقط النظام.. لكنه لن يرتاح»، لأن المطلوب من الاساس تعطيل الدور السوري في المنطقة، وقد نجح المخططون في تحقيق هذا الهدف. فماذا لو طالت الأزمة السورية سنوات عدة، وماذا يفعل اللبنانيون في بلدهم؟
في الخلاصة، كان الطموح ان ينتقل لبنان من دولة «التفهّم والتفاهم» و«الهيك وهيك»، الى دولة القانون والمؤسسات والمواطنة. صار حلما الاحتفاظ بـ«دولة التفهّم والتفاهم».
وداعا «دولة صائب بك»!

تحية الافتتاح