08‏/08‏/2011

سوريا.. والمراهنات اللبنانية!

واصف عواضة
السفير 8 آب 2011
يراهن فريق من اللبنانيين على سقوط النظام السوري ويربط مستقبله السياسي بمصير هذا النظام. ويراهن فريق آخر على صمود هذا النظام وخروجه سالما واكثر قوة من ازمته الراهنة. لا يبدو الشعب السوري ومستقبله اولوية في الحسابات اللبنانية. الهواجس الخاصة هي التي تتحكم كما يبدو في تفكير الفريقين.
ثمة فريق ثالث ينظر بواقعية الى الوضع السوري وانعكاساته الخطيرة على لبنان والمنطقة، ويرى ان ما بعد الازمة السورية ليس ما قبلها. وفي تقدير هذا الفريق ان ثمة مسلمات افرزتها الوقائع السورية لا بد من مقاربتها بقليل من الهدوء وقليل من الصبر وكثير من الحكمة والتعقل.
اولى هذه المسلمات ان من حق الشعب السوري ان يحلم بالحرية والديموقراطية والاصلاح في عالم يتغير بسرعة من حوله.
ثانية هذه المسلمات ان من واجب النظام السوري ان يعي جيدا هذه المتغيرات وهو يعرف في قرارة نفسه ان «سوريا القديمة» انتهت مدة صلاحيتها ولم تعد صالحة للاستمرار وتحقيق الاستقرار لهذا البلد، وهو يسعى الى تحقيق خطوات على طريق سوريا الجديدة، على الرغم من البطء الذي يحكم حركته في هذا الاتجاه.
ثالثة المسلمات ان المعارضة السورية اكدت حضورها في الداخل والخارج ايا تكن اهدافها ومراميها وارتباطاتها، وهي لن تفوت الفرصة السانحة والدعم الخارجي العربي والدولي الذي تحظى به، لتحقيق انجازات حقيقية على طريق التغيير.
رابعة المسلمات ان النظام السوري ليس ضعيفا الى الحد الذي يتراءى للبعض انه على طريق الانهيار، أو أنه على حافة التسليم والسقوط كما حصل في مصر وتونس. فالجيش لا يزال متماسكا حوله، وكذلك الحزب، وثمة غالبية شعبية من كل الطوائف والملل لا تزال ثؤثر الوقوف الى جانبه في مسيرة الاصلاح التي يحاول القيام بها، حتى لا تغرق سوريا في بحر من الفوضى والدماء وعدم الاستقرار.
خامسة هذه المسلمات ان عناصر القوة المتبادلة بين النظام والمعارضة تفضي الى احد طريقين: إما استمرار الفوضى والصراع والدم والدمار الى زمن غير قصير، او العودة الى طاولة الحوار ووقف جميع اعمال العنف والتظاهر، الى فترة محددة يصار خلالها الى انتاج آليات جديدة يتحقق من خلالها التغيير المطلوب. واذا كان قد فات الوقت على الخيار الثاني كما يرى بعض المعارضين السوريين، فإن الخيار الاول قد يطول سنوات وسنوات ويغرق سوريا في الفوضى والانهيار. وثمة نماذج راهنة في الوطن العربي اليوم تشجع على الأخذ بهذا التصور الاسود.
وفي كل الاحوال يبدو الخياران طويلي الأمد. فإذا تم استبعاد خيار الفوضى والصراع الدموي، فإن خمسين عاما من ثقافة الحزب الواحد والدولة الأمنية لا يمكن ان تنتهي بين ليلة وضحاها، وهو ما يفترض ان يأخذه
الشعب السوري في الحسبان، وكذلك المعارضة المستعجلة اكثر من اللازم.
وليس من الطبيعي ان ينتظر الزمن اللبنانيين لحسم الامور في سوريا.لقد استهلك اللبنانيون طويلا كل الرهانات والمراهنات العقيمة على التطورات الخارجية، ووضعوا أنفسهم دائما على لائحة الانتظار، فأخفقوا في بناء دولة محترمة سيدة مستقلة يدّعون انهم يعملون من أجل إنجازها. لقد تغير العالم كله ولا يزال لبنان على ما هو عليه. وواهم من يعتقد ان الزمن سيتوقف بانتظار هذا الفريق او ذاك من شعب لبنان العنيد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تحية الافتتاح