تنتاب العالم العربي هذه الايام «لوثة التغيير والاصلاح السياسي» في ظل الانتفاضة الشبابية التي تشهدها مصر والنجاح الذي حققه الشعب التونسي في اقتلاع الحكم الاستبدادي الذي عايشه ثلاثة وعشرين عاما. وفيما الأنظار مسلطة على ميدان التحرير في القاهرة والحراك المتصاعد للشارع المصري، يدور نقاش حذر في الشارع العربي من محيطه الى خليجه حول مستقبل الأمة التي نامت نواطيرها طويلا عن ثعالب الانظمة التي فتكت بمقدرات البلاد والعباد وامتصت الخيرات وكتمت الاصوات ومارست كل صنوف القمع والتسلط والاستبداد. ومن الطبيعي ان يكون هذا النقاش في صلب المسائل المطروحة على بساط البحث في لبنان، فقبل أن تندلع انتفاضة تونس وثورة مصر، كانت رياح التغيير قد عصفت بلبنان وادت الى حرب ضروس انتهت باتفاق الطائف الذي وضع نظريا الأسس لدولة عصرية تقوم على المواطنة، لكن هذا الاتفاق انقطعت به السبل في منتصف الطريق، وسيقت البلاد إلى واقع بات يتطلب التغيير والاصلاح اكثر مما كان يتطلبه قبل الطائف. يتفق اللبنانيون بغالبيتهم على ضرورة التغيير والاصلاح، لكن المشكلة ان كلا منهم يريده على هواه، مشفوعا بثقافة كيدية وإلغائية غير مسبوقة. وطبيعي القول ان هذه الثقافة لا تبني وطنا ولا مواطنين، بل تؤدي الى حروب أهلية جديدة ليس فيها كالعادة غالب ومغلوب، بل مغلوبون بالجملة والمفرق. صحيح ان لبنان ليس محكوما بالاصنام كما هي الحال في العالم العربي، حيث يقوم نظامه قبل وبعد الاستقلال على تداول السلطة، ولطالما كان يحسدنا الاخوة العرب على ان في بلدنا رؤساء وحكاما سابقين يتمتعون بحرية الحركة، فيما حكامهم لا يتبدلون الا بالموت او النفي. إلا أن أكبر الأصنام العربية وأطولها عمرا، موجود في لبنان، وهو النظام الطائفي الذي لا يتغير او يتبدل مهما تداول الاشخاص السلطة، وهو ما لا يحسدنا عليه حاسد. لقد هبت رياح التغيير على العالم العربي من تونس ومصر، ولعل أهم ما فيها، ليس تبديل الحكام والاشخاص وبناء انظمة تقوم على تداول السلطة، بل هي الروح التي تجتاح ابناء هذه الأمة والقائمة على قاعدة التجرؤ الشعبي على مواجهة الحاكمين، وهي روح تؤسس لمستقبل واعد مهما طال الزمن. ولا يفترض والحالة هذه ان يكون أحد مستعجلا على قلب الصورة، المهم ان نقطة انطلاق قد وضعت على السطر. ولعل ما يميز لبنان في هذا المجال ان هذه الروح مغروسة من زمان في نفوس اللبنانيين الذين لا تنقصهم الجرأة على حكامهم. لكن المفارقة ان التغيير المطلوب في لبنان يعاند الزمن ويبدو اكثر صعوبة من اي بلد عربي آخر، لأن الإصلاحيين الحقيقيين الذين يحلمون بوطن ومواطن هم أقلية قليلة في بلد الارز وثورته الدائمة. والمؤسف ان الشباب الذي يعول عليه لانجاز التغيير والاصلاح المطلوبين، منقسم حول ساسته وطوائفه واحزابه العاجزة عن تحقيق هذا المراد. أن التحدي الكبير الذي يواجه التغيير في لبنان يكمن في بناء جيل جديد يخرج على طوائفه ومرجعياته، ليرسم نقطة بداية تهيء لثقافة جديدة تتبنى المواطنة كخط سير لا تحيد عنه مهما طال الزمن أو قصر. وأخشى ما نخشاه ان يتحقق التغيير في بلدان العالم العربي من دون ان يطرق ابواب لبنان. ولعله من باب السخرية ساعتئذ ان يكون شعب لبنان آخر من يصرخ: «الشعب يريد اسقاط النظام». |
07/02/2011
لبنـان.. وريـاح التغييـر
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
تحية الافتتاح
-
واصف عواضة السفير 5 كانون الاول 2010 ما كان «أبو ماهر اليماني» يشتهي الانتقال الى جوار ربه في ظروف أسوأ من هذه الظروف التي تمر بها فلسطين...
-
واصف عواضة السفير 1 حزيران 2011 سيدي صاحب الغبطة البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي الكلي الطوبى. قرأت بكثير من الغبطة والحبور ك...
-
Dale un vistazo a la actividad en tu perfil de Twoo Gente interesante en Twoo ...
-
الى جميع الاصدقاء والاحبة تحية طيبة من القلب يسعدني ان افتتح هذا الموقع وأضعه في خدمة الجميع آملا التوفيق في هذه المهمة مع خالص محبتي ...
-
مرسوم رقم 5818 1- نجيب ميقاتي رئيسا لمجلس الوزراء(سنة) 2- سمير مقبل نائبا له،(ارثوذكس- رئيس الجمهورية) 3- طلال ارسلان وزير دولة(د...
-
واصف عواضة الجمعة 11 آب 2012 السفير لا يبالغ مسلسل «الغالبون ٢» الذي تعرضه قناة «المنار» خلال شهر رمضان الحالي، في تظهير «دولة الجلب...
-
Dale un vistazo a la actividad en tu perfil de Twoo Gente interesante en Twoo ...
-
كان ملك الأردن عبد الله الثاني أول من تحدث عن «الهلال الشيعي» الذي يمتد من طهران الى بغداد فدمشق فلبنان. وقبل أيام نسبت اليه بعض وسائل الاعل...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق