07‏/02‏/2011

لبنـان.. وريـاح التغييـر

واصف عواضة
تنتاب العالم العربي هذه الايام «لوثة التغيير والاصلاح السياسي» في ظل الانتفاضة الشبابية التي تشهدها مصر والنجاح الذي حققه الشعب التونسي في اقتلاع الحكم الاستبدادي الذي عايشه ثلاثة وعشرين عاما. وفيما الأنظار مسلطة على ميدان التحرير في القاهرة والحراك المتصاعد للشارع المصري، يدور نقاش حذر في الشارع العربي من محيطه الى خليجه حول مستقبل الأمة التي نامت نواطيرها طويلا عن ثعالب الانظمة التي فتكت بمقدرات البلاد والعباد وامتصت الخيرات وكتمت الاصوات ومارست كل صنوف القمع والتسلط والاستبداد.
ومن الطبيعي ان يكون هذا النقاش في صلب المسائل المطروحة على بساط البحث في لبنان، فقبل أن تندلع انتفاضة تونس وثورة مصر، كانت رياح التغيير قد عصفت بلبنان وادت الى حرب ضروس انتهت باتفاق الطائف الذي وضع نظريا الأسس لدولة عصرية تقوم على المواطنة، لكن هذا الاتفاق انقطعت به السبل في منتصف الطريق، وسيقت البلاد إلى واقع بات يتطلب التغيير والاصلاح اكثر مما كان يتطلبه قبل الطائف.
يتفق اللبنانيون بغالبيتهم على ضرورة التغيير والاصلاح، لكن المشكلة ان كلا منهم يريده على هواه، مشفوعا بثقافة كيدية وإلغائية غير مسبوقة. وطبيعي القول ان هذه الثقافة لا تبني وطنا ولا مواطنين، بل تؤدي الى حروب أهلية جديدة ليس فيها كالعادة غالب ومغلوب، بل مغلوبون بالجملة والمفرق.
صحيح ان لبنان ليس محكوما بالاصنام كما هي الحال في العالم العربي، حيث يقوم نظامه قبل وبعد الاستقلال على تداول السلطة، ولطالما كان يحسدنا الاخوة العرب على ان في بلدنا رؤساء وحكاما سابقين يتمتعون بحرية الحركة، فيما حكامهم لا يتبدلون الا بالموت او النفي. إلا أن أكبر الأصنام العربية وأطولها عمرا، موجود في لبنان، وهو النظام الطائفي الذي لا يتغير او يتبدل مهما تداول الاشخاص السلطة، وهو ما لا يحسدنا عليه حاسد.
لقد هبت رياح التغيير على العالم العربي من تونس ومصر، ولعل أهم ما فيها، ليس تبديل الحكام والاشخاص وبناء انظمة تقوم على تداول السلطة، بل هي الروح التي تجتاح ابناء هذه الأمة والقائمة على قاعدة التجرؤ الشعبي على مواجهة الحاكمين، وهي روح تؤسس لمستقبل واعد مهما طال الزمن. ولا يفترض والحالة هذه ان يكون أحد مستعجلا على قلب الصورة، المهم ان نقطة انطلاق قد وضعت على السطر. ولعل ما يميز لبنان في هذا المجال ان هذه الروح مغروسة من زمان في نفوس اللبنانيين الذين لا تنقصهم الجرأة على حكامهم. لكن المفارقة ان التغيير المطلوب في لبنان يعاند الزمن ويبدو اكثر صعوبة من اي بلد عربي آخر، لأن الإصلاحيين الحقيقيين الذين يحلمون بوطن ومواطن هم أقلية قليلة في بلد الارز وثورته الدائمة. والمؤسف ان الشباب الذي يعول عليه لانجاز التغيير والاصلاح المطلوبين، منقسم حول ساسته وطوائفه واحزابه العاجزة عن تحقيق هذا المراد.
أن التحدي الكبير الذي يواجه التغيير في لبنان يكمن في بناء جيل جديد يخرج على طوائفه ومرجعياته، ليرسم نقطة بداية تهيء لثقافة جديدة تتبنى المواطنة كخط سير لا تحيد عنه مهما طال الزمن أو قصر. وأخشى ما نخشاه ان يتحقق التغيير في بلدان العالم العربي من دون ان يطرق ابواب لبنان. ولعله من باب السخرية ساعتئذ ان يكون شعب لبنان آخر من يصرخ: «الشعب يريد اسقاط النظام».


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تحية الافتتاح