09‏/02‏/2011

المشــهد المصــري مــن أفريقيــا


واصف عواضة
فريتاون :
يتابع الافارقة عبر الشاشات، في غرب القارة وجنوبها وشرقها، التطورات الجارية في شمال القارة, وتحديدا بلدانها العربية، كمن يكتشف لأول مرة جزءا اساسيا من محيطهم كانوا يعتقدون انه اكثر تقدما وحضارة وتمدنا وثقافة سياسية.
وسط همومهم المتراكمة يسأل الافارقة ربما لأول مرة، عما يجري في شمال القارة التي ظنوا لسنوات طويلة ان استقرارها الشكلي يعبر عن رغد في العيش، جنّب شعوبها الثورات والخضات والمذابح التي شهدتها بلدانهم في العقدين الاخيرين. يكتشف هؤلاء ان هذا الاستقرار كان وهماً تحرسه ديكتاتوريات أحكمت قبضتها على مقدرات الشعوب وخيراتها، فيما تنعم افريقيا السوداء من السنغال الى جنوب افريقيا الى كينيا وغيرها، بديموقراطيات قد تكون متواضعة لكنها نبذت الديكتاتوريات وألفت تداول السلطة عبر الانتخابات التي باتت مواسمها تعزز ثقافة الاختيار الحر.
يكتشف الافارقة البسطاء ان ثمة حاكما في قارتهم أمضى ثلاثين عاما في الحكم يزوّر الانتخابات ويرفض التخلي عن السلطة، وحاكما آخر في جواره يتربع على العرش منذ واحد واربعين عاما من دون تجديد او تمديد أو انتخابات، ويطرح نفسه امبراطورا على قارتهم, وحاكما ثالثا جدد لنفسه طوال ثلاثة وعشرين عاما أطاحته الجماهير بالقوة، وحاكما رابعا يعلم الله وحده متى يتواضع ويتنازل عن السلطة، ثم حاكما خامسا يكاد يكون الملك الوحيد في افريقيا يتوارث السلطة أبا عن جد. يكتشف الافارقة البسطاء كل ذلك وهم ينتظرون المواسم الانتخابية في معظم بلدانهم بأحر من الجمر ليغيروا زعماءهم بعدما رذلوا الملوك والاباطرة والحكام المؤبدين على عروشهم.
يكتشف الافارقة البسطاء ان حاكما في قارتهم تبلغ ثروة عائلته بين اربعين وسبعين مليار دولار، فيما بعض خزائن بلدانهم تفتقر احيانا الى مليون دولار، في حين يستنفر المجتمع الدولي على احد حكامهم لأن ثروته تبلغ ثمانية ملايين دولار... فقط لا غير.
يكتشف الافارقة البسطاء أن مصر التي أسهمت في الثورات الاستقلالية في بلدانهم وفي تحريرهم من نير الاستعمار في عهد جمال عبد الناصر، بالكاد يسمعون بها اليوم بعدما استقالت من دورها، ليس في افريقيا فقط بل في عالمها العربي ايضا. ولولا كرة القدم لما انتبه الافارقة الى دولة اسمها مصر هي احدى اكبر دول قارتهم.
يكتشف الافارقة بنخبهم وبسطائهم ان الدنيا تغيرت على أعتاب القرن الحادي والعشرين، إلا العرب وأنظمتهم التي لم تتبدل ولم تتغير. صحيح ان بلدان العرب تطورت وتقدمت وارتفعت الابراج الشاهقة فوق أرضها وباتت الشوارع والاوتسترادات تربط بين مدنها وقراها فيما معظم الدول الافريقية تسعى الى تحقيق ابسط فصول التنمية والخلاص من الفقر والمرض، لكن بات من حق افريقيا ان تتفاخرعلينا بالديموقراطية، نعم بالديموقراطية والانتخابات والاختيار الحر وتداول السلطة وهي أبسط حقوق الانسانية في هذا الزمن.
ربما يعرف الافارقة الآن لماذا نزل الشعب التونسي الى الشوارع واقتلع حاكمه المستدام، ولماذا يحتل الشعب المصري ميدان التحرير في وسط القاهرة منذ أكثر من أسبوعين ويسقط منه الشهداء بالمئات سعيا وراء حقوق مستباحة، بعدما بلغ الجوع والفقر والمعاناة في صفوف ابنائه مبلغا أين منه ما كان يسمى مجاهل افريقيا.
كان عمر بن الخطاب يقف على المنبر ويقول: أيها الناس أطيعوني ما أطعت الله فيكم، فإن عصيت الله فلا طاعة لي عليكم، فقام رجل وقال: والله لئن وجدنا فيك اعوجاجاً لقومناك بسيوفنا، فقال عمر: الحمد لله الذي جعل في أمة محمد من يقوم اعوجاج عمر».
كان ذلك قبل الف واربعمئة سنة. بعد اربعة عشر قرنا هلا لحاكم عربي ان يشك، مجرد شك، ان فيه اعوجاجا، وهل يحسب للناس حسابا، وهل بات السيف الوسيلة الوحيدة لتقويم اعوجاج الحكام العرب؟ وهل أصبحت المنظومة العربية في آخر لائحة الأمم؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تحية الافتتاح