16‏/02‏/2012

خطاب «البيال».. وخيبة الأمل!

واصف عواضة
السفير 16 شباط 2012
خاب أمل الكثيرين بخطاب الرئيس سعد الحريري في الذكرى السابعة لاغتيال والده ورفاقه. افترض هؤلاء، ربما بقليل من الوهم وكثير من الطيبة، أن الحريري سيطلق مبادرة حوارية، ويتقدم خطوة باتجاه خصومه، وتحديداً «حزب الله» المستعد لمبادلة هذه الخطوة بخطوتين، بما يمنح لبنان فرصة لالتقاط الانفاس في ظل الغليان الذي تعيشه المنطقة.
في خطابه من وراء البحار لم يطلب سعد الحريري «الكثير» من «حزب الله». كل ما طلبه من الحزب إلقاء سلاحه وتسليم المتهمين باغتيال رفيق الحريري للمحكمة الدولية. ولا يعني ذلك للحزب غير تسليم رأسه على طبق من فضة، ومن دون ضمانات، لأميركا وإسرائيل والغرب والأمم المتحدة والجامعة العربية، وكل الذين يتشوقون لهذه اللحظة.
ويعرف الحريري ومستشاروه سلفاً أن الحزب لن يسلم رأسه لأحد، وأنه بالتالي ليس لقمة سائغة في فم الحالمين بهذا الأمر، بدءاً من لبنان، مروراً بتل ابيب وواشنطن ونيويورك وبعض عواصم العرب، وانتهاءً بتايلاند وأذربيجان. إلا أن ما لا يريد ان يعرفه الحريري والمستشارون ان التفاهم مع «حزب الله» وهو مرتاح، أسهل بكثير من اللحظة التي يكون فيها مرهقاً وقلقاً وغاضباً. وإذا كان ثمة من يراهن على سقوط النظام السوري لليّ ذراع الحزب وفرض إرادته عليه، فلا حول ولا قوة إلا بالله، لأن لبنان وأهله والقابضين على أزمّته سيدفعون الثمن جميعاً. وعليه فإن الاتفاق مع الحزب الآن، والآن بالذات، أقل كلفة بكثير من المستقبل، أياً كان مصير النظام في سوريا.
لم يأت خطباء 14 شباط 2012 بما يميز الذكرى السابعة عن سابقاتها. النبرة الاستعلائية تجاه الآخرين هي ذاتها، فقط تطعمت بأبيات من الشعرلأمير البيان الذي ظهر زعيماً لقوى 14 آذار في غياب زعيمها المفترض. وحظيت سوريا في ظل حالتها الصعبة بحصة الأسد، كما السنوات الماضية. وحده امين الجميل بخبرته الطويلة حاول النأي بالنفس عن أحداث سوريا «لأن لا مصلحة للبنان بالتدخل في شؤون الآخرين، وأن يتورط بأي عنف سياسي او اقتتال داخلي». وأغلب الظن ان دعوته هذه ذهبت أدراج الرياح أمام المد المتطرف تجاه النظام السوري.
كلام الحريري عن الشيعة كان لافتاً هذه المرة. خاطبهم من موقع الناصح والواعظ والحريص. لكنه لم يوفر «حزبهم» من السهام الجارحة. صحيح ان «حزب الله» ليس كل الشيعة في لبنان، لكن الغالبية الساحقة من الشيعة تعتبر الحزب نفحة من روحها وقطعة من جسدها. فهو حصانتها وضمانتها وحامي حماها والمدافع عن حرماتها في وجه عدو يربض على حدود الوطن، وكانت له معها حكاية طويلة من القهر والتنكيل والعدوان والاحتلال. ويعرف الجنوبيون خاصة هذه الحكاية من ألفها الى يائها. ولم يعد من باب المغالاة القول إن سلاح المقاومة لا يرتبط مصيره بقرار من «حزب الله» فقط، بل بالتشارك مع هؤلاء الذين لا يريدون اكثر من ان يعيشوا كراماً أعزاء على تخوم الجنوب. أما الدولة الضامنة، فعندما تتوفر مقوماتها فلكل حادث حديث. لذلك فإن التوجه الى الشيعة بهذا الخطاب لا يقدم او يؤخر في رؤيتهم الى الحزب وسلاحه ومقاومته.
عفواً.. هكذا يفكر الشيعة حتى الآن، سواء كنا معهم ام على خلاف. ولعل مشكلة الآخرين انهم لم يعرفوا خلال ثلاثة عقود من الزمن، كيف يسحبون البساط الشيعي من تحت أقدام نبيه بري وحسن نصر الله.
في الخلاصة، إن سقوط النظام السوري أو صموده ليس قابلاً للصرف في لبنان، على حد قول الوزير الاشتراكي وائل ابو فاعور. وخير للبنانيين ان يبدأوا الآن، وقبل الغد، عملية التصالح مع النفس اولاً، ثم مع بعضهم البعض، قبل ان يتبين في سوريا، الخيط الأبيض من الخيط الأسود. عندها يعلم الله وحده مآل الاستقرار في لبنان.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تحية الافتتاح