24‏/10‏/2012

قبل أن يختل الميزان الدولي

واصف عواضة -السفير 24 ت1 اكتوبر 2012
كانت أياماً عاصفة، تلك التي اعقبت اغتيال الشهيد وسام الحسن. كاد لبنان خلالها يسقط تحت أرجل الطامعين بالفتن والحروب الأهلية، نتيجة التسرع والأوهام والأحقاد و«الولدنة». لكن الرياح المسمومة انحسرت بقدرة قادر، من دون ان تحط الأزمة السياسية رحالها على مرسى معين.
يُسجَّل هنا للمجتمع الدولي وقفته الحازمة لمنع انفجار لبنان. ولسوف يظل مشهد سفراء الدول الخمس الكبرى في قصر بعبدا، وعلى رأسهم ممثل الامم المتحدة بلكنته العربية الأعجمية، يدق على أفواه الرؤوس الحامية التي اعتقدت انها صاحبة الحل والربط في مصير البلد ومستقبله، فجاء من يهز كيانها بعبارات ورسائل واضحة: «ممنوع الحرب والانفجار، ممنوع الفراغ الحكومي والسياسي، ممنوع العبث بأمن البلد، «كارت بلانش» للجيش اللبناني من أجل لجم الفلتان».
لقد كان الحدث جليلاً وكبيراً الى الحد الذي ارتبكت معه الدولة بكامل أركانها حتى بدت عاجزة عن التصرف، قبل ان ينتشلها «المجتمع الدولي» من الانهيار، فاستعادت توازنها وشدت عزيمتها على الاستمرار في إدارة البلد، ولو وفق الموازين المعهودة. وسيبقى الموقف الدولي الحازم خاضعاً للتحليل والتأويل الى أمد طويل، لكنه بالتأكيد أطفأ النار التي كان يمكن أن تحرق الأخضر واليابس في ما تبقى من بلد الأرز.
وفي السياق المحلي يجب ان يُسجَّل لقوى الثامن من آذار، خاصة «حزب الله» وحركة «أمل»، ذلك الانضباط «الخرافي» غير المسبوق في التعاطي مع هذا الحدث وارتداداته، على الرغم من الاستفزازات السياسية والإعلامية والأمنية التي امتدت من طرابلس الى صيدا، ومن بيروت الى البقاع، على مدى اربعة ايام متواصلة، فكان الحلم سيد الموقف، بقرار واضح وجازم اتخذته المرجعيات السياسية لهذه القوى، والتزم به الحزبيون والمناصرون بجميع شرائحهم، ومن دون تسجيل خرق واحد يبدو انه كان مطلوباً لإغراق الساحة اللبنانية بالدماء.
يجب أيضاً وأيضاً أن يسجل للدائرة القريبة جداً من وسام الحسن، سواء في قوى الأمن الداخلي أم عائلة الشهيد والأقربين، تعاطيها الراقي مع الفاجعة، خاصة المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء اشرف ريفي، الذي فقد في وسام الحسن رفيقه وصديقه وظله ومخزن معلوماته وأسراره.
وفي أي حال لا بد من استخلاص بعض العبر من هذا الحدث، علّ العبرة تنفع المؤمنين:
1- لقد ثبت أن الساحة اللبنانية غير المتماسكة، هي ساحة ممسوكة في هذه المرحلة، محلياً ودولياً، ما يدفع الى بعض الاطمئنان حيال مستقبل البلد، على الأقل في المدى المنظور.
2- أن لعبة الشارع خطيرة، وخطيرة جداً، إذا ما أفلت الزمام من أيدي المرجعيات السياسية، خصوصاً أن ثمة قوى على الساحة خارج سيطرة فريقي النزاع.
3- أن الصراع السياسي مشروع ومسموح ومطلوب في بلد ينشد الديموقراطية، وهو مفتوح على مصراعيه ويفترض أن تكون المؤسسات مسرحه الوحيد.
4- وفي كل الأحوال، وللمرة الألف، أن النظام الطائفي لا يبني وطناً ودولة مهما غالت الطوائف في حرصها على لبنان وأهله. وواهم من يعتقد ان «الربيع اللبناني» يتحقق بإسقاط حكومة واستبدالها بحكومة أخرى. فمن ينشد الربيع في لبنان عليه أن يذهب الى نظام المواطنة الذي يحمي البلد وأهله.
في الخلاصة، انتهى القطوع بأقل الخسائر، لكن الأزمة مستمرة، والخشية كل الخشية ان يختل الميزان الدولي الراهن تجاه لبنان، ويفلت الزمام من أيدي الجميع. عندها سوف نترحم على ما تشهده سوريا من مجازر، وقد كانت لنا عبرة سابقة، ولنا من الخبرة القتالية في غير محلها، ما لا يطمئن أحداً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تحية الافتتاح