04‏/03‏/2013

تيــــار «المســـتقبل» ومظلومية أهل السنّة

واصف عواضة- السفير 4 آذار 2013
لا يمكن لأحد أن ينكر على تيار «المستقبل «شعبيته، أو يمن عليه باعتراف له بحضور وازن في الساحة اللبنانية، فضلا عن حضوره الإقليمي والدولي. كما لا يمكن لأحد أن يعزل هذا التيار على مستوى البلد أو يقلل من شأنه داخل الطائفة السنية التي لا يزال يحظى بغالبية أبنائها وأصواتها الانتخابية.
ليس من السهل أيضاً على أحد أن يمحو تراث رفيق الحريري بشطحة قلم. لقد حقق الرجل إنجازات كبيرة لا يمكن تجاوزها أو العبور فوقها. ولعل أكثر ما يسيء الى الرجل وتياره في هذه المرحلة، هو الحديث العالي النبرة عن مظلومية الطائفة السنية واستضعافها والقفز فوقها.
قد يكون مقبولاً الحديث عن مظلومية تيار «المستقبل» في هذه المرحلة لأنه خارج السلطة، أو بعض الجماعات المحدودة جدا هنا وهناك، سنة وشيعة ودروزاً ومسيحيين، لكن الكلام عن ظلم لاحق بالسنّة أمر يدعو الى العجب العجاب. وهنا يستدعي الواقع كلاماً صريحاً لا بد منه لوضع الأمور في نصابها الصحيح.
لقد كرّس اتفاق الطائف رئيس الحكومة (السني) إمبراطوراً متوّجاً على البلد، ومنحه صلاحيات منقطعة النظير عندما جعل السلطة التنفيذية في يد مجلس الوزراء الذي لا يجتمع إلا بدعوة منه وبموافقته ولا يُقَر قرار إلا بتوقيعه ولا تصرف ليرة واحدة في الدولة إلا بحلمه وكرمه. هو رئيس مجلس الوزراء والناطق باسم الحكومة وموجّه الوزراء جميعاً. رهن طاعته أكثر من ستين مؤسسة بينها مجالس وصناديق تتصرف بالمليارات من الدولارات. ومثل هذه الصلاحيات وغيرها تمتع بها كل رؤساء الحكومات منذ إقرار دستور الطائف حتى غدا المسيحيون جميعا والموارنة خاصة، يندبون الصلاحيات الضائعة لرئيس الجمهورية الماروني. فكيف تكون الطائفة السنية مستضعفة ومظلومة مع نجيب ميقاتي، ولا تكون كذلك مع سعد الحريري وفؤاد السنيورة، مع العلم أن القضايا المشكو منها ورثها النجيب من حكومتي سعد وفؤاد، فضلا عن أن ميقاتي لم يُثبت أنه أقل عناداً في السلطة من الحريري والسنيورة، لا تجاه الطوائف الأخرى ولا تجاه طائفته بالذات.
كيف تكون الطائفة السنية مظلومة ومستضعفة وهي تملك من الإمكانات والنفوذ التجاري والصناعي والمصرفي ما لا يمكن مقارنته بالطوائف الأخرى (اللهم لا حسد) فضلا عن وجودها وحضورها وسط بحر هائل من العالم الإسلامي السني الذي يوفر لها كل الأغطية السياسية والحماية الوجودية والإمكانات الاقتصادية الهائلة؟ وعليه كيف يمكن لـ«تيار المستقبل» ان يسكت على مثل هذا الكلام الصادر عن أشخاص يتحدثون باسم الطائفة وكأنهم زعماؤها والقائمون على شؤونها وهو كلام يسيء الى الطائفة ويوهن أبناءها؟ وهل يدرك قادة التيار الى أي مهالك يؤدي هذا الكلام الذي لا يخلو من التحريض على طوائف أخرى شريكة في هذا الوطن، وهي تريد بصدق ان يكون تيار «المستقبل» شريكا أساسيا لها؟ وهل يعتقد ان الفتنة المذهبية إذا تحولت من النفوس الى النصوص سوف يسلم منها التيار والطائفة السنية والبلد عامة؟
رحم الله رفيق الحريري الذي كان يستدرك المشكلة قبل ان تقع وقبل خراب البصرة، من خلال انفتاحه على شراكة حقيقية مع الآخرين، وحري بتيار «المستقبل» اليوم ان يتبع درب المؤسس، سواء كان داخل السلطة أو خارجها، فلا يترك للخيول الجامحة داخل التيار ان تطغى على نهج المؤسس، رأفة بنفسه وبالبلاد والعباد. أما إذا كانت شهوة السلطة هي الغالبة، فيجب ان يبقى بلد أولا لكي يعود التيار الى السلطة، وهذا هو التحدي الذي يواجه الجميع في هذه المرحلة. وليس من حسن الفطن النأي بالنفس عن شيخ يكاد يفجر صيدا، وآخر يهدد بفتاوى قاتلة في طرابلس، وثالث يُعتدى عليه خلال صلاة الجمعة في بيروت، وهي المدن الكبرى الثلاث التي يسبح فيها تيار «المستقبل» إلا إذا كان التيار بات يستمرئ مقولة «علي وعلى أعدائي يا رب». عندها لا حول ولا قوة إلا بالله.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تحية الافتتاح