19‏/03‏/2013

«الحشّاشون الجدد»

واصف عواضة- السفير -الثلثاء 19 آذار 2013
طالما أن حركة «أمل» و«حزب الله» وتيار «المستقبل» و«التيار الوطني الحر» والكتائب و«القوات اللبنانية» و«الحزب التقدمي الاشتراكي», كلهم ينادون بدولة مدنية عمادها إلغاء الطائفية السياسية, فمن الذي يرفض التغيير وتحويل لبنان الى دولة المواطنة؟.. لعله «الحزب الشيوعي» و«الحزب السوري القومي الاجتماعي» والاحزاب العلمانية «الملحدة» ومنظمات حقوق الانسان التي لا تريد الخير للبنان!
يقودنا هذا الكلام الى المهرجان السنوي الذي اقامته قوى الرابع عشر من آذار يوم الاحد المنصرم في مجمع «البيال», والذي اعقبه ليل صاخب نتيجة الاعتداء على اربعة من رجال الدين السنّة في منطقتي الشياح والخندق الغميق، وهما منطقتان محسوبتان على الطائفة الشيعية.
في المناسبة الاولى تحدث اربعة عشر ناشطا من قوى الرابع عشر من آذار، ينتمون الى جميع الطوائف اللبنانية. نادوا جميعا بدولة مدنية, ودعا بعضهم الى إلغاء الطائفية السياسية. هاجموا الفساد والفاسدين وتحسّروا على لبنان الرفاه والاستقرار والطمأنينة. حذروا من الفتن الطائفية والتحريض المذهبي ومن عودة الحرب الأهلية. قالوا كلاما غريبا عن معظم الجالسين في الصف الامامي, ومع ذلك صفق هؤلاء لهم بحرارة، وادّعوا ان قوى «14 آذار» بريئة من دم هذا الصديق, وانها تنشد قيام دولة المواطنة بلا كلل او ملل, في حين يقيم اقطابها الدنيا ولا يقعدونها, كلما همس حالم بالدعوة الى تشكيل الهيئة الوطنية لالغاء الطائفية السياسية.
في ظل هذه الاجواء التي تمثل أرقى حالات الانفصام السياسي, والتي لم تخل من بعض المداخلات الناقمة والمشبعة بالتحريض والتجييش, لم يكن ليل بيروت هانئا ومبشرا بالاستقرار المنشود, حيث اعتدى شبان وصفوا بـ«الحشاشين» على اربعة من مشايخ الطائفة السنية, في منطقتين محسوبتين على الطائفة الشيعية, ما عكس حالة من الهيجان في اكثر من منطقة, رافقها اقفال طرق ودعوات الى الجهاد. ولولا أن القوى الأمنية سارعت بالتعاون مع حركة «أمل» و«حزب الله» الى اعتقال الفاعلين لاحترقت بيروت وأخواتها بنار الفتنة.
للوهلة الأولى ظنّ الناس وهم يستمعون الى وزير الداخلية مروان شربل, ان حركة «الحشاشين» قامت من بطون التاريخ, وان زعيمها حسن الصباح أفاق من قبره وأطلق العنان لثقافته المدمرة من قلعة «الموت» اللبنانية التي يصار الى بناء هياكلها حجرا بحجر في اكثر من منطقة لبنانية. وفي كل الاحوال يصعب على المرء ان يتخيل ان ما حصل في الشياح والخندق الغميق كان بريئا براءة الذئب من دم يوسف ابن يعقوب, بحيث يُنسب هذا الفعل المشين الى طيش شبان أخذ الحشيش منهم مأخذا. وكي لا نستبق الأمور نترك للتحقيق الرسمي كشف كوامن هذه القضية, مع اعتقادنا الجازم ان الهدف الرئيسي لهذه الحادثة هو الاساءة للطائفة الشيعية وقياداتها السياسية والدينية, قبل الولوج الى الفتنة المشتهاة.
وعلى هذا الاساس يفترض بالقيادات الشيعية ان تهب هبة رجل واحد لقطع دابر «الحشاشين الجدد» من خلال رفع الغطاء الجدي عن البؤر المتمترسة في المناطق المحسوبة عليها, كي لا تظل لصاحب مصلحة فرصة في تشويه سمعة هذه الطائفة التي دفعت الكثير الكثير في سبيل لبنان وتحريره واستقراره. وحسنا فعل مفتي الجمهورية في خطابه امس بتحميل القيادات السياسية, سنية وشيعية, مسؤولية الفعل الجبان الذي تعرض له المشايخ الأربعة.
على أن معالجة ذيول هذه الحادثة لن يكون كافيا, وهي مرشحة للتكرار, ما لم تبادر قيادات السنة والشيعة الى مصالحة حقيقية تُبعد الكأس المرة عن البلد, وتكون مقدمة لعقد سياسي جديد مع الشريك الآخر في الوطن, من دون تكاذب او انفصام, يقوم على المواطنة ثم المواطنة ثم المواطنة. وبغير ذلك سوف يقوم «الحشاشون» من قبورهم, وينبت ألف حسن الصباح في بلد يعتقد أهله انهم من جنس الملائكة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تحية الافتتاح