04‏/09‏/2013

هل احترقت مراكب العودة؟

واصف عواضة- السفير - 4-9-2013
يبدو أن الصراع في سوريا وعليها، وكأنه بلغ مرحلة إحراق مراكب العودة. فلا التحالف الأميركي الغربي السعودي التركي قادر على التراجع عن ضربة عسكرية، حتى لو استهدفت مزرعة للدجاج، ولا الحلف الروسي ـ السوري ـ الإيراني في وارد التنازل عن الرد على أي ضربة، إلا إذا استنبطت القرائح الدولية صيغة مخرج كريم لكل الأطراف، يقود الى حل سياسي عبر مؤتمر جنيف الموعود.
البداية من واشنطن حيث يقف العالم على رٍجل واحدة، بانتظار قرار يتخذه رجل واحد قد يفضي الى كارثة دولية لن ينجو من آثارها أحد. لكن هذا الرجل، باراك أوباما، اثبت، «حتى الآن»، أنه ليس متهوراً، وأنه يحسب حسابات دقيقة لخطواته، لكنه قد يفعل العكس اذا ما ضاقت به السبل. هو لا يخفي ان أمن اسرائيل يأتي في الطليعة، وقد يكون وصل الى قناعة بأن خصومها مستعدون لقلب الطاولة على رؤوس الجميع. وعلى الرغم من الضجيج الإسرائيلي المنادي بالحرب على سوريا، فأغلب الظن ان اسرائيل نفسها لا تريد ذلك على قاعدة «دعوا العرب يقتلون بعضهم البعض بهدوء»، على حد ما اوردته صحيفة «يديعوت أحرونوت» قبل فترة. وحدهم المجانين (في نظر الكثير من الخبراء الإسرائيليين) من يحشر أنفه في الأزمة السورية ويتحمل أوزاراً غير محسوبة. إلا أن كل ذلك لا يغفر للادارة الأميركية تراجعها المهين عن وعودها بمعاقبة النظام السوري اذا لم يتأمن لها مخرج مشرف.
في دمشق يبدو ان كأس النظام قد امتلأ حتى النهاية، ولذلك هو يتعامل مع الأزمة على قاعدة «إما قاتل أو مقتول». وتنقل المصادر عن الرئيس بشار الأسد إنه لن يتوانى عن استخدام كل الأسلحة المتوفرة بين يديه، كل الأسلحة وفي كل الاتجاهات، اذا ما تعرضت سوريا لأي ضربة عسكرية. لم يعد عنده ما يخشى عليه بعد ثلاثين شهراً من الحرب الضروس التي دمرت سوريا وهجرت شعبها وعطلت دورها في المنطقة، وبضعة صواريخ بالزائد، بعد الضربة الأميركية، من هنا وهناك لن تزيد الطين بلة على قاعدة «ما لجرح بميت إيلام». لكنه في الوقت نفسه لا يقفل باب الحل السياسي على قاعدة انتخابات حرة، وليشرف عليها المجتمع الدولي كيفما يشاء.
في طهران ثمة من ينظر الى سوريا بأنها شريان الحياة في الشرق الاوسط للسياسة الإيرانية ومبادئها الثورية. طهران، التي اثقلتها العقوبات الدولية، سمع الموفدون إليها والزوار فيها من كبار المسؤولين الإيرانيين أنهم لن يتركوا سوريا وحدها، ولن يسمحوا بسقوطها مهما غلا الثمن ومهما ارتفعت التكلفة. وقد ردت طهران كل العروض التي رفعت إليها لغض الطرف وإقناع النظام السوري باستيعاب ضربة عسكرية حتى لو كانت شكلية. ويعرف الغرب أن إيران ستفعل، وأن إغلاق مضيق هرمز قد يكون في رأس الأهداف، ما يمنع ثلث بترول العالم عن الخروج من الخليج، ويرفع أسعار النفط الى مستويات جنونية في ظل ازمة اقتصادية عالمية سوف تتفاقم بما لا تتحمله الدول المستوردة.
في موسكو لم يعد القيصر الروسي واهناً ولا مربكاً بعد ان استعاد مجده التليد، ولا يزعجه مطلقاً ان تغرق الولايات المتحدة من جديد في وحول المنطقة. وعليه، هو يغطي حلفاءه سياسياً ويمد سوريا بالسلاح ولا يبذل أي جهد لإيجاد مخرج مناسب للإدارة الاميركية غير الحل السياسي المتوازن المستند الى مؤتمر جنيف. موسكو ليست مستعدة في النتيجة لخسارة آخر موقع لها في الشرق الأوسط وإطلاق العنان لـ«الإرهاب» في منطقة على خطوات منها، وهي التي عانت طويلا من شروره في القوقاز والشيشان وغيرهما.
وسط هذه الصورة تبدو السعودية وتركيا مع الضربة العسكرية لسوريا بلا حدود ولا محدودية، في موقف يبدو أقرب الى الثأر من بشار الأسد ونظامه، منه الى لعبة المصالح والحسابات. لكن هذا الموقف الذي بلغ أشده لا يقدِّم أو يؤخر في الحسابات الأميركية، حيث لا تنظر واشنطن في المنطقة أبعد من المصلحة الإسرائيلية، فضلاً عن مصالحها الإستراتيجية.
في الخلاصة، الأيام المقبلة حرجة ومقلقة ودقيقة، وقد تكون قمة العشرين في بترسبورغ في روسيا فرصة ثمينة لتفادي الحرب الشاملة، والانتقال الى مرحلة جديدة من التعاطي باتجاه الحل السياسي للأزمة السورية، الذي تبدو مؤشراته حتى الآن بعيدة المنال.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تحية الافتتاح