02‏/09‏/2013

من الحرب «المدروسة» إلى الحرب «المشروطة»!

واصف عواضة- السفير 2-9-2013
تريد الادارة الاميركية أن تضرب سوريا، لكنها في الوقت نفسه تريد هجوما محدودا لا تنزلق خلاله أو بعده الى حرب شاملة في المنطقة تتورط فيها الولايات المتحدة، على غرار الحرب على أفغانستان والعراق. وعليه أجرت الولايات المتحدة محادثات مع حلفائها والخصوم على السواء، لتحديد طبيعة هذه الحرب وأهدافها ونتائجها سلفا، في ظاهرة تبدو غريبة على منطق الحروب من جهة، وتحمل على السخرية من جهة أخرى. حتى أن بعض الخبثاء ارتأى على الرئيس أوباما دعوة الرئيس بشار الأسد الى اجتماع قمة ثنائية، يتفق فيه الطرفان على تفاصيل الضربة العسكرية وأهدافها ومداها وحدودها، ما دام الرئيس الأميركي متوجسا ومرتبكا وعاجزا عن اتخاذ القرار، وفي ذلك ما يجنّب المنطقة أوزار الحرب واثقالها.
واقعا «إن شر البلية ما يضحك». لكن ما لا يحتمل الضحك ان سوريا تدفع من جلدها وابنائها ثمن هذا الواقع المؤلم. فالامبراطورية العظمى تريد حربا «مدروسة» جداً، وطبيعي أن تتشاور مع حلفائها في آلية هذه الحرب، وسبق لها أن فعلت في حروب سابقة وفرضت عليهم المشاركة فيها، متحملين الغرم من دون الغنم. لكن أن تتفاوض أميركا مع خصومها في نتائج هذه الحرب من قبل أن تبدأ، فهي تريدها حربا «مشروطة»، وفي ذلك نوع من العنجهية غير المسبوقة من جهة والارتباك المحسوب من جهة ثانية، إذ لم يعد سرا أن واشنطن تتحادث مباشرة مع موسكو وتفاوضت بالواسطة مع طهران ودمشق في هذا الصدد.
تريد الولايات المتحدة توجيه ضربة لسوريا من دون أن تؤذي إسرائيل أو تطال آبار النفط. ضربة من دون اي رد فعل، تبقي مضيق هرمز مشرعا أمام الملاحة البترولية، ولا تمس شعرة من رؤوس حلفائها في المنطقة. ولأنها لم تضمن ذلك، فهي ترددت في اتخاذ القرار. بل اكثر من ذلك، هي لمست جدية حلفاء سوريا في الرد على اي عدوان، خصوصا ايران التي ابلغت من يعنيهم الأمر انها لن تتردد في ذلك ايا كان الثمن. ولذلك لم يكن مفاجئا لجوء الرئيس اوباما الى الكونغرس لتأمين الغطاء لخياره العسكري.
طبعا لا يستهين احد بقوة الولايات المتحدة وقدرتها على خوض الحروب وتحقيق الانتصارات، وواهم من يظن أن خصوم أميركا يستهينون بهذه القدرات، لكن الحسابات الأميركية للحروب لم تعد على غرار النزهات السياحية، ومن الطبيعي أن تدرس الإدارة الأميركية بكثير من التأني حروبها المقبلة، استنادا الى حروبها السالفة.على انه من الغباء النظر الى الإخفاقات الأميركية بشيء من النشوة الفارغة. فما تشهده المنطقة اليوم من فوضى عارمة، هو نتيجة لهذه الحروب والتدخلات الأميركية المباشرة وغير المباشرة، والتي أمنت لإسرائيل نوعا من الاسترخاء والاطمئنان.
ثمة أربعة جيوش عربية كانت تقلق إسرائيل بعدتها وعديدها، بعيدا عن الأنظمة التي كانت تقودها، استطاعت أميركا أن تدمر اثنين منها وتسعى الى تدمير الاثنين الآخرين. دمّرت الولايات المتحدة الجيش العراقي والجيش الليبي، وتحاول اليوم تدمير الجيش السوري، وواهم من يعتقد أن الجيش المصري مستثنى من هذه المعادلة. من هنا يمكن فهم الإدارة الأميركية في سعيها لإطالة أمد الحرب في سوريا الى ما شاء الله، وحتى آخر سوري. قد يقول قائل إن هذه الجيوش لم تكن تشكل خطرا على إسرائيل منذ حرب العام ١٩٧٣. وقد يكون في ذلك بعض المنطق، لكن من كان يضمن لاسرائيل ان تبقى هذه الجيوش الجرارة عدة وعديدا، محبوسة داخل قفص أنظمتها المحايدة او المهادنة، او المغلوب على أمرها.
في الخلاصة، لم تعد الضربة الأميركية لسوريا قدرا مكتوبا في ظل التردد الاميركي، وبات في امكان اوباما الانسحاب منها في إطار معادلة تضمن استمرار الحرب في سوريا من دون أن يتمكن احد من الحسم، على الأقل بانتظار تبلور المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، لتهريب «تسوية ما» في ظل انشغال الأطراف المؤثرة فيها، فضلا عن إنهاك الجيش السوري وتصفية المزيد من «الإسلاميين المتطرفين» الذين يقاتلون على ارض الشام. وفي كلتا الحالتين لن تضمن الولايات المتحدة بعد اليوم حصر الحريق في مكان معين، لكنها بالتأكيد لن تخسر الكثير، مقارنة بالخسائر اللاحقة بالمنطقة ودولها، بشرا وحجرا وخيرات مدفونة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تحية الافتتاح