05‏/07‏/2011

وا سـيـاحـتـاه

واصف عواضة
السفير 5 تموز 2011
كاد الرئيس نجيب ميقاتي، وهو يستمع الى الرئيس فؤاد السنيورة من «البريستول» يدعوه إلى «الاعتراف او الرحيل»، يتوهم نفسه عاهلا لإحدى الممالك العربية، او شيخا دائما لإمارة او زعيما مؤبدا، وليس رئيسا لحكومة لبنانية «لو دامت لغيره لما آلت اليه». لكن الرجل يعرف أكثر من غيره ان السنيورة والمتحلقين حوله ليسوا من «شباب الثورة»، ولا الفندق العريق في قلب بيروت هو «ميدان التحرير».
الذين صاغوا بيان قوى الرابع عشر من آذار يوم الأحد الماضي استوحوا بلا شك مقولتهم للرحيل من «الربيع العربي» الذي يزعم بعضهم أن لبنان كان محركه الاساسي من خلال «ثورة الأرز». ولأن «الربيع العربي» ما يزال زاهرا، من تخوم المغرب الى حدود اليمن، كان اللبنانيون يعوّلون على موسم سياحي واعد يشهد نزوحا عربيا وخارجيا تضيق به بلاد الارز. لكن استنساخ الثورات العربية في لبنان بهذا الشكل الساخر، سيكون من نتائجه على الارجح زحف اللبنانيين الى الخارج، واستنكاف آخر مغترب لبناني عن القدوم الى لبنان، لا سيما بعد حفلات «الزجل» التي يعد بها شعراء النكد السياسي، ولسوف يشهدها المقيمون والمغتربون والسياح العرب، ابتداء من اليوم في مجلس النواب.
لم يغب عن بال هؤلاء في صراعهم مع نجيب ميقاتي ودعوته إلى الرحيل أننا على أبواب الصيف والموسم السياحي الذي تنتظره شرائح لبنانية عدة، لتعويض الركود الاقتصادي الذي يضرب البلاد. وربما لا يغيب عن بالهم ايضا ان نجيب ميقاتي الذي أنعم الله عليه بالكثير (اللهم لا حسد)، وكذلك كل أقطاب الحكومة، سيكونون آخر المتأثرين بضرب الموسم السياحي، لأن الله أعزّ معظمهم عن الحاجة الى قروش السياح ودنانيرهم. وبالتأكيد فإن معظم أقطاب 14 آذار ليسوا اول المتضررين ولا آخرهم من غياب السائحين والمصطافين عن ربوع الوطن.
ان النتيجة المباشرة لهذا الواقع المرير، هي حرمان لبنان من بعض المداخيل التي تسند خابية الفقراء ومتوسطي الحال الذين يعملون في المراكز والمرافق السياحية والتجارية، فضلا عن اصحاب هذه المرافق الذين لن يجدوا بدا من صرف الآلاف من العاملين والاستغناء عن خدمات الموسميين منهم. وقد لا يخفى على أحد ان معدلات الجريمة، من السرقة والنشل وتجارة الممنوعات والنصب والاحتيال، تتفاقم عادة على ارتفاع معدلات البطالة والحاجة والعوز، وسوف تتفاقم اكثر في لبنان مع موسم سياحي مضروب.
ان سياسة «لحس المبرد» التي يمارسها بعض الساسة اللبنانيين، لن تنتج إلا حربا أهلية جديدة لا تبقي ولا تذر. وإذا كانت الحرب الماضية قد حصدت العشرات من الشخصيات السياسية قتلا واغتيالا وتهميشا، فإن الحرب المقبلة لن توفر هؤلاء الذين يقودون البلد الى مصير مجهول. فهل من يعتبر؟
«ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم».

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تحية الافتتاح