26‏/07‏/2011

السفراء الاجانب والخطوط الحمر

واصف عواضة
السفير 26 تموز 2011
يتحول السفراء الاجانب في لبنان في فترة وجيزة، الى نجوم ينافسون السياسيين والاعلاميين والفنانين وارباب الطرب وابطال الافلام والمسلسلات التلفزيونية والسينمائية، لكثرة اطلالاتهم على الشاشات.
اكثر من ذلك يستطيع اي سفير او ملحق في السفارة ان يسرح ويمرح ويلقي الخطب من دون استئذان في طول لبنان وعرضه، وغالبا ما تكتشف اجهزة الأمن جولته قبل وزارة الخارجية. لم يستطع وزير خارجية واحد في تاريخ لبنان كبح جماح هؤلاء الدبلوماسيين والزامهم بالقوانين والبروتوكولات الدبلوماسية التي تمنع عليهم التصريح وابداء الرأي في الشؤون الداخلية اللبنانية بسبب ومن دون سبب.
كان مبررا هذا الواقع قبل الاستقلال لبعض السفراء والقناصل والمفوضين السامين الذين كانت بلدانهم تستعمر بلدنا او تفرض حماياتها على الطوائف والملل والنحل، فما الذي يبرر لهؤلاء هيمنتهم على الشاشات ووسائل الاعلام في بلد ذي سيادة؟
طبعا لا يتحمل السفراء وحدهم مسؤولية الفلتان الدبلوماسي الذي يسود لبنان. كبار المسؤولين اللبنانيين، رؤساء ووزراء، يتحملون مسؤولية فتح منابرهم للسفراء والدبلوماسيين الذين يلهجون بكبيرة القضايا الداخلية وصغيرتها. ايضا النواب والسياسيون الذين يُتخِمون السفراء بالدعوات والمآدب، وغالبا من دون استئذان الخارجية او معرفتها، يتحملون بدورهم عبء الافراط الدبلوماسي في الكلام المباح والمواقف الرنانة والمآكل الشهية، لدرجة ان احد السفراء الاجانب شكا ذات يوم لزميل لبناني من ان وزنه زاد في لبنان في ثلاث سنوات اربعين كيلوغراما. ايضا وايضا الاعلاميون اللبنانيون يتحملون قسطا وافرا من المسؤولية حين يستجوبون الدبلوماسيين، علنا وعلى رؤوس الاشهاد، في ادق التفاصيل السياسية الداخلية ومواقف حكوماتهم منها، بما في ذلك تعيينات الوزراء والموظفين الكبار والصغار.
في المقابل، يعاني السفراء اللبنانيون في الخارج، شأنهم شأن غيرهم من الدبلوماسيين، ضائقة نجومية، بحيث تحسب اطلالاتهم وتصريحاتم بالثواني والأحرف، لأن القانون الدبلوماسي يحرّم عليهم الكلام المطلق ومن دون حساب، خاصة التدخل في شؤون البلدان المعتمدين فيها. ولولا بعض المصائب والويلات التي تحل بالمغتربين اللبنانيين وتصدي الدبلوماسيين لها، لما سمع اللبنانيون بأسماء سفرائهم في الخارج، فيما هم يعرفون جيدا كل السفراء الاجانب في لبنان الذين ينافسون مذيعي النشرات الاخبارية في اطلالاتهم على الشاشات.
يروي احد السفراء اللبنانيين السابقين في احدى الدول الاوروبية المهمة ان وزير خارجيتها تمنّع عن استقباله خلال حرب تموز 2006 على الرغم من الحاح السفير على ذلك اربع مرات متتالية، ما اضطر هذا الاخير الى جمع ستة سفراء عرب للاجتماع بمعالي الوزير الاوروبي لشرح نتائج العدوان الاسرائيلي على لبنان. وفي النتيجة خرج السفير من حضرة الوزير بتهمة الانتماء الى «حزب الله».
في الخلاصة، يستحق هذا الموضوع التوقف امامه بحزم من قبل وزير الخارجية الجديد عدنان منصور، صاحب الباع الطويل في الاعراف الدبلوماسية. وليس من الحكمة ان يُترك الوزير وحده في مغالبة هذا الموضوع، بل ان تتوقف امامه الحكومة بقليل من الجدية لكبح جماح الدبلوماسيين والسياسيين والاعلاميين معا، وتطبيق الاصول الدبلوماسية الدولية والتعامل بالمثل، ليشعر اللبنانيون بأننا في دولة ذات سيادة، ولو بالشكل، لأن الشكل يكاد يعادل المضمون في هذا الموضوع. ولنتعلم على الأقل من وليد المعلم وزير خارجية سوريا، ان للسفراء حدودا، وان لسيادتهم خطوطا حمرا داخل الحدود اللبنانية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تحية الافتتاح