14‏/07‏/2011

خـــذوا الحـكـمــة مــن جـنـبـــلاط

واصف عواضة
ليس من باب التوهم ولا التهويل مجاراة وليد جنبلاط، في استشعار الخطر الداهم على لبنان في ظل الانقسام الذي يعيشه البلد حول الحكومة والمحكمة وسلاح المقاومة وأشياء أخرى غير منظورة. فما يشهده لبنان والمنطقة من أحداث يتفاعل معها العالم بأسره، يفترض أن يكون مدعاة للقلق والهواجس التي تدفع الكثيرين للدعوة الى تجديد الحوار بين الفرقاء اللبنانيين، ولو من حيث الشكل في هذه المرحلة الدقيقة. ولعل الإفراط في التفاؤل أو التشاؤم حول مستقبل لبنان، لا يكفي المؤمنين شر القتال والفتنة التي يُستدرج اليها اللبنانيون كما تُستدرج الشاة الى سكين الجزار.
صحيح أن وليد جنبلاط لم يقدم حلولا للمرحلة المقبلة، ولم يدّع أنه يملك الدواء السحري لمعالجة الأزمة، لكنه فتح كوة صغيرة في الجدار المقفل، تقوم على استئناف الاتصالات والتحاور بين الرئيس سعد الحريري من جهة والرئيس نبيه بري والسيد حسن نصر الله من جهة ثانية، اذ من شأن هذا الاقتراح أن يخفف على الأقل من حدة الاحتقان غير المسبوق الذي عبرت عنه جلسات الثقة في المجلس النيابي الاسبوع المنصرم.
لم يدّع وليد جنبلاط الحكمة يوماً في طائفة تتصف بالحكمة وتحمل كتابها. ولطالما وقف بجرأة يعترف بأخطاء ارتكبها في مسيرته السياسية. لكنه منذ السابع من أيار 2008، قرأ الزعيم الدرزي جيدا في «كتاب الحكمة» السياسية، واتخذ على هذا الاساس مواقف شجاعة تخالف الذوق العام لطائفته التي انقبض معظمها من مواقفه. لكنه استطاع خلال السنوات الثلاث الماضية ان يسحب نظريته على عقلاء قومه والمشاغبين معا، بأن خسارة موقف سياسي أفضل بكثير من خسارة طائفة وبلد في حرب لا تبقي ولا تذر.
يعرف جنبلاط أن المطلوب واحد وهو رأس المقاومة. ويعرف أن مثل هذا الهدف ليس يسير المنال. يعرف أن وراء المقاومة جمهورا واسعا، وبالتالي طائفة كبيرة ستدافع عنها بأسنانها. ويعرف ايضا أن الاستمرار في هذا الهدف قد يضعف المقاومة أو ربما يهزمها اذا ما تكالبت قوى الشرق والغرب عليها، لكنه يعرف ايضا أن مثل هذا الأمر لن يُبقي في لبنان حجراً على حجر. والنموذج الليبي خير مثال على ذلك. عندها سيحكم الحالمون برأس «حزب الله» على أطلال بلد لن تقوم له قيامة.
لم يكن متوقعاً من سعد الحريري الاستجابة الكاملة لتمنيات وليد جنبلاط بالحوار مع بري ونصر الله، ربما لأن الهامش الزمني بين كلام الاول والثاني كان ضيقاً، ولم يتح للحريري التفكر جيدا في كلام جنبلاط. وهو ترك الباب مفتوحا للقاء بحضور شهود. هكذا نريد أن نفترض. ولكنّ ثمة وقتاً للتفكير جيدا، خصوصا أن الرئيس نبيه بري فتح الباب أمام مصالحة حقيقية في لبنان. ولا يزال الباب مفتوحا ولم تضع الفرصة. المهم أن يعود سعد الحريري الى البلد طالما لا أسباب أمنية تمنعه عن ذلك كما يقول. وليقرأ فقط في كتاب رفيق الحريري الذي أحسن التعاطي مع حسن نصر الله، حتى لا يقع الهيكل على رؤوس الجميع. وليأخذ الحكمة من وليد جنبلاط. فحتى الآن لا بديل من سعد الحريري شريكاً في هذا الوطن.
واصف عواضة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تحية الافتتاح