01‏/09‏/2011

حكومة ما بعد العيد

واصف عواضة
عندما قَبِل الرئيس نجيب ميقاتي تكليفه رئاسة الحكومة، كان يدرك جيدا حجم المشاكل التي يمكن ان تعترضه، ويدرك ايضا حسابات الربح والخسارة على المستوى السياسي للعائلة الميقاتية التي من حقها ان تطمح الى زعامة ثابتة بحجم الطائفة والبلد. وعندما شكل حكومة الاكثرية الجديدة على النحو الذي تيسّر بعد الاخفاق في إطلاق حكومة وحدة وطنية، كان ميقاتي يدرك اكثر فأكثر حجم الخسارة الشخصية والعائلية التي يمكن ان يتكبدها إذا فشلت هذه الحكومة في تحقيق إنجازات سريعة على المستوى الوطني العام، لا سيما في المجالات المعيشية التي تطال حياة الناس مباشرة.
قد يكون الرئيس ميقاتي العائد من «رحلة التأمل» الى مكة المكرمة في حالة مراجعة دقيقة للحسابات بعد مرور خمسة وسبعين يوما على تشكيل الحكومة ونحو ثمانية اشهر على التكليف، من دون ان تتمكن هذه الحكومة من تحقيق إنجاز وازن يشكل رافعة لاستمرارها. صحيح ان حجم المشاكل التي تواجه هذه الحكومة كبير جدا لما ورثته من أحمال الحكومات السابقة، وصحيح ان الوضع الداخلي المفكك والكيدي يعرقل الانجازات، وصحيح ان الوضع الاقليمي لا يساعد على تيسير مسيرة الحكومة، لكن الصحيح ايضا ان التشكيلة الحكومية المركبة وغير المتجانسة والتي ظهرت خلافاتها في اول بند جدي على جدول اعمالها، ترفع من حدة الهواجس بأن هذه الحكومة قد يكون عمرها أقصر بكثير مما تترقبه المعارضة وتعيش على أحلامه.
تتشكل هذه الحكومة من خمسة فرقاء اساسيين، بينهم فريقان لا يحتملان المماطلة وتقطيع الوقت والفشل، لأنهما في السياسة لا يستطيعان الذهاب الى الانتخابات النيابية المقبلة بحكومة فاشلة. وتحت هذا العنوان يمكن فهم التوتر الذي يعتري الموقف السياسي للعماد ميشال عون وفريقه في تكتل التغيير والاصلاح. ومن هنا فإن التهديد بالاستقالة من الحكومة ليس تهويلا من جانب هذا الفريق الذي سيكون مبررا نفَسُه القصير في الصبر على على حالة الجمود. واذا كان الرئيس ميقاتي اكثر صبرا وأطول نفَسا من فريق الجنرال، فإنه يعرف ايضا انه محكوم بفترة محدودة وغير مفتوحة.
وفيما يبدو وليد جنبلاط الرجل الاقوى داخل الحكومة ومجلس النواب معا ويدير حساباته السياسية على هذا الاساس، يتحمل الثنائي الشيعي في الحكومة أعباء النهوض بها وانتشالها من السقوط المبكر، من خلال سعيه المضني لتسوية الخلافات. لكن الفريقين يتمتعان في النهاية برصيد شعبي غير قابل للصرف. ومن هنا تلقي الازمة على الرئيس ميقاتي وفريقه عبء اجتراح الحلول والتسويات المناسبة لإطلاق ورشة العمل الحكومي، وفي طليعة ذلك موضوع الكهرباء الذي يبدو ان هذه الورشة باتت متوقفة على حسمه بصورة ايجابية، لأن «حكومة ما بعد العيد» لا يمكن ان تكون أو تستمر على حالة حكومة ما قبله. فالجميع يدرك سلفا أن حكومة تصريف الاعمال الناجمة عن حكومة مستقيلة، سيكون عمرها مديدا جدا، وستعيش البلاد والعباد ظلاما أشد حلكة من ظلام التقنين الكهربائي. وكل عام وأنتم بخير.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تحية الافتتاح