23‏/09‏/2011

مشروع الفرزلي وأحلام الزمن الضائع

 
واصف عواضة
السفير 23 ايلول 2011
يطرح المشروع الانتخابي الذي يسوّقه دولة الرئيس ايلي الفرزلي باسم «اللقاء الارثوذكسي»، اخفاقات جيلنا واحباطاته، ومحاولاته البائسة خلال اكثر من اربعة عقود من الزمن، للخروج من النظام الطائفي وبناء بلد يقوم على المواطنة، لا فضل فيه لعربي على عجمي الا بالتقوى.
المشكلة ان الرئيس الصديق الذي يملك من الحجج والمستمسكات يكاد يقنعنا بمشروعه الانتخابي القائم على تولي كل طائفة انتخاب نوابها بنفسها، وعلى قاعدة النسبية والدائرة الواحدة، بما يشبه حقنة «مورفين» تذلل الاوجاع والآلام، لكنها لا تقضي على المرض. وأخشى ما نخشاه في هذا الزمن الرديء، ان يتمكن الفرزلي ذات يوم بحنكته ودهائه السياسي، من اقناعنا بهذا المشروع الذي يعني الانتحار او الموت الرحيم تخلصا من المرض العضال.
والمشكلة الأكبر ان رجلا كالفرزلي، لا يستطيع أحد التشكيك بوطنيته وقوميته، وهو سليل عائلة ارثوذكسية لم تعرف التطيف والتمذهب، وهو شخصيا لم نألفه قارئا في الكتاب الطائفي.لكن الرجل كما يبدو بلغ به اليأس والاحباط مبلغا يجاري خيبات جيلنا، ما دفعه الى الدعوة للخروج من الطائفية المقنعة التي يعيشها البلد الى طائفية معلنة، على قاعدة القاء النفس في النار لاطفائها، او على حد قول الشاعر «كالمستجير من الرمضاء بالنار».
على ان المشروع يوجب النقاش دفعا لرفض ان يتحكم به المزاج والنكد السياسي والسلبية غير المنتجة. قد يكون الفرزلي محقا في ان المشروع برنامج مرحلي يفجّر الطوائف من الداخل بصورة ايجابية وصولا الى اعادة جمعها في بوتقة الوطن، ولكن الا يعتقد دولة الرئيس انه يفكّك آخر الروابط الوطنية في البلاد ويشجع على تعزيز الكانتونات الطائفية، ويحوّل ملوك الطوائف والمذاهب الى آلهة يقبضون على ازمّة جماعاتهم، يمنحون البراءة والشفاعة ويصدرون التراخيص الى جنات عدن، تماما كما كان يفعل الكرادلة في القرون الوسطى؟ وبالتالي متى كان اصحاب السلطة يتخلون عن عروشهم لوجه الله الواحد الأحد؟
عندما نشرّع انتخاب الطوائف والمذاهب لنوابها في البرلمان، ماذا نقول للقوميين والوطنيين والعلمانيين (وهم ليسوا بقلّة)؟ الا يعني ذلك تهميشهم وعزلهم وابعادهم عن الحياة السياسية داخل البرلمان وخارجه ايضا؟ أم أن المضحك المبكي يكون في استنباط طوائف ومذاهب جديدة في البلد بعنوان «الطائفة العلمانية اوالقومية أوالوطنية ؟»
يعرف الرئيس الفرزلي ان قانون الانتخاب الحالي اعاد لبنان خمسين سنة الى الوراء وشكّل مخالفة فاضحة لاتفاق الطائف. فهل يعيدنا المشروع الجديد مئتي سنة الى التاريخ الذي كانت فيه كل طائفة تعتمد قنصلا اجنبيا لحمايتها من مثيلاتها في الوطن؟
لا يتسع المجال لمزيد من النقاش في هذه المقالة، لكن من حق جيلنا ان يستمر في الحلم بوطن، على الرغم من الزمن الذي ضاع هباء منثورا طوال العقود الماضية. ومن حق الشهداء الذين سقطوا على نسائم هذا الحلم ان يحاسبونا ولو من باب اللوم والعتب. من حق كمال جنبلاط وغيره ان يحمدوا الله على غيابهم قبل ان يشهدوا مآلنا وأحوالنا. ومن حق زميلنا ومفكرنا نصري الصايغ حامل لواء العلمانية وقائد «البيت العلماني» ان «يخبط طربوشه بالارض» ويصرخ مع الشاعر: «رب يوم بكيت منه فلما صرت في غيره صرت أبكي عليه».

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تحية الافتتاح