19‏/09‏/2011

الجدال البيزنطي لايضيء شمعة واحدة

واصف عواضة
ما من لبناني واحد مقتنع بأن النقاش الدائر حول مشروع الكهرباء هو نقاش تقني مالي بريء من دم السياسة. لكن «الشعب اللبناني العنيد» المقيم في الظلمة منذ نحو عشرين عاماً، منقسم حول جناحي السياسة في البلد، لدرجة توحي بأن كل فريق يفضل انتصار فريقه السياسي في هذه المعركة على عودة الكهرباء أربعاً وعشرين ساعة وانتهاء عصر الظلام في لبنان.
حبذا لو أن كل المشاريع الحيوية في البلد حظيت خلال العشرين عاماً الماضية بمثل هذا النقاش الدقيق الذي يدور حول مشروع الكهرباء اليوم، لكنا وفرنا جانباً مهماً من الدين العام الذي يرزح تحته لبنان، او على الأقل بقي الكثير من هذه المشاريع في الأدراج، وغابت عن معظمها الشبهات التي يتداولها السياسيون بين الفينة والأخرى. بالتأكيد كان المرحوم رفيق الحريري طلّق الحكومة وفضل ان يهجر البلد الى غير رجعة.
حتى الآن يمكن القول إن فريق المعارضة نجح في استدراج الحكومة والاكثرية النيابية او بعضها الى جدال بيزنطي عقيم، في وقت يعجز فريق الموالاة عن اقناع جمهور المعارضة بمشروعه الذي يطال هذا الجمهور بالخير والنور. ويستنتج من هذا الواقع احد أمرين: اما ان المعارضة تتمتع بوافر الحنكة والدهاء والذكاء، وهذا ليس نقيصة في العلم السياسي، واما ان اهل المشروع عاجزون عن الدفاع عن قضيتهم بسبب الأداء الذي رفع الموضوع الى مستوى التحدي السياسي، فيما هو تحدّ معيشي اجتماعي انساني يطال الشعب اللبناني بأكمله. وأغلب الظن أن الأمرين صحيحان، وان كان فيهما بعض الظلم للطرفين. وفي الخلاصة تبدو المعركة سياسية بامتياز، والناس متأطرة حول الفريقين. والمشكلة ان الناس تريد ان تأكل العنب وتقتل الناطور.
غير ان الجدل البيزنطي الدائر حول المشروع لن يضيء شمعة واحدة. وهذا يفترض بالحكومة وأكثريتها النيابية اللجوء الى الحسم السريع في هذا المجال لأن المشروع قضية عامة بامتياز لا يستفيد منها فريق دون آخر، ولأن الورشة الحكومية المثقلة بالمتطلبات المعيشية والادارية والسياسية تبدو عالقة عند ابواب وزارة الطاقة ومشروع الكهرباء. وهذا ايضاً يتطلب، اول ما يتطلب، سحب البساط السياسي من تحت المشروع الذي صار مشروع الحكومة وليس مشروع جبران باسيل الذي تصرّ المعارضة كما يبدو على إسقاط هذه الورقة من يده ويد جنراله وتكتله. وقد يكون من الأجدى أن يتوقف تكتل التغيير والإصلاح عن الدفاع عن هذا المشروع ويترك للحكومة مجتمعة هذه المهمة.
في اي حال، عشرون عاماً من الظلام في لبنان باتت كافية جداً كي تتوقف الطبقة السياسية عن ممارسة الترف السياسي في ما يتعلق بحياة الناس، خصوصاً أن المنطقة على كف عفريت، ولبنان ليس بجزيرة معزولة عنها. وفي هذا السياق فإن اي حكومة تعيد الكهرباء كاملة للناس تستحق لوحة تكريمية على صخور نهر الكلب الى جانب لوحة الجلاء. فهل تحقق حكومة الرئيس نجيب ميقاتي هذه الأمنية له وللبنانيين معاً؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تحية الافتتاح