02‏/05‏/2012

وداعاً «دولة صائب بك»!

واصف عواضة
السفير 28 نيسان 2012
كان الرئيس الراحل صائب سلام يردد مقولة شهيرة كلما اشتدت الأزمات، مؤداها ان «لبنان يقوم على التفهّم والتفاهم ويطير بجناحيه المسلم والمسيحي»، ومن دون ذلك ليس هناك ما يقدم او يؤخر في حياة البلد. ويُنسب الى رئيس الحكومة الراحل الحاج حسين العويني انه كان كلما فُوتح في مسألة خلافية يجيب: «يعني هيك وهيك»، في اشارة الى ضرورة اعتماد التوازن في اتخاذ القرارات. ولا يخفى على معاصري رؤساء الحكومات، من قبل ومن بعد، أن هذه السياسة ظلت تحكم لبنان طويلا وتتغلب على الدساتير والقوانين والأنظمة، حتى إنها تخطت نهج رؤساء الوزارات الى رؤساء الجمهورية ومجالس النواب.
في الأساس، قام استقلال لبنان على هذه السياسة التي بُنيت على معادلة بشارة الخوري ورياض الصلح: «يتخلى المسيحيون عن الغرب ويتخلى المسلمون عن الشرق». ومنذ ذلك الحين، كان البلد ينفجر كلما حاد أهلوه عن هذه المعادلة او خرجوا عن المألوف. وليس غريبا بالمطلق عن تقاليد لبنان، اعتماد الحكومة الحالية سياسة «النأي بالنفس» في ما خص الأزمة السورية.
خرج لبنان عن المألوف في العام 1958 حين جنح الرئيس كميل شمعون باتجاه «حلف بغداد»، فانفجرت الأحداث ونزلت قوات «المارينز» الاميركية في لبنان، وانتهى المسار برحيل شمعون عن السلطة وانتخاب الرئيس فؤاد شهاب في تسوية تاريخية مشهودة بين جناحي لبنان المسلم والمسيحي.
وخرج لبنان عن المألوف في بداية السبعينيات باحتضانه القضية الفلسطينية، فانفجرت الحرب الاهلية عام 1975، واستمرت الى العام 1990، وتخللها اجتياحان اسرائيليان. وانتهت الحرب بتسوية تاريخية في الطائف بين الجناحين المسلم والمسيحي ايضا.
وخرج لبنان عن المألوف بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري وما أعقب ذلك من اغتيالات، فانفجرت الأزمة سياسيا وأمنيا، وانتهت باتفاق الدوحة في تسوية تاريخية ملأت فراغ الرئاسة الاولى وجاءت بحكومة الوحدة الوطنية، وكل ذلك بالتفاهم بين الجناحين المسلم والمسيحي على المواقع النيابية، وإن كان الخلاف قد أخذ هذه المرة طابعا سياسيا.
اليوم يُطرح على بساط البحث قانون جديد للانتخابات يعتمد النسبية كمقدمة للاصلاح المنشود، وقد بدأت ردود الفعل حوله سلبا وإيجابا. المسلمون منقسمون حياله كما المسيحيون. ويبدو ان هذا القانون لن يرى النور، مثله مثل مختلف المشاريع المطروحة على بساط البحث، لأن النكد السياسي هو الذي يتحكم بالنقاش بين القوى اللبنانية. لا يريد أحد أن يفهم أحدا أو يتفاهم مع أحد. والقاعدة السائدة: «لا تفهّم ولا تفاهم». وعليه يكون النظام السياسي الطائفي في لبنان قد بلغ اسوأ مراحله، ولا سبيل الى الحلول الا بتغييرات جذرية تبدو اكثر من مستحيلة في هذه المرحلة. ويفترض بنا والحالة هذه ان نتوقع مزيدا من التأزم على مشارف انتخابات نيابية لن تغيّر من واقع الأمور شيئا، ايا كان المنتصر فيها أو المهزوم، لأن العلة في النظام وليست في أهله فقط.
البعض يرد الشلل الحالي الذي يعيشه لبنان الى الأزمة السورية، ويرى ان الانفراج رهن بحسم هذه الأزمة.غير أن المؤشرات توحي بأن الواقع السوري يتجه نحو الشلل ايضا، على قاعدة: «لن يسقط النظام.. لكنه لن يرتاح»، لأن المطلوب من الاساس تعطيل الدور السوري في المنطقة، وقد نجح المخططون في تحقيق هذا الهدف. فماذا لو طالت الأزمة السورية سنوات عدة، وماذا يفعل اللبنانيون في بلدهم؟
في الخلاصة، كان الطموح ان ينتقل لبنان من دولة «التفهّم والتفاهم» و«الهيك وهيك»، الى دولة القانون والمؤسسات والمواطنة. صار حلما الاحتفاظ بـ«دولة التفهّم والتفاهم».
وداعا «دولة صائب بك»!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تحية الافتتاح